خطب الجمعة

لماذا يقع الطلاق؟

خطبة يوم الجمعة 26/11/1438 الموافق 18/8/2017

أولاً: قد يقع لأسباب تافهة؛ في كثير من الأحيان تكون الأسباب تافهة، بل في غمرة الغضب والانفعال تنفلت الأعصاب، خاصة حين يكون الزوج عصبياً لا يملك نفسه، وتكون المرأة أيضاً لا تحسن سياسة الزوج، فربما طلقها مثلاً لأنها لم تحسن طهي الطعام؛ أو لأنها أحرقت الثوب حين كوته؛ أو لأنها تأخرت في إيقاظه عن الدوام أو لغير ذلك. وهذا طلاق يتبعه غالباً الأسف والندم القاتل، فيذهب المطلِّق عند أبواب العلماء، يلف يمنة ويسرة، ويلتمس المعاذير ويبحث عن مخرج له، فمرة يقول: طلقتها وهي حائض؛ لأنه عصبي، فيقول: أنا طلقت زوجتي عدة طلقات، لكن مرة وهي حائض، ومرة طلقتها في طهر جامعتها فيه، ومرة جمعت لها طلقتين أو ثلاثاً في كلمة واحدةً، ومرة جعلته طلاقاً معلقاً، فقلت: إن خرجت فأنت طالق فخرجت، أو إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق فذهبت إلى غير ذلك.

ومما يذكر ويحكى: أن الفرزدق كان عنده امرأة يحبها اسمها نوار، فطلقها فندم على ذلك ندماً شديداً، فأنشأ يقول:

ندمت ندامة الكسعي لما غدت مني مطلقة نوار

وكانت روضتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار

فأصبحت الغداة ألوم نفسي بأمر ليس لي فيه اختيار

ثم أراد الفرزدق زوجته، فذهب إلى ابن الزبير يريد أن يراجع زوجته وذهب إلى ولده حمزة؛ ليشفع له عند أبيه، وذهبت نوار إلى زوجة عبد الله بن الزبير تقول لها: بلِّغي زوجك بأني لا أريد الفرزدق فلا يحاول؛ إنني لا أريده؛ لأنه رجل فيه كذا وكذا، فكان كل ما صنعه حمزة نهاراً من إقناع والده بالشفاعة؛ نقضته زوجته ليلاً، حتى غلبت المرأة، وقرر ابن الزبير ألا يعود الفرزدق إلى زوجته، فقال الفرزدق يهجو عبد الله بن الزبير ويخاطبه:

أما البنون فلم تُقْبَل شفاعتهم وشُفِّعَت بنت مظعون ابن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

المهم أن ابن الزبير قال للمرأة: إن هذا رجل شاعر، فإني أخاف أن يهجوني، فلو رجعت إليه، فقبلت الرجوع إليه، ثم طلقها مرة أخرى، وأشهد على هذا الحسن البصري وطلاب حلقته، فجاء وهم جالسون فقال: اشهدوا أني قد طلقت زوجتي نواراً، فشهدوا عليه، ثم ندم بعد ذلك. وهكذا يطلق يوماً ثم يندم يوماً آخر، ولهذا كانت العرب تذم الإنسان المزواج أو الذواق المطلاق، بل جاء في هذا حديث -لكنه لا يصح، في ذم الذواق المطلاق أو المزواج المطلاق، يتزوج بكرةً ويطلق مساء.

ثانياً: من أسباب الطلاق أيضاً المعصية، وكم من زوجة تركت زوجها لأنه لا يصلي، أو يتعاطى المخدرات، أو يحمل أفكاراً فاسدة، أو يسافر إلى الخارج للفساد، أو يتعامل بالربا وما حرَّم الله عز وجل أو غير ذلك، وكم من طلاق كان سببه كثرة سفر الزوجين إلى الخارج، مرة لقضاء شهر العسل، ومرة لقضاء الإجازة، وثالثة ورابعة! أو كان الطلاق نظراً لاحتواء البيت على ما حرم الله عز وجل، كمشاهدة التلفاز، وما يعرض فيه من مشاهد مؤذية فاسدة، أصبحت يوماً بعد يوم تتردى وتنهار، ويعرض فيها ما يهدم الدين والأخلاق، أو مشاهدة أشرطة الفيديو أيضاً التي أصبحت الجهات المراقبة لها تتسامح فيها أكثر وأكثر؛ فيعرض فيها كل شيء، اللهم إلا الفاحشة، أما مشاهدة ما سوى ذلك فهو أمر موجود. ومثله أيضاً ما يحدث في الزواج، سواءً في ليلة الزواج من مخالفات شرعية، كالاختلاط، والأغاني المحرمة، والتصوير وسوى ذلك، أو حتى قبل الزواج.

ثالثاً: الإسراف في المهور، وهذه القضية لا أدري متى تنتهي، إنها ما زالت عقبة تحول بين كثير من الناس وبين إعفاف فروجهم بما أحل الله عز وجل، وقد نهى عنها عمر رضي الله عنه كما في سنن أبي داود وغيره: (لا تغالوا في صدق النساء) والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أكثرهن بركة أيسرهن مؤنة) فينبغي أن نحمل على عواتقنا تيسير مؤنة الزواج بقدر المستطاع، وليست القضية منافرة أو مفاخرة أو مباهاة بمقدار المهر الذي دفعه فلان!

رابعاً: الغفلة عن ذكر الله تعالى في كل حال، ذكر الله تعالى عند الدخول على المرأة، وعند دخول المنزل، وعند معاشرتها، وعند الصباح، وعند المساء وغير ذلك؛ فإن ذكر الله تعالى يحفظ العبد بإذن الله عز وجل من كيد وشر شياطين الجن والإنس.

خامساً: من أسباب الطلاق: سوء التربية؛ ومن أمثلة سوء التربية: الدلال الزائد للبنت قبل الزواج، وعدم تعويدها على تحمل مسؤولية الزوج أو مسؤولية المنزل، خاصة حين تكون وحيدة أبويها، فيراعون ظروفها، وأنها الآن مشغولة بالدراسة أو مشغولة بغير ذلك، أو لا يريدون أن تتحمل أية مشقة، فيكون نتيجة ذلك أنها تكون غير قادرة على المشاركة في إقامة الحياة الزوجية.

ومن سوء التربية: ترك الولد أو البنت للتلفاز والصحيفة، فتجد البنت – مثلاً – تقرأ مجلة سيدتي أو حواء أو الحسناء أو الشرقية ولا تعرف من ذلك إلا هذه الصحف والمجلات التي تغريها بكل نقيصة. ولذلك كان من أهم مهمات هذه المجلات، التي هي منابر هدم وتخريب وأحياناً ضرار، من أهم مهماتها: إغراء المرأة بأن تحارب من حولها، فهي تشجعها على رفع قوامة الرجل! أو تصور هذه الصحف الحياة العائلية للبنت على أنها ميدان حرب، وأنها يجب أن تخوض معركة مع زوجها، وتخوض معركة أخرى مع أبيها الذي يبتزها، وتخوض معركة ثالثة مع أخيها الذي أخذ الصلاحيات، وأصبح هو يخرج ويلعب ويسرح ويمرح، ويمنعها من الخروج في زعمهم، ومعركة رابعة وخامسة وسادسة فعبأوا هذه البنت، وحاولوا أن تكون قنبلة تحارب المجتمع وتسعى إلى تدميره.

سادساً: فإن هناك أسباباً وهمية؛ مثل أن بعضهم قد يشك في زوجته، خاصة لو لم ير في ليلة الزواج ما يدل دلالة قاطعة على بكارتها، وينسى أن هذا الأمر ليس أمراً قاطعاً ضرورياً لكل امرأة، وقد يكون هناك أسباب وجيهة، وقد يكون هناك أمور لا يدري بها، وقد يكون عنده هو شيء من عدم الخبرة في مثل هذه الأمور، فتسرعه في إلقاء لفظة الطلاق، دون تبصر، ودون تثبت، ودون تأني، هو بلا شك غير محمود. وبعضهم أصلاً يشك ويوسوس في الطلاق، فهو لا يقبل من المرأة أي شيء، ويظن فيها بكل قول أو فعل أو حركة أو اتصال أو مكالمة، فبعض الناس يوسوسون في مثل هذا الأمر، ولا شك أن هذا ليس من شيم الرجال ولا من مكارم الأخلاق.

سابعاً: من أسباب الطلاق تدخل الآخرين في الحياة الزوجية؛ يروى أن أحد الصحابة رضي الله عنه، رأى من زوجة ابنه أمراً يكرهه، فأمره أن يطلقها، فطلقها الولد وهو حزين، فسمعه أبوه يوماً وهو يقول:

فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير شيء تطلق… فرقَّ له وأمره أن يراجعها.

وهذا أيضاً من مثالية أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتقديرهم لظروف الآخرين، ظروفهم النفسية، ظروف التعلق القلبي والمحبة والارتياح مع المرأة، حتى لو كان الأب يجد فيها بعض ما لا يحب منها، أو كانت الأم كذلك.

إن تدخل أهل الزوج – مثلاً – في الحياة الزوجية مع ولدهم؛ يعكر صفاء حياتهم، وكذلك تدخل أهل الزوجة يزيد الأمور تعقيداً، ولا داعي لأن أذكر صور التدخل بينهما، فهي ذات أشكال وصور كثيرة، ولكنها غالباً ما تتم على شكل وصايا من أم الزوجة لابنتها، تظن أنها تستطيع أن تستحوذ بها على الزوج وتكسب منه كل شيء، أما أم الزوج، فإنها تشعر في كثير من الأحيان، بأن بنت الناس هذه المرأة الغريبة الجديدة، قد اختطفت ولدها وفلذة كبدها من يدها، ولذلك فهي تعتبر أنه لا بد من الحيلولة دون ذلك، وعلى هذه الرحى تنطحن العلاقة الزوجية.

وحكمة الزوجين وتفهمهما، من الممكن أن تضع حداً لتدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة، فمن الممكن ألا يطلع الزوج أهله ولا الزوجة أهلها على ما يجري أولاً، ثم إذا علموا؛ فينبغي أن يعالج الأمر بالحكمة، ويعتبر أنه يمكن أن يواجههم بالكلام الطيب، فيقول: إن شاء الله يكون خيراً، وسوف ترضى وما أشبه ذلك، ولكن يبقى أنه يدرك أن الحياة الزوجية تخصه هو دون غيره، وهو الذي تولى عقدة النكاح وأمر الزواج.

ومن واجب أهل الزوجين: الكفُّ عن التدخل في خصوصيات الآخرين، وألا يكونوا سبباً في تدمير حياة ابنهم أو حياة ابنتهم، فمثلاً إذا تمَّ الطلاق، فمتى سيتزوج الولد؟ بعد زمان طويل، نظراً لأن تكاليف الزواج كثيرة جداً.

أما الفتاة فأمرها أصعب، فإن المرأة المطلقة عندنا، أصبح الكثيرون ينظرون إليها نظرة ريبة، لماذا طلقت؟ قد تكون غير صالحة للحياة الزوجية. وربما يتأخر زواجها، أو على الأقل لا يأتيها من هو كفء وملائم لها، فيتزوجها إنسان ليس مناسباً لها في كثير من الأحيان. وعلى أي حال، فإن الطلاق مصيبة في حق الزوج وفي حق الزوجة، ولذلك ينبغي ألا يسعى أهل الطرفين إلى إيقاع هذه المصيبة عليهما.

أما التدخل من الأباعد، سواء أكانوا من الجيران أم الأصدقاء أم حتى من غيرهم، فهو مشكلة أخرى، تأخذ أيضاً طابع النصيحة، أو طابع التثبت من خبر سمعناه، سمعنا يا فلانة أن فلاناً فعل كذا أو قال كذا، أو يا فلان سمعنا أن فلانة اتصلت، أو قالت، أو خرجت، أو دخلت، أو فعلت.

ولذلك ينصح الزوجان بعدم إفشاء أسرار الحياة الزوجية مهما كانت، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح – نهى الرجال والنساء عن ذلك، وكذلك ينصح الزوجان بأن يتفاهما على كل الأمور بينهما، ويجعلا تدخل الآخرين على أضيق نطاق، ولا يسمحا لأحد أن يتدخل في هذه الأمور الواقعة بينهما.

ثامناً: من الأخطاء التي يقع فيها بعض الشباب أو بعض الأسر عدم أخذ رأي الطرف المهم في الزواج؛ فربما يزوج الولد دون أن يؤخذ رأيه، يقول له أبوه: هذه بنت عمك، لا بد أن تتزوجها، وإذا لم تتزوجها فأنا لا يمكن أن أكلمك أو أقبل منك شيئاً وإلى غير ذلك، أو -وهذا كثير بالنسبة للبنت – ربما يعطي الأب البنت لولد أخيه أو قريبه دون أن تدري، وهذا لا يجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول في الصحيح: (لا تنكح البكر حتى تستأمر) أي: تستأذن، فلا بد أن يستأذنها أبوها، وإذنها أن تصمت على أقل تقدير، فإن وافقت وقالت: نعم. فهذا لا شك أنه نور على نور، أما أن يزوجها الأب دون علمها، ودون أن يأخذ إذنها وموافقتها، فهذا ظلم لها، وهو لا يجوز، كما قرره أهل العلم، ومن أفضل من قرر ذلك: الإمام ابن القيم في زاد المعاد. وكثير من الأسر يقولون: فلانة لفلان، هذا معروف منذ الطفولة، وكأنه قرار نافذ لا يمكن أن يرد، حتى لو كانت هي لا تقبل به.

وبعض الأسر لا يزوجون إلا من الأسرة نفسها، وكأنهم من آل بيت النبوة، حتى آل بيت النبوة ليس لهم ميزة خاصة، لكن أحياناً أسر وقبائل وعوائل عادية، ومع ذلك يقولون: لا نزوج فلاناً! صحيح أنه رجل له مكانته وله فضله وجاهه وليس فيه شيء، إلا أنه من قبيلة أخرى، أما فيما يتعلق بالقبائل والشعوب، فهذا أمر آخر، والله المستعان!

تاسعاً: من أسباب الطلاق أيضاً المثالية عند الزوجين؛ بحيث ينتظر كل واحد منهما من الآخر أن يقدم له كل شيء، على حين أنه هو لا يملك أن يبادله المثل، والحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم وهي نصيحة عظيمة ثمينة: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) فينبغي أن يتصور الإنسان أخطاءه هو، حتى يقدر أخطاء زوجته، ويتصور نقصه هو حتى يستطيع أن يهضم نقصها، فإن نظرت فوجدت فيها شيئاً من النقص في الجمال، فتذكر أنك أنت لست من الجمال في تلك الدرجة التي توصف وتذكر، وإن وجدت في زوجتك شيئاً من التقصير معك؛ فتذكر أيضاً أنك مقصِّر معها، وإن وجدت في زوجتك شيئاً من الجفاء فتذكر أنك أنت الآخر عندك شيء من الجفاء والقسوة، وإن وجدت أن فيها تقصيراً في عبادتها، فتذكر أنك أنت الآخر مقصر ولو أنك قمت عليها وعلمتها لتعلمت وتفهمت، فإن كنت أنت الزبير فانتظر أسماء، وهكذا.

أما أن يكون الواحد منا يتجاهل عيوبه وأخطاءه وزلاته ونقائصه وتقصيره، ويريد أن تكون زوجته مثالية، في جمالها ودينها وخلقها وعقلها ومنطقها وعبادتها وعلمها وذكائها، فهذا لا يكون.

قال رجل لآخر: ابحث لي عن زوجة. قال: ما صفاتها؟ قال: أن تكون جميلة دينة صينة عاقلة طويلة بيضاء حسناء خلوقة فصيحة. فقال: قد وجدتها قد وجدتها! عليك بقيام الليل وصيام النهار، فهذه من الحور العين، لعل الله أن يبلغكها في الجنة!

من المثالية: المقارنات، وطالما دمرت المقارنات البيوت، المقارنة مع الآخرين والأخريات، فمثلاً الزوج يقارن زوجته في شكلها بالأخريات، وربما وقعت عينه على امرأة، إما من غير قصد وإما لمعصية أنه عصى الله ونظر إلى مالا يحل، فنظر إلى امرأة في السوق، أو على شاشة التلفاز أو بما بلي به الناس من الأفلام التي دمرت أخلاقهم وعقولهم وبيوتهم وأسرهم، أو على صدر مجلة أو صحيفة، فأصبح يقارن زوجته بهذه، فيجد زوجته دونها، ولذلك يعزف عنها ويعرض عنها، يقارنها في الأخلاق، ويرى أن زملاءه وأصدقاءه إذا جلسوا وتحدثوا، فربما تكلم واحد منهم عن زوجته، فذكر شيئاً من جميل خلقها على سبيل قصة ذكرها أو حادثة أو مناسبة، فأصبح دائماً وأبداً يعقد آلاف المقارنات بين زوجته وبين ما يسمعه من صديقه فلان وزميله علان، وبينما رأى في المكان الفلاني وما سمع هنا وهناك، وبالتالي كل يوم يمر يزيده قناعة بأنه مهضوم الحق، وأن زوجته ليست هي المناسبة لمستواه وقدره ومقامه.

وكذلك الزوجة تجلس مع زميلتها، فتجد أن واحدة منهن تقول: زوجي أعطاني كذا، فتقول في قلبها: أنا زوجي ما أعطاني. وتقول الثانية: زوجي أعطاني كذا، فتقول: مع الأسف زوجي لا هذا ولا ذاك، والثالثة تقول: زوجي خرج بي إلى السوق، وزوجي سافر بي. فتقول في قلبها: أنا مسكينة قعيدة البيت، لا أخرج من البيت أبداً! وهكذا كلما سمعت من زميلاتها بدأت تقارنه بنفسها، وتنسى أنها هي قد تكذب – أيضاً – على زميلاتها، وربما يكون كلامهن معها هو الآخر كذب، فإن هذه المرأة التي تقول في نفسها: زوجي ما أعطاني شيئاً، ولكنها تقول لزميلاتها: والله أنا زوجي لم يقصر معي؛ بل اشترى لي من الذهب كذا، وسافر بي إلى كذا، وخرج بي إلى كذا، وقال لي كذا، وتتشبع بما لم تعط، وربما يكون ما قالته هي لهن – وهو كذب – سبباً في مقارنات يعقدنها مع أزواجهن.

فقد تكون كل واحدة من هؤلاء النسوة تكذب على الأخريات، وهذا الكذب قد يكون سبباً في تدمير البيوت، لأن المقارنة هنا، تبدأ، فتقارن الزوجة بين زوجها وبين أزواج زميلاتها أو صديقاتها أو حتى أخواتها، فزوج فلانة فعل كذا، وأتى بكذا، وقال كذا.

فتبدأ المقارنة في الشكل – كما قلت – أو المقارنة في الأخلاق، أو المقارنة حتى في نمط الحياة القائمة بينهما، كل اثنين عبارة عن شركة بينهما نمط خاص من الحياة، لا ينبغي أن يقارن بينه وبين غيره، أي أن شخصية فلان لا يمكن أن تقارن بفلان، وهكذا المرأة كل واحدة لها شخصيتها المميزة عن غيرها.

والمقارنة أيضاً تكون في سيطرة الرجل على زوجته أو تسامحه معها، أنا – مثلاً – رجل متسامح مع زوجتي، فإذا جلست مع زملائي؛ اكتشفت أن فلاناً رجل قوي الشخصية شديد القوامة على زوجته، فترتب على هذا أني أشعر بالهضم! ولذلك أقول: إن زوجتي قد تسلطت عليَّ، وأخذت مني حقوقاً إلى غير ذلك، فلا بد أن أثبت شخصيتي أمامها!! فتجد أن الرجل يثور، ويريد أن يستعيد كرامته المسلوبة وشخصيته وقوامته، وربما كان ذلك سبباً في حصول الطلاق، والعكس مع أنه من الممكن أن توجد حياة زوجية بين رجلين، ويكون الزوج متسامحاً مع زوجته، والتسامح لا يعني ضعف الشخصية بحال من الأحوال، ومن الممكن أن يعيش الزوجان حياةً سعيدةً، ويكون الزوج قوي الشخصية نافذ الأمر على زوجته، وقد تطبعت هي على هذا الأمر وألفته وتقبلته بقبول حسن، ولا ينبغي أن يقارن الإنسان بين هاتين الحياتين أو هاتين الصورتين.

وعلى أي حال، فإنه ينبغي أن يعلم أنه لا تخلو حياة زوجية من مشكلات، فلا ينبغي أن نكون مثاليين في تصورنا للحياة، اللهم إلا حياة الشيوخ المسنين، التي لم يبق منها شيء إلا صبحك الله بالخير ومساك الله بالخير، أما هذه المشاكل الصغيرة أو المشاكسات الصغيرة، فهي كما قال بعضهم: هي نوع من البهارات التي تجدد الحياة الزوجية، متى كانت هذه المشاكل بالقدر المعتدل، ولم تترك آثاراً بعيدة المدى في نفس أحد الزوجين.

من المثالية أيضاً: التعويل على قضية الحب التي غرسها الإعلام الفاسد في النفوس، من خلال المسلسلات وغيرها؛ فكثيرون يبنون حياتهم الزوجية على أحلام الحب الخيالية المثالية، وينسون الفرق بين امرأة للحظة أو لساعة أو لليلة فيما حرم الله عز وجل، وبين امرأة للعمر كله، بل للدنيا والآخرة فيما يحبه الله تعالى ويرضاه.

وكثير من الشباب والفتيات يتحدثون عن مبدأ الحب قبل الزواج الذي، تلقوه من خلال المعلم الفاسد المنحرف الذي يسمى التلفاز، ومن خلال شريط الفيديو، ومن خلال المجلة الهابطة، ومن خلال القرين السيئ أو القرينة السيئة، فتلقوا مبدأ الحب قبل الزواج

استحضار الصور الجميلة: من المثالية أيضاً: استحضار الصور الجميلة التي تراها العين -كما ذكرت قبل قليل – وينسى هؤلاء أن صناع السينما من اليهود الذين يهدفون إلى تدمير الحياة الاجتماعية في بلاد المسلمين خاصة، ينتقون أجمل الصور ويقدمونها للناس؛ للإغراء والفتنة والإثارة وتدمير البيوت، ولذلك لا غرابة أن يكون أهم أهداف دعاة الإسلام هو ترسيخ دعائم الحياة الزوجية الاجتماعية، ومنابذة ومخالفة الفكر والمكر اليهودي ومن ورائه الفكر والمكر العلماني، الذي يتسلل من خلال الإعلام الفاسد في بلاد الإسلام.

من المثالية: وجود علاقة سابقة بين الزوجين، يحكمها التصنع والتَّعَمُّل والمجاملة، سواء علاقة عبر الهاتف أو حتى أكثر من ذلك، فلا تصمد هذه الصورة الخيالية المليئة بالمجاملة والمليئة بالمثالية، لا تصمد على محك الواقع، وقد يشك أحدهم – أيضاً – في الآخر بعد الزواج، أنه يحدث منه خيانة، كلما رأى الزوج زوجته تتصل بالهاتف، أو وجد مكالمات طويلة أصابته الشكوك والظنون.

تاسعاً: عدم مراعاة التكافؤ والتناسب بين الزوجين أي: عدم مراعاة المستوى بينهما، فمثلاً: المستوى العقلي، كون المرأة على مستوى والرجل على مستوى آخر، فقد يكون هو ذكياً جداً وهي دون ذلك، عندها بساطة أو سطحية، أو العكس فقد تكون المرأة ذكية جداً والرجل مغفل يؤخذ ما معه، فهذا لا شك من أسباب عدم الوئام بين الزوجين.

ومثله المستوى الاجتماعي، كون المرأة من مستوى وهو من مستوى آخر، فهي من طبقة عالية ذات مكانة وينظر إليها في المجتمع، وهو من طبقة متوسطة الحال، أو فقيرة أو بعيدة أو ضعيفة، وكذلك المستوى الاقتصادي المادي، ومثله المستوى النفسي والخلقي، وهذا كثيراً ما يغيب عن الناس.

فأحياناً قد يكون سبب الفراق وعدم الوئام بين الزوجين أن الطِّبَاع لم تتفق، أي ما تراكبت طباع الزوج مع طباع الزوجة، فالتصرفات التي تفعلها لا تعجبه وليس فيها خطأ، والتصرفات التي يفعلها هو لا تعجبها، وبالتالي دائماً هي تنتقده وهو ينتقدها، مع أنه ليس هناك شيء واضح، لكن ليس هناك اتفاق وانسجام في الطباع، وهذا يمكن أن يعرفه الإنسان من السؤال عن أمها وأخوالها، وكما يقول العوام في أمثالهم: قبل أن تضمها اسأل عن أمها.

وكذلك معرفة إخوانها، ومدى إمكانية انسجامه معهم، والسؤال عن أخلاقها هي أيضاً وطبيعتها، وهل هي امرأة اجتماعية أو انعزالية، وهل هي محبوبة، إلى غير ذلك من الأخلاق التي يمكن معرفتها من خلال السؤال عن أحوالها.

عاشراً: عدم الدقة في التحري قبل الزواج، فبعض الشباب الذين يقدمون على الزواج، يركزون على جانب واحد فقط كالجمال مثلاً، فيبحث عن الجميلة، ويركز على الصفات الجسمية، ولكنه يغفل عن الجوانب الأخرى، فبعد ما يتزوج قد يجد الجمال، لكن الجمال من الممكن أن يذبل خلال شهر أو شهرين أو حتى سنة، ثم تظهر بعض السلبيات الأخرى التي تجعل الحياة مستحيلة، فأي قيمة لجمال يصاحبه غرور؟ أي قيمة لجمال ليس معه عفة؟ وأي قيمة لجمال ليس معه تربية حسنة؟ وبعض الشباب يقول: أبحث عن ذات الدين، ولا شك أن هذا هو ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك!) ولكن مع ذات الدين، لا بد أن يكون الإنسان معتدلاً في بحثه؛ لأن بعضهم قد يبحث عن ذات الدين فيسئ إليها، فبعد ما يتزوجها وهي ذات دين، ربما تصوم النهار وتقوم الليل، وبعد ذلك يقول: والله لم أحبها، لماذا يا فلان؟ قال: لأنها امرأة ليس فيها أي قدر من الجمال، مواصفات الجمال معدومة فيها.

أي فأنت هنا لم تحسن إليها بل أسأت إليها، والرسول عليه السلام طلب منك أن تبحث عن ذات الدين لتحسن إليها، وربما تدخل بها الجنة، أما أن تبحث عنها حتى تؤذيها وتضايقها في البيت، وتضطهدها وتظلمها، وربما تقبحها في شكلها أو أمام الآخرين فهذا لا يسوغ، دعها عند أهلها يرزقها الله تعالى من هو خير منك، وقد يرزقك الله تعالى من هو خير منها.

حادي عشر: عدم النظر إلى المخطوبة؛ فإن كثيرين لا ينظرون إلى المرأة قبل أن يتزوجوها، والرسول عليه الصلاة والسلام أمر بالنظر إلى المخطوبة، أمر المغيرة وغيره كما في الصحيح وقال: (انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما- أو فإن استطاع- أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) وكل هذه أحاديث صحاح، وأَمرُ الرسول صلى الله عليه وسلم كله بركة، وإن غضب الناس، فربما من أول نظرة، يشعر الإنسان بأنه لا يحب هذه المرأة، فلا يسيء إليها ويهضمها ويظلمها، بل يدعها عند أهلها ويبحث عن غيرها، وهي أيضاً ربما تجد غيره أفضل منه.

بعض الناس أيضاً ينظر نظرة لا تنفع ولا تسمن ولا تغني؛ لأنها نظرة خاطفة، أو نظرة عابرة، لا تدل ولا تفيد شيئاً، أو ينظر بعدما تم كل شيء، وهذه النظرة أيضاً لا تنفع؛ لأنه لو وجد في نفسه عدم قبول، فإنه لا يستطيع أن ينسحب، وقد تم كل شيء.

بعضهم قد يكتفي بوصف الأهل، فهذه الأم -مثلاً- ذهبت لتنظر إلى بنت فلان، وقد تكون فتاة ذكية خلوقة طيبة خدومة، فلما دخلت هذه المرأة الضيفة وهي لا تعرفها، أقبلت إليها وحملت عباءتها، ورحبت بها وأجلستها، وقدمت لها القهوة والشاي، فأعجبت المرأة بها، فلما رجعت أصبحت تصفها لولدها وصفاً؛ لأنها لم ترَ منها إلا المحاسن، حيث أعجبت بخلقها وأدبها وتلطفها وخدمتها، ثم يأتي الولد، فلا يجد الوصف الذي وصفته أمه أو أخته أو قريبته، والحل بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أن ينظر إليها.

الطلاق ليس عيباً في المرأة

إن بعض الناس يريدها فتنة في هذه البلاد بأن يغري الناس بعضهم ببعض، وعلى رأس هؤلاء صنفان: أولهما حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ممن ينتسبون إلى السلفية، ويسلقون الناس بألسنة حداد ويتناولون قيادات دينية بأسلوب سيء وكلام ساقط؛ وقد فارقوا حسن الخلق وجميل الأدب وعرف الناس في مخاطبة الكبير أياً كان. والصنف الثاني بعض أدعياء التصوف ممن رضوا بل فاخروا بأنهم مع الأمريكان منسقون وفي مجالس الأمريكان مستضافون وعلى موائدهم متأكلون وأنهم يمدونهم بالمعلومات ويزودونهم بالتقارير. والسلفية والتصوف بريئان من مسلك الطائفتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى