1- قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} وقال الله عز وجل: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} قال الحكماء: إنما شبه الله تعالى الدنيا بالماء:
- لأن الماء لا يستقر في موضع كذلك الدنيا لا تبقى على واحد
- ولأن الماء لا يستقيم على حالة واحدة فكذلك الدنيا
- ولأن الماء لا يبقى ويذهب كذلك الدنيا تفنى
- ولأن الماء لا يقدر أحد على أن يدخله ولا يبتل كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها
- ولأن الماء إذا كان بقدر كان نافعاً منبتاً وإذا جاوز المقدار كان ضاراً مهلكا، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع وفضولها يضر. وفي صحيح مسلم {قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه}[1]
وقال الله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} إنه تحذير من الله تعالى للذين يركنون إلى هذه الحياة الدنيا يقول لهم: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} هل اطمأننتم إليها؟ هل انشغلتم بها؟ هل تظنون أنكم ماكثون فيها أبداً؟! {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} ومعنى لهي الحيوان: يعني هي الحياة المستقرة الدائمة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ}.
إن ما في هذه الحياة الدنيا من أنواع الزينة هي فتنة للناس فعلاً، إنها تشدهم ببهرجها، إنها تشغلهم بمتعتها ولذتها، قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} المسومة: المعلمة المطهمة، الأنعام والحرث: أي المزروعات.
2- لماذا سميت الدنيا بالدنيا؟ الدنيا من الدنو، الدنيا عكس العليا، ونحن نعيش في هذه الحياة الدنية الناقصة القصيرة الفانية، ولذلك فإن نظر المسلم يتطلع دائماً وأبداً إلى الآخرة ولا ينشغل بما في هذه الدنيا من الزخارف، إن الدنيا حلوة خضرة حتى لا يقول أحد: إن الدنيا ليس فيها متاع ولا بهرج، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة) أي: أن فيها فتناً وملذات وجمالاً وما يشغل ويلهي (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) رواه مسلم.
ولقد مثَّل لنا النبي صلى الله عليه وسلم الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة بمثل عجيب، فقال عليه الصلاة والسلام: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل إصبعه فيه فما خرج منه فهو الدنيا) اغمس إصبعك في البحر ثم أخرجه فما علق به من النداوة هو نسبة الدنيا إلى الآخرة.
3- كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يحرر الأمة من أسر الدنيا ويقول لهم: (إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً) فالذي في الدنيا ملعون لأنه يشغل عن طاعة الله إلا ما كان من طاعة الله، إلا ذكر الله وما والاه ولو كان نكاحاً يستعين به على العفة، أو مالاً يستعين به على الصدقة والصلة والنفقة الواجبة، أو راحة يقوم بعدها للعبادة، إلا ذكر الله وما والاه وما كان تابعاً له وما خدمه، أو عالماً ومتعلماً.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يضرب المثل القولي والفعلي للدنيا (مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بالعالية -وهي ناحية في المدينة – فمرَّ بالسوق فمرَّ بجدي أسك -صغير الأذن- ميت فتناوله فرفعه فقال: بكم تحبون أن هذا لكم؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به، والله لو كان حياً لكان عيباً فيه أنه أسك فكيف وهو ميت؟! قال عليه الصلاة والسلام: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
4- الدنيا بكل ما فيها من المصانع اليوم والمزارع الضخمة والعمارات الشاهقة والمخترعات أهون على الله من جدي ميت صغير الأذنين على أهله، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب المثال تلو المثال في توضيح هذه القضية إصراراً منه صلى الله عليه وسلم على أن تكون المسألة حية في حس الناس، قال: (إن مطعم ابن آدم قد ضرب مثلاً للدنيا) الطعام الذي نأكله في دخوله وخروجه مثل للدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: (وإن قزَّحه وملَّحه فانظر إلى ما يصير) فهات أشهى طبق من أطباق الطعام في الدنيا بعد تحسينه وتمليحه ماذا يصير عند خروجه من الآكل، ماذا يصير برائحته وبمظهره ومنظره؟! هكذا الدنيا.
5- إن ناساً قد شغلتهم دنياهم عن آخرتهم، وعملوا للدنيا وغفلوا عما له قد خلقوا؛ قال الله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ما خلقنا ربنا لنلهو ونلعب ولا لنغني ونطرب، وما خلقنا من أجل أن نتأثل هذه الدنيا ونتزود منها ويكون أحدنا كالذي يأكل ولا يشبع، بل خلقنا من أجل أن نعبده طويلا ونذكره كثيرا ونسبحه بكرة وأصيلا، فما أعظم خسارة من شغلته التجارة عن الصلاة، وما أشد ندم من جهد لدنياه ولم يسع لذكر الله، وما أغبن صفقة تستبدل بها الدنيا بالآخرة {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}؟؟؟ يا من بلغت من الكبر عتيا وقد أوسع الله عليك في المعيشة ولم تفكر في حج بيت الله الحرام ماذا تنتظر؟؟ يا من شغلتك التجارة عن أداء الصلاة في أوقاتها ماذا أنت قائل لربك؟؟
وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يبينِّ لنا أيضاً أن العبادة أهم من الدنيا وما فيها، وأن الشيء اليسير من الجنة أغلى وأعلى من الدنيا وما فيها فقال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله -في أول النهار- أو الغدوة -في آخر النهار- خير من الدنيا وما عليها) وقال عليه الصلاة والسلام: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم -موضع القوس- أو موضع قدمه في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
5- أكل الحرام هو تناول ما يثاب على تركه تقرّباً للّه تعالى من الأطعمة ونحوها ممّا ثبت المنع عنه. وبعض الناس – عياذاً بالله – تفسد فطرته وتنطمس بصيرته حتى يستطيب الحرام،
6- التحذير من أكل الحرام وبيان عاقبته، وقد وردت النصوص في القرآن، ومن ذلك:
- {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ}
- {يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً}
- { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ}
- {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
- {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
- {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}
7- وأما من السنة فما أكثر الأحاديث التي جاءت محذرةً من أكل الحرام، ومبينة لسوء عاقبته، ومن ذلك:
- أكل الحرام جالب للعنة الله عز وجل ولعنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول وهو بمكّة عام الفتح: «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس، فقال: لا، هو حرام. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند ذلك: قاتل اللّه اليهود، إنّ اللّه لمّا حرّم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» رواه البخاري.
- أكل الحرام مانع من قبول الدعاء؛ فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس! إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا طيّباً، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ. يا ربّ. ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذّي بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟» رواه مسلم.. قال مالك بنُ دينار رحمه الله تعالى: أصاب بني إسرائيل بلاءٌ،فخرجوا مخرجاً، فأوحى الله تعالى إلى نبيِّه أنْ أَخبرهم أنَّكم تخرُجون إلى الصَّعيد بأبدانٍ نجسة، وترفعون إليَّ أكُفَّاً قد سفكتُم بها الدماء وملأتم بها بيوتَكم من الحرام، الآن اشتدَّ غضبي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بعداً. وقال بعض السَّلف: لا تستبطئ الإجابة، وقدسددتَ طرقها بالمعاصي، جامع العلوم والحكم لابن رجب
- أكل الحرام يجعل على البصر غشاوة بحيث لا يميز العبد الطيب من الخبيث، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من حرام. رواه البخاري
- أكل الحرام سبب لفضح صاحبه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ فعن أبي حميد السّاعديّ رضي اللّه عنه قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له «ابن اللّتبيّة» (قال عمر وابن أبي عمر: على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم فيها شيئاً إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه ثمّ قال: «اللّهمّ هل بلّغت» مرّتين. متفق عليه
- سبب لدخول النار؛ فعن أمّ سلمة رضي اللّه عنها عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» متفق عليه.
- أكل الحرام سبب للحرمان من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وسبب لبراءة النبي عليه الصلاة والسلام من آكله؛ فعن كعب بن عجرة- رضي اللّه عنه- قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «أعيذك باللّه يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة! الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة. والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» الترمذي والنسائي والحاكم.
- إذا كان المال من حرام فلا يقبل من صاحبه إن تصدق به؛ فعن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» رواه الترمذي وابن ماجه
- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: لا يقبل اللّه صلاة امرئ في جوفه حرام
4- حال السلف رحمهم الله تعالى في التحري في مكاسبهم:
- الصديق رضي الله عنه شرب لبناً من كسب عبده ثم سأل عبده فقال تكهنت لقوم فأعطوني فأدخل أصابعه في فيه وجعل يقىء حتى ظننت أن نفسه ستخرج ثم قال اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء
- وقال الفضيل من عرف ما يدخل جوفه كتبه الله صديقاً فانظر عند من تفطر يا مسكين
- وقال سفيان الثوري رضي الله عنه من أنفق من الحرام في طاعة الله كان كمن طهر الثوب النجس بالبول والثوب النجس لا يطهره إلا الماء و الذنب لا يكفره إلا الحلال
- وقال سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أو لم يعلم
- وروي في آثار السلف أن الواعظ كان إذا جلس للناس قال العلماء تفقدوا منه ثلاثا فإن كان معتقداً لبدعة فلا تجالسوه فإنه عن لسان الشيطان ينطق، وإن كان سيء الطعمة فعن الهوى ينطق، فإن لم يكن مكين العقل فإنه يفسد بكلامه أكثر مما يصلح فلا تجالسوه
- واجتمع الفضيل بن عياض وابن عيينة وابن المبارك عند وهيب بن الورد بمكة فذكروا الرطب فقال وهيب هو من أحب الطعام إلي إلا أني لا آكله لاختلاط رطب مكة ببساتين زبيدة وغيرها فقال له ابن المبارك إن نظرت في مثل هذا ضاق عليك الخبز. قال: وما سببه؟ قال: إن أصول الضياع قد اختلط بالصوافي فغشى على وهيب فقال سفيان قتلت الرجل فقال ابن المبارك ما أردت إلا أن أهون عليه فلما أفاق قال لله علي أن لا آكل خبزا أبدا حتى ألقاه. قال فكان يشرب اللبن قال فأتته أمه بلبن فسألها فقالت هو من شاة بني فلان فسأل عن ثمنها وأنه من أين كان لهم فذكرت فلما أدناه من فيه قال بقي أنها من أين كانت ترعى فسكتت فلم يشرب لأنها كانت ترعى من موضع فيه حق للمسلمين فقالت أمه اشرب فإن الله يغفر لك فقال ما أحب أن يغفر لي وقد شربته فأنال مغفرته بمعصيته
- وكان بشر الحافي رحمه الله من الورعين فقيل له من أين تأكل فقال من حيث تأكلون ولكن ليس من يأكل وهو يبكي كمن يأكل وهو يضحك وقال يد أقصر من يد ولقمة أصغر من لقمة
الخطبة الثانية
تخفق قلوب المسلمين في هذه الأيام شوقاً إلى بيت الله الحرام، وطمعاً في الفوز بالوقوف في تلك العرصات المقدسة والبقاع الطاهرة، وأملاً في نيل مغفرة الله ورضوانه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ألا فاعلموا أيها المسلمون أن الحج المبرور من شروطه أن تكون النفقة من حلال وأن يكون الزاد من حلال والراحلة من حلال، من أجل أن يقال لك: لبيك وسعديك، وحجك مبرور غير مأزور، وإياك أيها المسلم والحرام والشبهات؛ حذرا من أن يقال لك: لا لبيك ولا سعديك، حجك مأزور غير مقبول.
[1] الجامع لأحكام القرآن 10/412