1/ محبة النبي صلى الله عليه وسلم والذود عن حياضه والدفاع عن عرضه دين وإيمان، كما أن إهمال ذلك والتفريط فيه نفاق وطغيان
2/ انقسام الناس إزاء الإساءة إليه والنيل من عرضه الشريف والتعرض له بالسوء إلى فريقين: فريق مؤمن محب مبارك سعى في إنكار هذا المنكر بما يستطيع، وفريق منافق حاول التقليل من خطورة الأمر والتهوين من شأنه تحت دعاوى العقلانية والواقعية
3/ سلاح المقاطعة سلاح فعال قد استخدمته أمم كثيرة، وأثبت فعاليته وجدواه، وغالباً ما كان النصر حليف المقاطعين، وهذه المقاطعة تقوم على أدلة منها:
أولاً: الكليات الخمس التي أوجب الشارع حفظها وصيانتها هي: الدين والنفس والمال والعقل والعرض، في مقدمتها الدين الذي من أصوله محبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنه ونصرته وتوقيره؛ {لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وقد قام بذلك الصحابة رضي الله عنهم، وأعراض الأمة جميعا فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق حسان بن ثابت إذ قال:
هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ/ وَعِندَ اللهِ في ذاكَ الجَزاءُ
أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ/ فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ
هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً/ أَمينَ اللهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ
فَإِنَّ أَبي وَوالِدَهُ وَعِرضي/ لِعِرضِ مُحَمَّدٍ مِنكُم وِقاءُ.
ثانياً: الجهاد أفضل الأعمال وذروة سنام الإسلام، وكل آيات الجهاد في القرآن الكريم ذكرت جهاد المال والنفس كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
والمقاطعة الاقتصادية داخلة في الجهاد بالمال؛ لأن الجهاد كما يكون ببذل المال لإضعاف العدو، يكون بإمساكه عنه لإرهاقه وإضعافه.
وقال جلّ ثناؤه في بيان أنواع من العمل الصالح تعد من أنواع الجهاد وروافده {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} وثبت أن المقاطعة الاقتصادية نالت من تجارتهم نيلا، وأدخلت عليهم هما وغيظا.
ومن أدلة السنة ما أخرجه أبوداود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم) فأدنى درجات الجهاد بالمال إمساكه عن الوصول إلى المستهزئين والمستكبرين.
ثالثاً: استخدمت قريش سلاح المقاطعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصارهم له وللمؤمنين به في شعب أبي طالب بداية العام السابع من البعثة، واستمرت المقاطعة ثلاث سنين، صبر فيها أهل الشعب أجمعين، لكن أبلغ الدروس كانت في صبر كرام بني هاشم الذين كانوا على دين قومهم وصبروا محبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضامنا معه!
وعندما طلبت قريش من أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحوطه ويدافع عنه، أن يترك نصرته لاسيما وأنه ليس على دينه، رد عليهم بقصيدة طويلة جاء فيها:
وَنُسلِمهُ حَتى نُصَرَّعَ حَولَهُ / ونذْهلَ عن أَبنائِنا والحَلائِلِ
ولما أصيب عبيدة بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المبارزة قبيل غزوة بدر وحُمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجره وهو يجود بنفسه، أخذ يردد أبيات أبي طالب ويقول: أنا أولى منه بما قال.
رابعا: أول من استخدم سلاح المقاطعة في الإسلام، ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة رضي الله عنه عندما قال لقريش وهو يؤدي العمرة بعد إسلامه: (والله لا تأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول صلى الله عليه وسلم). والقصة بتمامها في صحيح البخاري، وعلق عليها ابن حجر بأن قريشا لم تجد بدا من مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ثمامة بما لهم من رحم لرفع الحصار عنهم، واستجاب لهم عليه الصلاة والسلام.
خامساً: أول فتوى صدرت في وجوب مقاطعة الأعداء تحدث عنها الإمام القرافي المالكي (684ـ/1285م) في “الذخيرة” حيث ذكر أن الطرطوشي (المالكي1126/520) صنّف كتابا في تحريم جبن الروم “نشرته دار الغرب الإسلامي” وجاء في “الديباج” لابن فرحون: “أن الطرطوشي حرم الجبن الذي يأتي به النصارى”
فتوى الطرطوشي وكلامه كان منصباً على استخدام الروم لدهن الخنزير في تغليف الجبن، مما جعل أكله محرماً ودعا إلى مقاطعة التجار الذين يبيعونه، وأن أدواتهم التي يستخدمونها نجسة، وطبعت الفتوى في كتاب صغير الحجم، لكن تعاقب عليه العلماء بالشرح والتعليق، وذكروا أنه لا يمكن فصل الفتوى عن الجو العام الذي قيلت فيه، من احتدام الحرب بين المسلمين والصليبين.
سادساً: أول فتوى في وجوب مقاطعة بضائع فرنسا صدرت عام 1898م عن الشيخ محمد المكِّي بن عزُّوز أحد كبار علماء تونس دعا فيها إلى المقاطعة الاقتصادية للمحتل الفرنسي. ذكر ذلك، علي رضا الحسيني في كتاب: محمّد المكّي بن عزُّوز / حياته وآثاره.
سابعاً: فتوى الشيخ عبد الرحمن السعدي: “ومن أعظم الجهاد وأنفعه السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم ولا تفتح لها أسواق المسلمين، ولا يمكنون من جلبها إلى بلاد المسلمين؛ بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويأخذون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة، وكذلك لا تصدر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم.
أخيرا: من ثوابت الشريعة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
ومقاطعة المستهتر بديننا والداعم للسخرية من نبينا هو أضعف الإيمان، إنه سلاح الامتناع والترك، والذي نجاحه في الاستمرارية والصبر، وهو أقل القليل الذي نقدمه لإمام المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ}