1- الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، وأشهد ألا إله إلا الله {أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا؛ ففتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد. أما بعد أيها المسلمون:
2- فإن الله تعالى قد خلقنا لعبادته، ووجه إلينا نداء عاماً فقال {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} عبادة تستغرق الزمان والمكان والأحوال والتصرفات، عبادة تكون في حال العسر واليسر، والسلم والحرب، والشدة والرخاء، والسراء والضراء، والصحة والمرض، والغنى والفقر {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له} وهذه العبادة – أيها المسلمون – ليست قاصرة على الشعائر التي يظن بعض الناس أنها العبادة كل العبادة، وهي في واقع الأمر ليست إلا نوعاً واحداً من العبادة، ولذا تجد بعض الناس يتبع نمطاً من التدين مغشوشاً فتجده في المسجد يقوم ويقعد ويركع ويسجد، ولربما رسم بين عينيه علامة مثل ركبة العنز من طول السجود، لكنك حين تعامله بالدينار والدرهم تجده وحشاً كاسراً وذئباً أغبر، لا يميز حلالاً من حرام، ولا طيباً من خبيث، بل هو جماع طماع مناع، يعبد الدينار والدرهم (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) ألا فاعلموا – معشر المسلمين – أن من أعظم العبادات التي أمرنا بها أن نتحرى الحلال في أرزاقنا، في مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا ومساكننا ومراكبنا، وأن نجتنب الحرام في ذلك كله، وقد خاطب ربنا جل جـلاله المؤمنين بما خاطب به المرسلين؛ فقال {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} وقال {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} روى الترمذي في سننه من حديث كعب بن عياض رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أن هذا المال خضرة حلوة؛ فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي ياكل ولا يشبع.
3- إن الله تعالى قد حرَّم علينا كل كسب خبيث، ومن ذلك أيها المسلمون:
- أكل أموال الناس بالباطل فقال {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} قال ابن عباس رضي الله عنه: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وأنه آثم آكل للحرام.ا.هـــ إن أروقة المحاكم غاصة بالمتخاصمين المتشاحنين والله يعلم أن فيهم كاذبين، يخاصمون بالباطل ويجحدون الحق، روى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ ضَادَّ اللهَ أَمْرَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ بِالدِّينَارِ وَلَا بِالدِّرْهَمِ، وَلَكِنَّهَا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ: فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)
- ومن صور الحرام كذلك الاجتراء على أموال اليتامى، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} وقد رأى النبي صلى الله عليه وسـلم أقواماً معهم حجارة من نار يلقمونها أفواههم فتخرج من أدبارهم فسأل عنهم فقيل له: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى
- ومن صور الحرام الاعتداء على الناس في أنفسهم أو ممتلكاتهم حتى عهد من إجرام بعض أهل عصرنا أنهم يعمدون إلى بعض المساكين ممن يريدون الهجرة إلى بعض بلاد الله؛ طمعاً في عيش رغيد فيمنونهم الأمانيَّ العذاب ويبذلون لهم الوعود المعسولة؛ حتى إذا استمكنوا منهم عمدوا إلى بيع أعضائهم أو بيعهم بكليتهم أشباحاً وأرواحاً؛ ليتفنن أكابر مجرميها في الانتفاع بها فيما يريدون من تجارب أو غيرها دون وازع من خلق أو ضمير، وقد قال الله تعالى {ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل أعطى بي ثم غدر، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره}
- ومن ذلك التدليس والغش والغرر في المعاملات، حيث صار ذلك ديناً وديدناً لكثير من الناس، بل يتفاخرون بذلك ويتندرون، وقد قال صلى الله عليه وسـلم (من غش فليس منا)
- ومن صور أكل المال المحرم التي نشاهدها كثيراً في الأسواق: الحلف على السلعة باليمين الكاذب، وقد قال سبحانه {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطي منها رضي، وإن منع منها سخط، ورجل حلف على سلعة أنه اشتراها بكذا وهو كاذب، ورجل كان عنده فضل ماء فمنعه ابن السبيل)
- ومن ذلك الربا؛ والربا من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر، وهو موبقة، وما أذن الله بحرب صاحب كبيرة كما أذن بحرب صاحب الربا، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وفي مسند الإمام أحمد يقول صلى الله عليه وسلم (درهم ربا يصيبه الرجل أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) وفي سنن ابن ماجة قال صلى الله عليه وسلم (الربا بضعة وسبعون حوباً -أي: ذنباً- أدناه كأن ينكح الرجل أمه) والعياذ بالله فلا تأكل الربا
- وكذلك الرشوة؛ فالرشوة حرام بل هي من كبائر الذنوب، الرشوة فيها لعنة الله ورسوله -والعياذ بالله قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) والرشوة معناها ضياع الحق وظهور الباطل، وفساد النظام، فإذا كانت المعاملة لا تمضي إلا بشيء من الحرام، أي: أن صاحب الحق لا يأخذ حقه إلا أن يدفع حراماً، وصاحب الباطل يأخذ الباطل بالحرام، فإنه ينعدم العدل، وتضيع الحقوق، وتنتهك الحرمات حتى إذا فشت فاحشة الرشوة فلا تقبلها واتق الله ولو كنت فقيراً، فوالله لأن تعيش فقيراً حتى تموت خير لك من أن تكون غنياً ومصيرك إلى النار.
- ومن ذلك المكاسب الحرام الناتجة من بيع الخمور والمخدرات والدخان والسعوط وغير ذلك من الخبائث التي حرمها الله تعالى في كتابه فقال عن نبيه صلى الله عليه وسـلم {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}
- ومن صور أكل الحرام الاجتراء على المال العام؛ فيستغل بعض الناس وظيفته أو قرابته من بعض المسئولين ليروي نهمه ويشبع شهوته؛ فيأخذ المال من غير حله ويستزيد منه بغير حق، وقد روى البخاري في صحيحه من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال خزيمة بن ثابت t “كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له، واشترط عليه ألا يركب برذوناً، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة”
4- إن البطن باب عظيم من أبواب دخول الحرام؛ ما قيمة الثراء أيها المسلم؟ ما قيمة أن تبني عمارة وتشتري سيارة وأثاثاً ومتاعاً ورياشاً وتأكل أفخر الطعام وألذه وتسمن نفسك لجهنم؟ إن خيراً لك أن تعيش فقيراً وتموت على إيمان وتقوى وخوف فيعوضك الله جنة فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) أفضل لك من أن تأكل في لذة قصيرة عاجلة دنيئة، ثم تخرج منها وتتركها وتدخل النار فتعذب عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين.
5- وقد كان السلف أهل ورع في باب المال؛ فلا يدخل أحدهم في جوفه إلا ما كان حلالاً محضا، قال عمر رضي الله عنه: «كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام» وإنما فعل ذلك رضي الله عنه امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير: «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ» الحديث.
6- من عقوبات أكل الحرام، إن آكل الحرام إنما يعرِّض نفسه للعقوبة في الدنيا، وفي قبره، ويوم القيامة.
- فمن عقوباته اللعن من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسـلم فعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول وهو بمكّة عام الفتح: «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها النّاس، فقال: لا، هو حرام. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند ذلك: قاتل اللّه اليهود، إنّ اللّه لمّا حرّم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه» رواه البخاري.
- أكل الحرام مانع من قبول الدعاء؛ فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس! إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا طيّباً، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السّماء. يا ربّ. يا ربّ. ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذّي بالحرام. فأنّى يستجاب لذلك؟» رواه مسلم
- أكل الحرام يجعل على البصر غشاوة بحيث لا يميز العبد الطيب من الخبيث، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليأتينّ على النّاس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من حرام. رواه البخاري
- أكل الحرام سبب لعذاب القبر؛ فقد ورد في الحديث أن عبدًا يُقال له مدعم كان مع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في غزوة خيبر، أصابه سهم طائش، فقال الصحابة رضي الله عنهم: هنيئًا له الشهادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». وهذه الشملة عباءة قيمتها دراهم معدودة، ومع ذلك لم يسلم صاحبها من عقوبة أكل المال الحرام.
- أكل الحرام سبب لفضح صاحبه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ فعن أبي حميد السّاعديّ رضي اللّه عنه قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من الأزد يقال له «ابن اللّتبيّة» (قال عمر وابن أبي عمر: على الصّدقة) فلمّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أهدي لي، قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم فيها شيئاً إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه ثمّ قال: «اللّهمّ هل بلّغت» مرّتين. متفق عليه
- سبب لدخول النار؛ فعن أمّ سلمة رضي اللّه عنها عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّما أنا بشر، وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النّار» متفق عليه.
- أكل الحرام سبب للحرمان من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وسبب لبراءة النبي عليه الصلاة والسلام من آكله؛ فعن كعب بن عجرة- رضي اللّه عنه- قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «أعيذك باللّه يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدّقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منّي ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدّقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو منّي وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض. يا كعب بن عجرة! الصّلاة برهان، والصّوم جنّة حصينة. والصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النّار، يا كعب بن عجرة! إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلّا كانت النّار أولى به» الترمذي والنسائي والحاكم.
إذا كان المال من حرام فلا يقبل من صاحبه إن تصدق به؛ فعن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» رواه الترمذي وابن ماجه، وهذا الحديث فيه تحذير لطائفة من الناس خدعهم الشيطان، وزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون، يحسب أحدهم أنه لو أكل حراماً ثم أنفق منه في بعض الأَعمال الصالحة، كبناء المساجد، أو المدارس، أو حفر الآبار، أو غير ذلك، أنه بهذا برئت ذمته، فهؤلاء يُعاقبون مرتين:
الأولى: أن الله لا يقبل منهم أعمالهم الصالحة التي أنفقوا عليها من الأموال المحرمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا».
الثانية: أنَّ الله يعاقبهم على هذا المال المحرم، ويحاسبون عليه يوم القيامة. عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: لا يقبل اللّه صلاة امرىء في جوفه حرام. وقال عبد الله بن المبارك: لأن أرد درهماً من شبهة أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّق بمئة ألف. وقال سفيان الثوري: من أنفق الحرام في الطاعة، فهو كمن طهر الثوب بالبول، والثوب لا يطهر إلا بالماء، والذنب لا يكفره إلا الحلال.
قال الشاعر:
المالُ يذهبُ حِلُّهُ وحَرَامُهُ … يَوْماً وتَبْقى في غدٍ آثامُهُ
لَيْس التقي بمُتَّق لإلهِه … حَتَّى يطيب شَرابُهُ وطَعَامُهُ