خطب الجمعة

نصرة المسلمين في لبنان

خطبة يوم الجمعة 2/7/1427 الموافق 27/7/2006

1ـ قد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول الإنسان الخير فيغنم أو يسكت فيسلم، أما أن يقول السوء وينطق بالزور فهذا هو المحظور المحرم، {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} {رحم الله امرأ قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم} {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفا}

2ـ في أوقات الأزمات، وعند اشتداد المحن يجب على الناس أن يرجعوا إلى أهل العلم فيهم، وأن يتبصروا مواضع أقدامهم، قال الله تعالى )وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم( المعنى إذا سمعوا خبَراً عن سَرايا المسلمين من الأمن، أي الظَّفَر الذي يوجب أمن المسلمين، أو الخوف وهو ما يوجب خوف المسلمين، أي اشتداد العدوّ عليهم، بادروا بإذاعته، أو إذا سمعوا خَبراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، في تدبير أحوال المسلمين من أحوال الأمن أو الخوف، تحدّثوا بتلك الأخبار في الحالين، وأرجفوها بين الناس لقصد التثبيط عن الاستعداد، إذا جاءت أخبار أمن حتّى يؤخذ المؤمنون وهم غَارُّون، وقصد التجبين إذا جاءت أخبار الخوف، واختلاق المعَاذير للتهيئة للتخلّف عن الغزو إذا استنفروا إليه، فحذّر الله المؤمنين من مكائد هؤلاء، ونبّه هؤلاء على دخيلتهم، وقَطَع معذرتهم في كيدهم بقوله )ولو ردّوه إلى الرسول(، أي لولا أنّهم يقصدون السوء لاستثبتوا الخبر من الرسول ومن أهل الرأي. وعلى القول بأنّ الضمير راجع إلى المؤمنين فالآية عتاب للمؤمنين في هذا التسرّع بالإذاعة، وأمرُهم بإنهاء الأخبار إلى الرسول وقادة الصحابة ليضعوه مواضعه ويعلّموهم محامله

3ـ إن ناساً في أيامنا هذه التي يتعرض فيها المسلمون في لبنان وفلسطين لحرب إبادة صهيونية صليبية مجرمة ـ في ظل تواطؤ دولي مفضوح قبيح ـ يتعمدون تثبيط همم المسلمين بتصوير الأمر وكأنه لا يعني المسلم في قبيل أو دبير لكون المقتولين ـ بزعمهم ـ شيعة روافض لا فرق بينهم وبين اليهود، وكلامهم هذا يستر وراءه عجزاً بغيضاً، وهي بمثابة ورقة التوت التي يستر كثير من الناس بها عورته؛ بعد أن فضحته الأحداث وتركته عارياً لا يستطيع أن يستتر بشيء؛ فإن كانت هذه الشبهات تصدق على حزب الله؛ فماذا قدم هؤلاء الناس لحكومة حماس في فلسطين؟؟ وهم ليسوا شيعة ولم يتهمهم أحد بالتشيع أو الرفض!!

4ـ إن واجبنا تجاه إخواننا في لبنان ـ سواء كانوا شيعة أو سنة ـ  يحتم علينا نصرتهم بكل ما نستطيع من أسباب النصرة المادية أو المعنوية، والجهاد بمعناه الشامل فرض عين على كل مسلم ومسلمة في أي مكان، بعد أن استباح الأعداء ديارنا، وسفكوا دماءنا، واغتصبوا أرضنا وعرضنا، ولا شك أن المسلم مأمور بمجاهدة أعداء دينه ووطنه، بكل ما يستطيع من ألوان الجهاد، الجهاد باليد، والجهاد باللسان، والجهاد بالقلب، والجهاد بالمقاطعة..كل ما يضعف العدو، ويخضد شوكته يجب على المسلم أن يفعله، كل إنسان بقدر استطاعته، وفي حدود إمكانياته، ولا يجوز لمسلم بحال أن يكون ردءً أو عونًا لعدو دينه وعدو بلاده، سواء كان هذا العدو يهوديًا أم وثنيًا.. أو غير ذلك

5ـ ما عليه الشيعة من انحراف عقدي سبق التنبيه عليه مراراً من هذا المنبر، وما يقوم به الشيعة من عدوان على إخواننا أهل السنة في العراق وإيران وغيرها من البلاد التي تمكنوا منها لا يخفى على عاقل، ومعاونتهم للصليبيين في غزو العراق ومن قبلها أفغانستان لا يزال العهد به قريباً، ولما يُمْحَ من ذاكرة المسلمين بعد، لكنني في هذا المقام أقول: إن جمهور العلماء يعتبرون الشيعة مسلمين ومن أهل القبلة؛ لأنّهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون البيت، رغم أنّهم يخالفون أهل السنّة والجماعة في بعض فروع العقيدة، وكثير من فروع الفقه. وبناءً على ذلك وجدنا أنّ الشيعة الاثني عشرية خاصّة كانوا على مدار التاريخ يسمح لهم بالحج إلى بيت الله الحرام باعتبار أنّهم مسلمون، ولم ينكر ذلك أحد من العلماء.
5- القول أنّهم أخطر على المسلمين من اليهود، مبالغة خاطئة لا يجوز أن يقولها مسلم، فخطر اليهود على الإسلام والمسلمين خطر مطلق يشمل العقيدة أساساً وفروعاً، ويشمل الشريعة كلّها، ويمتدّ ليشمل الأرض والعرض والثروات والأوطان. ولا يمكن أن يكون خطر الشيعة – وهم مسلمون إجمالاً – أعظم من خطر اليهود، وليس هذا الوقت مناسباً لإشاعة مثل هذا الكلام؛ خاصة إذا علمنا أن اليهود والنصارى لا يفرقون بين سني وشيعي، بل يعدون الجميع أعداء لهم )لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا(

6ـ يقول بعض الناس: إن الشيعة لو انتصروا فإنهم سيتفرغون لأهل السنة!! وهذا كلام خطير جداً!! فهل يعقل أن نستثير نحن مشاعر العداوة بناءً على أمر أقصى ما فيه أنّه محتمل، ونعطّل مشاعر الوحدة التي يأمر بها الله تعالى، ويفرضها أمر قائم وهو العدوّ اليهودي؟ قال الله تعالى )ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى(

إن ناساً يقولون: إن ما قام به حزب الله لا ينبغي أن نفرح به لأنه صراع بين اليهود والمبتدعة الذين هم أقرب إلى الكفر!! نقول: كيف لا نفرح بالنصر الذي تحقّق على أيدي إخواننا بأسر جنود اليهود وتمريغ أنف الدولة الصهيونية في التراب؟ كيف لا نفرح بالصواريخ التي تسقط على مدن اليهود فتلقي في قلوبهم الرعب؟ والله تعالى يقول )ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله( وهذا النصر كان للروم على الفرس، وكان المسلمون ضعفاء في مكّة المكرّمة، ومع ذلك فقد شرع الله لهم الفرح بهذا الانتصار. فكيف يجوز لنا أن لا نفرح بانتصار الشيعة وتحرير أرضهم من المحتّلين اليهود؟ إنّه من الواجب أن نفرح، ليس فقط لأنّ لنا إخوة من السنّة تحرّرت أرضهم من رجس الاحتلال، وليس فقط لأنّ الشيعة حرّروا أرضهم أيضاً من رجس الاحتلال، وهم يقاتلون عدوّنا وعدوّهم من اليهود، الذين احتلّوا فلسطين قبل لبنان، ولا يزالون فيها، والمعركة بيننا وبينهم مستمرّة حتّى تحقيق النصر الكامل إن شاء الله. بل لقد علّمنا الإسلام أن نفرح لكلّ إنسان يرفع عنه الظلم، مهما كان دينه.

7ـ إن من دين المؤمن وأخلاق المسلم نصرة المظلومين والسعي في فكاك المأسورين و عون المحتاجين في كل مكان وزمان، فإن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً،
و كان النبي صلى الله عليه وسلم يسعى في رفع الظلم و الوقوف مع المظلومين، وما ثناؤه على حلف الفضول إلا  مثال لذلك، وهذا الأمر يقوم به المسلم دون غفلة منه عن طبيعة الأحداث ومؤدياتها ومعرفة بحقيقة المشاركين فيها وطبيعة أدوارهم، وعليه فلا شك في وجوب الوقوف مع المنكوبين والمستضعفين في فلسطين ولبنان والعمل على دعمهم ومساندتهم و إغاثتهم بما يمكن، والتخفيف من محنتهم بكل أنواع الدعم المعنوي والمادي كما قال صلى الله عليه وسلم {المسلم اخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله}

8ـ  أن دور الكيان الصهيوني، ومن ورائه الولايات المتحدة وحلفاؤها في جلب المصائب والأزمات للأمة في الماضي والحاضر، هو أمر لا يقبل التشكيك؛ فهم من اغتصب الأرض في فلسطين أولاً وأفغانستان ثانياً والعراق ثالثاً، فانتهك الأعراض وهدم البيوت وهجر المسلمين من أراضيهم واستولى على ثرواتهم ومقدراتهم، ولا زالوا إلى اليوم يعملون في المسلمين قتلاً و أسراً و تعذيباً وتشريداً

9ـ إن مقاومة العدوان الصهيوني والاحتلال اليهودي لفلسطين أو لأي أرض عربية، هو حق لا مرية فيه بل هو واجب شرعي على الجميع، كلٌ حسب طاقته واستطاعته، وإن جهاد المحتل ومقاومته هو الطريق الوحيد لكف شره ولجم عدوانه ورفع بلائه عن أمة الإسلام، ولقد زادت القناعة بهذا
يوماً بعد يوم مع ما نرى من فشل لخطط السلام المزعوم وللتحركات السياسية الهزيلة، المنطلقة من أنفس مهزومة، التي لم تزد الأمة إلا وهنا على وهن ولم تزد العدو إلا تمكيناً في الأرض، وبطشاً وغطرسة

10ـ إن المقاومة التي يشرف المسلم بالانتساب إليها ويسعى إلى دعمها والوقوف خلفها وتأييدها، هي المقاومة التي تنطلق من أسس واضحة ومنطلقات شرعية صحيحة تسعى لطرد المحتل وعودة الأرض لأصحابها ولإعلاء كلمة الله، وتسعى لتطبيق شريعته دون أن يكون لها تعلقات مشبوهة وارتباطات مريبة بوعي منها أو بلا وعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى