خطب الجمعة

هل دعاة الشريعة أقلية؟

1/ أيها المسلمون عباد الله: فإن الله تعالى خلقنا في هذا الكون لعبادته، وعمارة الأرض بطاعته، كما قال سبحانه {ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ^ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ^ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} وقد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة؛ وأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة قبل وفاته بإحدى وثمانين ليلة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وإن المسلم حقاً هو المستسلم لله تعالى في شأنه كله، المحكِّم له في جميع أحواله، الخاضع له في أمره ونهيه؛ كما قال سبحانه { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وكما قال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

2/ أيها المسلمون: إن تحكيم الشريعة في حياة الناس هو مطلب الشرفاء، وهدف المؤمنين الأتقياء – حكاماً ومحكومين – إذ لا خيار لهم إلا ذلك، ولا هدف أسمى في حياتهم، يسعون لتحقيقه، ويجاهدون لتنزيله، من أن يروا شريعة الله حاكمة؛ وقوانينها مطبقة، وآدابها سارية، فتلك غاية الغايات وأنبل المقاصد وأنظف الرايات؛ ليقينهم بأنها قد حوت الكمال كله، والخير كله، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأن المسلمين ما يحتاجون معها إلى غيرها؛ قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقال {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقد علم الناس أن في شريعة الإسلام أنظمة اجتماعية وأخرى اقتصادية وثالثة جنائية ورابعة للسياسة الشرعية، مع ما فيها من تنظيم لعلاقة الإنسان بربه وبأخيه الإنسان، وهي شريعة مرنة سهلة رفع الله عنا فيها الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا، وفيها قدرة على مواجهة النوازل والتكيف مع الحوادث

3/ أيها المسلمون: إن إيماننا لا يكمل وديننا لا يصح إلا إذا رضينا بأن تكون شريعة الله تظللنا، وأحكام الله تعلونا؛ وقد نطقت بذلك آيات القرآن الكريم؛ فقال سبحانه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وعليه فليتوكل المتوكلون}، وقوله سبحانه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}، وقال سبحانه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال سبحانه مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} وقال مخاطباً إياه {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وقال {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وقد نعى ربنا جل جلاله على ناس يريدون تنحية أحكام الله جانباً فقال عنهم {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

4/ هذا الذي مضى ذكره من المسلمات اليقينية لدى كل عبد يؤمن بالله واليوم الآخر، لا يجادل فيها مسلم مسلماً؛ حتى نبتت فينا نابتة من أحزاب الشمال، سطت على الحكم في ليل بهيم، ممارسة الخداع مستغلة جهل الناس – خاصة الشباب – بفساد مذاهبها وخطل أفكارها – من شيوعية وبعثية وناصرية وجمهورية – وهي كلها أحزاب لا تمثل إلا أقلية صفرية لا وجود لها في ضمائر الناس ولا واقعهم؛ لكنهم كعادة المنافقين {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} استولوا على الحكم مستعينين على باطلهم بقوى إقليمية ودولية؛ فما حصد الناس من حكمهم سوى الهشيم في أزمة اقتصادية استفحلت، وسلام وعدوا الناس بتحقيقه فإذا هو {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} وإصلاح للعلاقات مع العالم الخارجي فإذا هي تزداد سوء يوماً بعد يوم، وأزمات يأخذ بعضها بخناق بعض، ويدفع ثمنها المواطن المظلوم المكلوم، ولا غرابة فإن قوانين القرآن واضحة بيِّنة {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} {إن الله لا يهدي كيد الخائنين}

5/ أيها المسلمون: وأخيراً يخرج علينا رئيس الوزراء بتصريح يدلي به لشبكة إعلامية دولية يزعم فيه أن المطالبين بالشريعة أقلية، وأن الشعب لا يلتفت إليهم {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} وحال هذا القائل الكاذب الخاطئ أنه كمن يريد أن يغطي عين الشمس بغربال، ولنا مع كلماته وقفات:

أولاها: هب أيها المسكين أن كلامك صادق وأن دعاة الشريعة أقلية؛ فهل هذا يعيبهم أو يطعن في أنهم على الحق؟ وهل الكثرة دائماً ممدوحة مطلوبة؟ إن ميزان الحق لا يقاس بكثرة أتباعه، والله تعالى في القرآن يقول {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} ويقول {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} ويقول {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} ويقول {وأن أكثركم فاسقون} وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد!! فهل كان هؤلاء الأنبياء – سلام الله عليهم – على باطل {مالكم كيف تحكمون}؟

ثانيها: من أين لك يا حمدوك أن هؤلاء أقلية، وأنكم – يا دعاة الفجور ويا مروجي الخمور – أكثرية؟ إذا كنتم أكثرية فلماذا تتدثرون بدثار الفترة الانتقالية وتحاولون أن تطيلوا أمدها؟ لماذا لا تلبون الدعوة المتكررة لانتخابات مبكرة؟ على ماذا حصل الشيوعيون – وأنت واحد منهم – في الانتخابات التي مضت خلال تاريخ السودان كله؟ كم مقعداً حصدوا؟ وفي كم دائرة فازوا؟

ثالثاً: إذا كان دعاة الشريعة أقلية فلماذا تسلطون الشرطة ومعها سفهاؤكم -ممن يسمون بلجان المقاومة – للاعتداء عليهم ومنع مواكبهم؟ لماذا تغلقون الجسور والطرقات عصر كل خميس إلى عصر كل جمعة؟ لماذا تخافون من المظاهرات الداعية إلى تطبيق الشريعة؟

إن الجواب على هذه الأسئلة يعرفه كل سوداني منصف، والناس يدركون أن هذه الحكومة قد فشلت في كل شيء فشلاً ذريعاً لا يشبهه فشل، وأنها غير ساعية في خدمة الناس ولا التخفيف عن آلامهم – وكوارث السيول والفيضانات خير شاهد – لكنها جاءت حرباً على الدين وأهله، هادمة للفضائل والمكارم، ساعية في نشر الرذائل والموبقات، تارة بترويج أن الخمور ثقافة سودانية، وتارة بتعيين رجل ظلامي مخرِّف مديراً للمناهج تحت إمرة وزير شيوعي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر؛ ليشن الاثنان حرباً على القرآن من أول يوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ألا فليعلم هؤلاء المحاربون لدين الله عز وجل أن دين الله ظاهر، وأن أمره غالب، وأنه جل جلاله لا يخلف الميعاد، وقد قال وهو أصدق القائلين {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} وهؤلاء

6/ أيها المسلمون: إن تلك الوجوه الكالحة التي طالما ضاقت ذرعاً بالإسلام وأهله، واشمأزت من ذكر الله؛ يُمنُّون أنفسهم بردة سريعة تَرجع بالناس إلى عهود التيه والظلام حيث كان الخمر مبذولاً والزنا متاحاً وسبُّ الدين يُسمع من غير نكير، وهم في ذلك يستعينون ويلوحون – مهددين – بالمنظمات الدولية والمجتمع الدولي؛ حالهم كحال أسلافهم الذين قال الله فيهم {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} لكننا واثقون من نصر الله، مستيقنون من وعد الله، والحال كما قال ربنا {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ^ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ^ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ^ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}

وإنكم مدعوون – يا أهل الإسلام –ويا عباد الرحمن –للخروج من المساجد والتجمع عقيب كل جمعة؛ لتقضوا مضاجع هؤلاء الذين كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم، لتؤكدوا رغبتكم في شريعة ربكم ورضوخكم لأحكام دينكم، ولتسمعوا من العلماء كلمتهم، وتوجهوا إلى القادة كلمتكم، من أجل أن تردوا على أولئك الذين يزعمون أنهم للشعب ممثلون، وعن رغباته معبرون، وهم في ذلك كاذبون، لا بد أن نعلن كلمتنا للعالم: أن أهل السودان لربهم مطيعون، ولنبيهم محبون، وعلى شريعة ربهم حريصون، ولأهل الإلحاد والنفاق كارهون، وإذا كان سوء في التطبيق قد حدث فيما مضى فليُصلح، وإن كان ثمة تقصير فليُتمم، أما أن تنحى شريعة رب الناس عن حكم الناس فهيهات هيهات!!

يا أيها المسلمون: انفروا خفافاً وثقالا، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، واجعلوها غضبة لله، لا لعصبية ولا لجاهلية، وكونوا مع الله يكن الله معكم {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}

وأخيراً نسأل الله أن يصلح من في صلاحه صلاح المسلمين، وأن يهلك من في هلاكه صلاح المسلمين، وأن يبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه خير المسئولين وخير المعطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى