خطب الجمعة

فتنة داعش

خطبة يوم الجمعة 16/9/1436 الموافق 3/7/2015

1- مشروعية الجهاد لا خلاف عليها بين المسلمين؛ فهو ذروة سنام الإسلام وشريعة خير المرسلين، وبتركه يضرب الله الذل على الناس، وفي إحيائه إعزاز للدين وحماية للمستضعفين ونشر للسنة وقمع لأهل الشر وردع للمبطلين، ولا يسع مسلماً إنكاره بحال، ولا زال في المسلمين طائفة منصورة تقوم بهذا الواجب في بقاع شتى من أرض الله. وكلما سقطت رايته في بعض البلاد فإنها ترفع في بلاد أخرى، وجهاد إخواننا في بلاد الشام إنما جاء بعد أن سيم المسلمون الخسف من قبل تلك الدولة العلوية النصيرية الكافرة التي صنعت لحماية اليهود

2- لكن لا بد لنا أن نفرق بين الجهاد الشرعي الذي شهدت له الأدلة وبين الخروج على جماعة المسلمين بالسيف واستحلال دمائهم بالشبهة، لا بد أن نميز بين التيار الجهادي الذي قد تقع منه أخطاء، وبين التيارات التي تقوم على أصول منحرفة أصلا، وإن في زماننا فتنة أطلت برأسها وذرت بقرنها وجرفت معها فئاماً من الناس؛ حيث يستهدفون من الشباب من ضعف علمهم وقلَّ من الشرع زادهم؛ فهم لا يفرقون بين أصيل ودخيل ولا بين مدع وصادق، بل يتبعون كل ناعق ويسيرون خلف كل زاعق

3- هذه الفئة الباغية – داعش – لها علامات تميزها منها: استحلال الدماء البريئة، والغلو في تكفير المسلمين، والحكم بردة كل من لم يبايع أميرهم، مع النكاية في أهل السنة والسلامة من بطش النظام

4- وقد قامت استراتيجية الغرب بعد 11/9 على اعتماد خيار القوة فيما سموه الحرب العادلة حيث وقع ستون من مفكريهم على ذلك البيان تحت عنوان (على أي شيء نقاتل) ثم ظهرت مصطلحات مثل: الحرب على الإرهاب – محور الشر، أرادوا منها فرض الهيمنة الغربية على بلاد المسلمين، والشراكة التي دعا إليها كولن باول تقوم على خمسة بنود:

  • محاربة الإرهاب ووأده (حرب الأفكار)
  • تغيير أنظمة ومناهج التعليم في البلاد الإسلامية
  • العناية بالتدريب الموجه
  • التأكيد على استقلال المجالس التشريعية
  • العبث بملف المرأة

مع اعتماد سياسة الفوضى الخلاقة بإيجاد الصراعات العرقية واللعب بأوراق طائفية وتقسيم الديار الإسلامية وتمرير القيم الأمريكية، وذلك كله لصناعة الشرق الأوسط الجديد، باعتماد استراتيجية القوة الناعمة؛ لأن القوة الصلبة لن توصلهم لشيء، والمثال في الصومال وأفغانستان والعراق ومن قبل في فلسطين

5- هذا التنظيم قد نشأ من تلقاء نفسه أو أنشأه من يكيدون للمسلمين؛ فإن دهاقنة الغرب وساسته يحسنون صناعة الفرص فإن لم يصنعوها أحسنوا استغلالها، وقد أرادوا من وراء هذا التنظيم تحقيق جملة مصالح منها:

  • محاصرة تنامي ظاهرة الجهاد في العالم الإسلامي؛ وذلك بتجييش العامة ضد الجهاد، وأن يتحول الجهاد إلى ظهارة مرفوضة عند عامة الناس؛ وينتج عن ذلك القضاء على النموذج الجهادي الذي أقض مضاجعهم
  • القضاء على جذوة الجهاد في فلسطين، والتي مثلت صدمة رعب لليهود والصليبيين؛ حين نجحت المقاومة في تصنيع سلاحها وتطوير صواريخها؛ فما يقع في العراق والشام ليس بمعزل عما يقع في فلسطين
  • انشغال طوائف المسلمين بعضهم ببعض، بتحول نيران المجاهدين إلى بعضهم البعض
  • اجتذاب طوائف من الشباب ممن يتوقون إلى الجهاد حتى يسهل قتلهم وإبادتهم
  • محاصرة الصحوة الإسلامية، ومحاصرة التمدد الدعوي الممتد إلى بلاد الغرب، خاصة وأن المسلمين يتكاثرون هناك مع عزوف أهل البلاد الأصليين عن الزواج والإنجاب
  • قطع الذراع المادية المموِّلة للعمل الإسلامي، وذلك بالقضاء على القدرة المالية لدول الخليج، والتي تمثل الحاضنة التي تمد العمل الدعوي وتغذيه بالمال
  • فشل الغرب في حدسه حين سوق النموذج التركي على أنه الأمثل، ثم استبان لهم أن المارد التركي قد انطلق من أصول إسلامية واضحة فأرادوا توريطه
  • النكاية في أهل السنة في العراق والشام، وذلك بالتمكين لدولة الرافضة من أجل أن تعود كشرطي للمنطقة، وتتولى نيابة عنهم مقاتلة أهل السنة، استناداً على تاريخهم المخزي في استحلال دماء المسلمين
  • ضرب الحركات الإسلامية ذات البنى التحتية المنظمة
  • إيجاد احتقان داخلي في دول الخليج حين تورط في حروب ذات ولاءات خارجية وتحالفات كفرية، وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ بعد مرور مائة عام على سايكس بيكو، وبعد هذا كله إنعاش الاقتصاد الغربي المتهاوي بسبب الربا والذي تحيط به الأزمات من كل ناحية

بعضُ الشباب يقول: نحن نُشاهِد ونَسمع ونقرأ لهؤلاء وهؤلاء، وكلٌّ يُدلي بدلْوه؛ ليثبتَ أنَّ ما عليه هو الحقُّ والصَّواب، وكلٌّ يستشهد بآياتٍ وأحاديثَ، وكلٌّ ينقُل من أقوال العلماء المتقدِّمين ما يُؤيِّد ما ذهب إليه، ثمَّ إنَّ مَن يُؤيِّد هذه الخلافةَ نجده على الثُّغور مجاهدًا مقاتلًا، ضحَّى بنفْسه من أجل هذا الدِّين، يَنكأ في العدوِّ نكأً يُفرِح به صدور المؤمنين، يكتُب تحت حَرِّ الشَّمس، وقَرِّ البَرْد، وفي المقابل نجِد مَن يُنكِرها ويردُّ على أصحابها يكتُب وهو قاعدٌ في بيته بعيدًا عن ساحات ًّالقتال، آمِن في سِربه، يكتُب وهو جالس على مقاعد وثيرة، ومِن خلْف شاشات الكمبيوتر، وتحت نعيم المكيِّفات؛ فكيف تُريدوننا نترُك كلامَ الأوَّل، ونأخذ بكلام الثاني؟!

وآخَرون يقولون: سئِمنا من كلامكم؛ فمنذ مائة عام وأنتم تُدندنون حولَ ضرورة إعادة الخِلافة الإسلاميَّة، ولم نرَ أنَّكم تفعلون شيئًا لإعادتها إلَّا الكلام؛ أمَّا هؤلاء الأبطال فقد حقَّقوا حُلمَنا الكبير، وطبَّقوها فعلًا على الواقع بدِمائهم وسلاحهم؛ فهل نترك الواقعَ المشاهَد، الذي تحدَّثتْ عنه جميعُ وسائل الإعلام، وأرَعَب دولَ الكُفر، ونأخذ بكلام المثبِّطين أمثالكم؟!

فهذه أسئلة تَنضوي تحتَها شُبهاتٌ ثلاث:

1- مؤيِّدو الخِلافة طبَّقوها واقعًا، ومخالفوهم ليس لديهم إلَّا الكلام.

2- مؤيِّدو الخِلافة من أهل الثُّغور، ومُخالفوهم من أهل الدُّثور.

3- الجميع يستشهد بآياتٍ وأحاديثَ وأقوالٍ لأهل العلم المتقدِّمين.

وهاكم تفنيدَها:

أمَّا: أنَّ مؤيِّدي الخلافة طبَّقوها واقعًا؛ فهذا سبَق الردُّ عليه، بل المقالة كلها في ردِّ هذا الأمر، وقلنا: إنَّ العِبرة بالحقائق والمعاني، لا بالأسماء والمباني؛ فإعلانُ الشَّيءِ ليس معناه فِعلَه وتطبيقَه، وفعلُه الظاهر للعِيان ليس معناه صحَّتَه؛ ((صلِّ؛ فإنَّك لم تصلٍّ))، مع أنَّه سجَد وركَع، وخفَض ورَفَع.

وأمَّا: أنَّ مؤيِّديها من أهل الثغور، ومخالفيهم من أهل الدُّثور؛ فالردُّ على ذلك من وجهين:

الأول: سبَق الكلام عنه في مقالة سابقة بعنوان (إشكالية الغلو في الجهاد المعاصر) عند الوقفة السَّابعة في الردِّ على مقولة: (إذا اختلف الناسُ، فاسألوا أهلَ الثَّغر)، يُمكن الرجوع إليها؛ فليس لأهل الثغور مزيَّةٌ على بقيَّة أهل الحَلِّ والعَقد من العلماء وغيرهم في اختيار خليفة المسلمين.

الثاني: أنَّ الواقع خلافُ ذلك؛ فجُلُّ أهل الثُّغور من المجاهدين، وكُبرى الجماعات والجَبَهات والتحالُفات والكتائب الجهاديَّة لم تُؤيِّد إعلانَ الخِلافة، ولم تُبايعْ خليفتَهم؛ فانقلَبَ الدليل عليهم. وأمَّا: أنَّ الجميع يستشهد بآياتٍ وأحاديثَ وأقوالٍ لأهل العلم المتقدِّمين لتأييد ما ذهب إليه. فأقول: ليست العبرةُ بمجرَّد الاستشهاد والنقول، بل العبرة بم من يُستشهَدُ؟ وما هي المنزلةُ العِلميَّة لهذا الذي يَستشهد بالآيات والأحاديث وأقوال العلماء؟ ولو نظَرْنا لمسألتنا هذه، فإنَّنا لا نجِد من العلماء الرَّبانيِّين الراسخين في العلم، المعروفين بصَلاحهم وتقواهم وبُعْدهم عن مواطن الشُّبهات – لا نجِد منهم مَن أيَّد هذه الخلافة، بل إنَّ أشهر المنظِّرين للحركات الجهاديَّة المعاصرة ومرجعياتهم العلميَّة أعْلَنوا اعتراضَهم عليها، في حين نرَى حُدثاءَ الأسنان والمجاهيل – إلَّا القليل منهم – مَن أيَّد هذه الخلافة؛ فلو استعرضتَ العالم الإسلاميَّ من شَرْقه إلى غَرْبه، ومِن شَماله إلى جَنوبه، لرأيتَ أنَّ كافَّة علمائِه وطلَّاب العلم ودُعاته، بما يُشبه الإجماعَ منهم، يُنكرون هذه الخلافةَ، ولا يرتضونها، ولا يرَون أنَّ شروط الخلافة تحقَّقت فيها؛ أفلا يكفي هذا دليلًا على بُطلانها؟!

فالعلماء الربانيُّون الراسخون في العلم هُم المعيار الدَّقيق إذا ادلهَمَّت الخطوب، وكثرت الفتن، واضطربت الأمور، واحتار الناس، وإنَّ الله تعالى لا يَجمعهم على ضلالة.

وخلاصةُ الأمر: أنَّه إنْ بايع عمومُ المسلمين في شتَّى الأقطار واحدًا منهم، فهو خليفتُهم، وتلك الولاية خِلافة، وإلَّا فهي مجرَّد إمارة من الإمارات، ووليُّ أمْر تلك البُقعة ما هو إلَّا حاكمٌ، أو أميرٌ عليهم.

ولهذا؛ فإنَّ الولايةَ التي لا تجتمع الأمةُ عليها، ليستْ ولايةً عامَّة، ولا يجوز أن تُسمَّى خلافة وإنْ أعلنها مَن أعلنها، نسأل الله أن يردَّ ضالَّ المسلمين إلى الحقِّ، وأن يَهدينا سُبُلَ السَّلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى