- فإن العدالة هي مطلب البشر جميعاً، وهي من أسمى معاني شريعتنا، وبها قامت السماوات والأرض، وفي أسماء الله الحسنى (العدل) وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. والعدل: الحكم بالحق. والعدل هو بذل الحقوق الواجبة، وتسوية المستحقين في حقوقهم. وقال ابن حزم: هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه. وقيل: هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد
- النصوص الشرعية الآمرة بالعدل في كتاب الله عز وجل:
- {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم}
- {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}
- {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}
- {يا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِياً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين، يقول (شُهَدَاءَ لِلَّهِ) كما قال تعالى {وأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} أي: أدوها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً، خالية من التحريف والتبديل والكتمان، ولهذا قال {ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} أي: اشهد بالحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عاد ضرره عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه، وقوله {أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ} أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق وإن عاد الضرر عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد. وقوله {إن يَكُنْ غَنِياً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} أي: لا ترعاه لغناه، ولا تشفق عليه لفقره، فالله يتولاهما، بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما. وقوله {فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا} أي: لا يحملنكم الهوى والمعصية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان كما قال تعالى {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، ومن هذا قول عبد الله بن رواحة لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر يخرص عليهم ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال: والله لقد جئتكم من أحب الخلق إليَّ ولأنتم أبغض إليَّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
- قوله تعالى {وإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}
- وأما من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجملة من الأحاديث الثابتة منها:
- روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا}
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قلتم فأحسنوا؛ فإن الله عز وجل محسن يحب المحسنين} رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر} رواه أحمد والترمذي
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلوات بعد الصلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه} رواه الطبراني في الأوسط
- روى النسائي والحاكم في مستدركه عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء {اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق والعدل في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين}
- هل المحكمة الجنائية الدولية تحقق هذا المطلب؟ إن الذي يروج لمثل هذا الكلام ويعلن أنه مع العدالة ولو جاءت على يد المحتل الصليبي أو اليهودي واهم مختال مغرور، أو مخادع منافق مأجور، وذلك لأمور لا تخفى على مسلم
- أن كل مسلم يعلم أن العدالة لا تكون في حكم الطاغوت أبداً، وأن حكم الجاهلية ظلم محض، وضلال بعيد
- أنها محكمة مسيَّسة محكومة لا حاكمة؛ فغير خاف أن مجلس الأمن الدولي هو الذي يحرِّكها وهو الذي يوقفها؛ فهو قضاء محكوم بحذاء الأمريكان
- أنه قضاء أعمى يرى القذى في أعين ناس ولا يرى الأخشاب في أعين آخرين؛ والعبارة التي تلوكها الألسن أنه قضاء يكيل بمكيالين
- البشير مستهدف ـ لا لأنه أخطأ ـ بل لأنه لا يطيع الأمريكان، ومظاهر ذلك في أمور منها:
- لأنه يعلن ولاءه لله تعالى ويأبى أن يخضع لقانون الباطل
- لأنه يتخذ الجهاد طريقاً، ويدعم مقاومة الشعب الفلسطيني
- لأنه قام بطرد السفير البريطاني عام 1994 في سابقة لم تحدث قريباً من دولة من دول العالم الثالث، وذلك بسبب قيام السفير بتيسير دخول أسقف كانتبري إلى مناطق محتلة من المتمردين في الجنوب دون علم الحكومة، وكذلك طرد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة
- لأنه استضاف مجموعة كبيرة من عناصر القاعدة في الفترة من 1991 ـ 1996
- إعلانه المتكرر عن رغبته الأكيدة في إقامة المشروع الحضاري ـ النهج الإسلامي ـ وسعيه لتجييش الشعب لبلوغ هذه الغاية وتربية قطاعات عريضة من الشباب على مفاهيم جهادية، بل إعلانه الجهاد مراراً، وآخرها عقيب التلويح بالتدخل الأجنبي في دارفور
- ما قام به من خطوات في سبيل حصول نوع من الاستقلال الاقتصادي العسكري عن المنظومة الدولية الاستعمارية؛ حيث استخرج البترول واستغله بتعاون صيني ماليزي بعيد عن الهيمنة الأمريكية، كما أنشأ عدداً من قطاعات التصنيع الحربي
- ما أكثر الجزارين في عالمنا لكنهم لا يلاحقون لكونهم كفاراً أصليين، أو لأنهم يلعقون حذاء الأمريكي الغاصب، وإلا حق لنا أن نسأل أين هذه المحكمة وأين دعيها مما فعله الروس بالمسلمين في الشيشان؟ وأين هم مما فعله الجيش الأثيوبي الصليبي بالمسلمين في الصومال؟ نسأل عن ذلك لأن هذه المحكمة لا تجرؤ على مساءلة الأمريكان ولا اليهود عما فعلوه في فلسطين والعراق وأفغانستان
- إن الغرب المنافق يظهر التفجع لطرد المنظمات المشبوهة، والتي كان القبول بدخولها إلى البلاد خطأ محضاً، ويذرفون دموع التماسيح بزعم أن ناساً من النازحين معرضون لخطر الجوع!! أين كان هؤلاء المفجوعون الموجوعون حين طردت المنظمات الإسلامية من كوسوفا والبوسنة وغيرها من بلاد الله ـ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ مما أدى إلى تشرد ناس وموت آخرين
- إن عداوة القوم لهذه البلاد ـ التي أعلنت ولاءها لله تعالى ـ ليس وليد أزمة دارفور كما يراد لنا أن نفهم، وإلا فأين كانت أزمة دارفور حين أدرج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ ومتى فرضت العقوبات الاقتصادية؟ ومتى قصف مصنع الشفا؟ ومتى دعمت حركة التمرد في الجنوب؟ كل ذلك كان قبل أن يكون في دارفور أزمة أصلا!! لكنهم كذابون منافقون
- من أغراضهم الخبيثة في استصدار مثل هذا القرار
- الإساءة إلى المسلمين وإذلالهم
- تخويف سائر الحكام من محاولة الاستقلال بالقرار ومحاولة استئناس حكام المسلمين
- تشجيع حركات التمرد للتمادي في غيها سعياً لتفكيك البلاد
- تهديد سيادة البلاد بتهديد قيادتها
- ولا زال الأمل معقوداً على إنجاز جملة من المصالح التي ينبغي أن يسعى الجميع في تحصيلها، ومن ذلك:
- تسريع الوصول إلى اتفاقية سلام تحقن دماء المسلمين في دار فور، رغم قناعة الجميع بأن المتمردين الذين يحملون السلاح لا يمثلون أهل دار فور، بل يمثلون أنفسهم ومن يأتمرون بأمره من دهاقنة السياسة العالمية
- كفكفة آثار الاحتراب والاختلاف في غرب السودان؛ بإعطاء أهله ما يؤمِّلون في حدود الممكن، لقطع الطريق على أسباب التدخل الأجنبي
- أن يكون موقف الحكومة واضحاً لا لبس فيه في رفض التدخل الأجنبي، مع بيان أن هذا الذي يراد للبلاد إنما هو احتلال صارخ واستعمار مقنع، حيث تسيطر قوة أجنبية كافرة على بلاد المسلمين لتحكمها مباشرة ـ كما حدث في فلسطين ـ أو عن طريق صنائعها وعملائها ـ كما هو في العراق وأفغانستان ـ ولا يلغي هذا الوصف صدور قرار من الأمم المتحدة، وإلا لكان الحادث في فلسطين لا يسمى احتلالاً لكونه صادراً عن الأمم المتحدة فيما عرف بقرار التقسيم، والمبادرة إلى إعلان الجهاد وتعبئة الشباب ورفع الروح المعنوية، وذلك من خلال إجراءات مرتبة لا فورة سريعة تتمثل في مظاهرات ومسيرات سرعان ما تخبو جذوتها ولا يتحقق الغرض منها
- السعي إلى توضيح القضية للشعوب المسلمة في طرح قوي نتجاوز به القيادات التي لا تصنع شيئاً، ولعل تجربة إخواننا في حماس مثال جيد لحصول دعم شعبي يتجاوز الأطر الرسمية التي تأتمر بإرادة الشرعية الدولية كما يسمونها
- العمل على تقوية الجبهة الداخلية من خلال رفع المظالم والسعي إلى جمع الكلمة ووحدة الصف عن طريق إحياء مشروع أهل القبلة؛ عملاً بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} وحذراً من العقوبة القدرية {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} وليسع في ذلك أهل العلم والدعاة إلى الله ومشايخ الجماعات والطرق
- أن يسعى المربون وأهل التوجيه إلى العمل على إعادة الثقة للناس، وبأنهم قادرون على العمل لو أرادوا، وأنهم ليسوا نعاجاً يذبحون متى ما أراد عدوهم ذلك، بل عليهم أن يستعيدوا شعورهم بذاتهم، وليتذكروا ما قام به الأسلاف في عهد قريب ـ على أيام الثورة المهدية ـ حين قتلوا واحداً من أعظم قادة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ومرَّغوا أنوف الصليبيين في التراب