1/ فقد مضى معنا الكلام في أن الربا من أخلاق أهل الجاهلية ومن أعمال اليهود، وأن فيه محاربة لله ورسوله وكفراً بنعمة المال وإخلالاً بالإيمان وأنه أشد إثماً من الزنا، وأنه مهلك للأفراد والمجتمعات مخلٌّ بالإيمان، وأن متعاطيه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، معذَّب في قبره، معذَّب عند نشره.
وأما أضراره الدنيوية فتتمثل في محق البركة وذهاب قيمة المال، كما أن فيه إخلالاً بالأمن وإثارة للقلق ونشراً للأمراض النفسية حين تعود المادة هي الهم المقعد المقيم لكثير من الناس دون نظر إلى حل أو حرمة؛ مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأتي على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه غباره)
2/ وقد علمنا أن الربا نوعان ربا الديون وربا البيوع، ومن صور ربا الديون
- ما كان يفعله أهل الجاهلية من قولهم (أنظرني أزدك)
- وألحق جمهور العلماء بهذه الصورة صورة أخرى وهي قولهم (ضع وتعجل)
- ما يفعله بعض الناس من اشتراط زيادة معلومة عند بداية القرض
- ما يلجأ إليه بعضهم من التحايل على الربا باستعمال بيع العينة
- ما يفعله بعضهم من تحويل الدين إلى عملة أجنبية يشترط سداده بها، وتلك مصارفة لا تصح لغياب أحد الثمنين، ومن شرط صحة المصارفة أن يكون البدلان حاضرين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا تبيعوا غائباً منها بناجز)
- إقامة شركة مضاربة مع اشتراط ضمان رأس المال، وربح معلوم مقطوع يعطى شهرياً أو سنويا، والمضاربة لا تصح إلا إذا كان رأس المال معلوماً، وأن يكون من النقود فلا يصح أن يكون من السلع، وأن يكون نصيب العامل جزء مشاعا من الربح لا من رأس المال، وأن يكون الجزء المشاع معلوماً؛ فلا يصح أن يقول له: اتجر بهذا المال ولك بعض ربحه.
- وأما في ربا البيوع فما يحصل من استبدل مال ربوي بآخر من جنسه مع التفاضل بين العوضين؛ فيبيع شوالاً من الذرة باثنين، أو مقداراً من الذهب بذهب دونه أو أكثر منه
- ومن الصور كذلك بيع العملة الأجنبية بعملة محلية نسيئة
3/ وفي الآونة الأخيرة نشأت معاملات ربوية ناتجة عن سوء السياسات التي أدت إلى شح في السيولة ونقص في الأموال دفع بعض ضعاف النفوس إلى التعامل بالربا، ومن ذلك:
- صرف العملة بسعرين مختلفين، إن كانت نقداً فبسعر أقل، وإن كانت عن طريق الإنزال في الموبايل بسعر أكثر ، وهي من أنواع الربا المسمى عند الفقهاء ربا البيوع أو ربا الصرف؛ لأن الأثمان والنقود لابد فيها من التماثل (التساوي) إذا كانت العملة واحدة والتقابض في مجلس العقد فلا يوجد بيع بالأجل، بيع الدولار بالكسر المقصود منه عملية دوران شخص يحتاج لجنيهات وليس عنده كاش فيشتري دولاراً بجنيهات في الحساب وهذه مثلا تكون ب 50ج ثم يقوم مرة أخرى ببيعها ب 47 كاش لأن حاجته للكاش إما لشراء أشياء أو دفع رواتب عمال وغيرها
هذه المعاملة هذه من الناحية الشرعية ابتداء ليس في شيء وإنما باعتبار مآل المسألة فإنها تؤول إلى مفسدة في ظل اقتصاد سوداني يعتمد على سعر الصرف مما يجعل هذه المعاملة تدخل حيز المنع، بمعنى المقصود أن هذه المعاملة انطبق فيها شرط بيع الصرف (بيع العملات) وهو المناجزة والتقابض ولكن الضرر الحاصل على الاقتصاد منها كبير يؤدي إلى زيادة سعر صرف الدولار وبالتالي زيادة التضخم في اقتصاد السودان.
- بيع رصيد الاتصال بالكسر؛ وذلك حيث يقوم الشخص بشراء رصيد عبر تطبيق البنك ومن ثم بيعه لأحد باعة الرصيد بفرق يصل لا يقل عن 7%، من المسائل التي انتشرت جراء شح السيولة هي مسألة تحويل الحساب البنكي إلى رصيد اتصال ومن ثم بيعه عند وكلاء الرصيد للحصول على الكاش بسعر أقل ب7% إلى 10%، وهنا لا يمكن القول بأن الرصيد عبارة عن خدمة لذلك يمكن أن تكون وسيطاً مالياً ولأن التعامل مع الرصيد هنا تعامل النقد المحض من تحويل وشراء واستبدال بالكاش، إضافة إلى أن الناس يشتكون من الطباعة للورق النقدي دون مقابل في الاقتصاد أو الإنتاج والآن شركات الاتصال تطبع رصيد يتداول بين الناس دون وجود ما يقابله في الاقتصاد ثم يتحول إلى كاش ثم إلى دولار يخرج من البلاد
- من صور الربا مبايعات نقاط البيع: وذلك بأن يتفق مع صاحب نقاط البيع على أنه يمرر البطاقة على الجهاز لتخصم 500 جنيه إلى حساب صاحب المتجر، ويعطيه صاحب المتجر 490 جنيه نقداً. وهذه الصورة محرمة لافتقاد شرط التماثل في الصرف، وصورة أخرى بأن يقف أمام نقاط البيع وينتظر المشترين الذين يريدون أن يدفعوا نقداً فيأخذ منهم النقد ويدفع نيابة عنهم بالبطاقة. هذه الممارسة عبر نقاط البيع من أجل الحصول على الكاش، وهذه جائزة بشرط التماثل
- بيع الذهب في مناطق التعدين: في الوضع الطبيعي كان يأتي الشخص بما عنده من أحجار تصفى وتحسب كمية الذهب الذي بها ويعطى ثمنها نقداً حالاً، والآن صار يسجل دين على صاحب المصفى وهذه المسألة تؤدي إلى الصرف الآجل الذي لا يجوز بين النقد والذهب