خطب الجمعة

منزلة الشهيد

خطبة يوم الجمعة 5/6/1433 الموافق 27/4/2012

1/ فإن الله عز وجل قد بيَّن بعض الحكم التي من أجلها أوجب الجهاد في سبيله؛ ومن ذلك صلاح الأرض واستقامة الأمر ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)) ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر اسم الله كثيرا)) ومن ذلك إنزال العقوبة الشرعية والعقوبة القدرية بمن كفر وكذب وصدَّ عن سبيل الله ((قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)) (( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)) ومن ذلك أن الجهاد سبب البقاء ((من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)) ومن ذلك حفظ الدين ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)) ولا بد في الجهاد من أرواح تزهق ونفوس تذهب ورؤوس تقصف ودماء تسيل وأشلاء تطير وأعضاء تقطع، لكن ذلك كله في سبيل حياة أرغد، وأجر أعظم، وعيش أنقى، ومتاع أبقى، وفوق هذا كله رضا الله

2/ إن على المسلم أن يتذكر ما أعده الله للشهداء في سبيله من منازل عالية وحياة كريمة كاملة فالموت في الجهاد حياة أبدية، بعد معركة بدر كان الناس يقولون لمن يقتل في سبيل الله: فلان ذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها فأنزل الله: ((ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)) قال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعالى، تُعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح والفرح كما تُعرض النار على آل فرعون غدوة وعشية فيصل إليهم الوجع.  وبعد معركة أحد قال المنافقون عن شهداء المسلمين ((لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا)) فقال تعالى ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء))

3/ وهذه أمنية رسول الله روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {تكفَّل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي؛ فهو ضامن عليَّ أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، والذي نفسي بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله، ولكن لا أجد سعة فأحمهلم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} إنه الشوق للجنة. ذلك الذي جعل الصحابي خيثمة وابنه سعد رضي الله عنهما يتنافسان على الخروج إلى الجهاد في غزوة بدر قال خيثمة لابنه سعد: إنه لابد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك!! فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا؛ فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر.

4/ إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت الشهادة صفقة رابحة مع رب كريم ((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)) الله أكبر ما أعظمه وأجله من تبايع الله المشتري والثمن جنات النعيم. وقد ربح هذه البيعة الصحابي الجليل حارثة بن سراقة رضي الله عنه وكان قتل يوم بدر أتت أمه إلى رسول الله وقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة؟ فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء؟ قال: {يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى} رواه البخاري.

5/ إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ومن راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة وقال صلى الله عليه وسلم: ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان)) رواه مسلم، الدنيا لا تساوي شيئا أمام الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله قال صلى الله عليه وسلم: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)) رواه البخاري.

6/ إن الشهيد استعلى على محبوباته وتغلب على شهواته واسترخص الحياة في نيل شرف الشهادة في سبيل الله. الشوق للشهادة دعا الصحابي ابن أم مكتوم رضي الله عنه وهو ضرير أعمى لا يبصر أن يقول: أي رب!! أنزل عذري!! فأنزلت ((غير أولي الضرر)) فله عذر بعدم الجهاد لكن هل جلس بعد ذلك في بيته أو ركن إلى الدنيا ومتاعها، كلا بل كان يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين.

7/ عندما تنقل لنا وسائل الإعلام صور جثامين الشهداء فإن مما يصبر المؤمن أن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان ويزوج من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه)) رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد وصححه الألباني.

8/ إخوة الإسلام: من ذا الذي يدخل الجنة ثم يحب أن يرجع إلى الدنيا؟ هل يمكن أن تقع هذه الأمنية؟ ومن ذا الذي يتمنى أن يرجع لدار نعيمها منغص؟ الجواب يرويه لنا الإمامان البخاري ومسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة))

9/ من فاته الجهاد ونيل شرف الشهادة فليعن المجاهدين في سبيل الله ويمد يد العون والإغاثة لأهل المجاهدين وأسرهم جاء في الحديث المتفق عليه: ((من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)) أي بقضاء حوائج أهل المجاهد ومساعدتهم والإنفاق عليهم. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله!! فقال عليه الصلاة والسلام: ((لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة مخطومة)) رواه مسلم ((يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى