خطب الجمعة

نظام شمولي

خطبة يوم الجمعة 27/12/1439 الموافق 7/9/2018

الحمد لله رب العالمين، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير؛ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب؛ ما خلق ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون، وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا وحبيبنا وأسوتنا وقدوتنا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيرا بين يدي الساعة؛ فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، أما بعد أيها المسلمون عباد الله

فقد ختم درس الجمعة الماضية بحديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا وقال: إني رأيت البارحة عجبا؛ رأيت رجلاً من أمتي قد نزل به ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتى قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكره لله فطرد الشياطين عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهث كلما دنا من حوض منع عنه وطرد فجاءه صيام رمضان فأسقاه ورواه، ورأيت رجلاً من أمتى ورأيت النبيين جلوساً حلقاً حلقاً كلما أتى حلقة منع عنها وطرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجه وعمرته فأخذ بيده فأخرجه من تلك الظلمة وأدخله في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار وشرره فجاءته صدقته فجعلت بينه وبين النار سترة وظللت على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر …

تنبيهات ضرورية تتعلق بالشمول الإسلامي:

أولاً: الشمول عقيدة متواترة: فهو حقيقة معلومة من الدين بالضرورة، وعقيدة يقينية منقولة إلينا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم نقلاً متواتراً؛ ولذلك يجب الإيمان بشمول الإسلام لكل شؤون الحياة من حيث المبدأ، ولا يحل إنكار الشمول أو إنكار جزء منه، وإلا كان ذلك نفاقاً في الدين، أو ردَّة عنه.

   أما النفاق فأدلته كثيرة جداً في الكتاب والسُّنة، ومنه الآيات المتتابعة في سورة النساء، ومنها قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.

أما الردَّة، فقد تقع بتجزئة الدين، وتبعيض أحكامه، كما قال تبارك وتعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ}.

 فسمى الله تعالى التجزئة في الدين (كفراً) يُبطل الإيمان السابق، ولذلك توعَّد عليها بخزي الدنيا، وأشد العذاب في الآخرة، وهو لا يكون إلا للكفار، كما قال الله عز وجل في آل فرعون: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ}.

ولذلك حرَّم الله عز وجل أشد التحريم هذه التجزئة للدين، وهذه التفرقة بين أحكامه من حيث الإيمان بها، والتصديق بمشروعيتها، وقد حذر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من هذا العمل فيما لا يحصى من الآيات.

  ولذلك كانت هذه القضية على غاية الوضوح في الأمة الإسلامية طوال تاريخها، وكانت من المسلَّمات حتى عند أهل الذنوب والمعاصي، لا ينكرونها، ولا يجادلون فيها، إلا إذا كانوا من الزنادقة، أو أهل البدع والأهواء المهلكة!

فلما رُزئت الأمة بالاحتلال الأوروبي الكافر، أشاع فيها هذه المفاهيم الخاطئة، بجعل الدين مقصوراً على المفهوم الأوروبي النكد : أي أنه علاقة بين العبد وربه فقط، أما شؤون الحياة، فيزاولها الإنسان، ويشرِّع لها، أو يبتدع فيها بهواه، أو كما قال بعض طواغيتهم : “يتولى الإنسان المقعد مكان الله!” تعالى الله عمَّا يقولون علواً كبيراً.

 ومن هنا اندلع في العالم الإسلامي هذا الضلال الوافد، الذي يفرق بين الاعتقاد والاقتصاد، وبين الدين والسياسة، أو يقسم الحياة بين الدين والقانون الوضعي؛ فيجعل للدين الصلاة… ونحوها، ويجعل للقانون كل ميادين الحياة الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتعليمية… إلخ. وسيظل الصراع محتدماً بين الحق والباطل، حتى يفيء المسلمون إلى أمر الله، ويكون الدين كله لله.

ثانياً: الشمول وعقيدة التوحيد:

  فقد تقرر عندنا نحن المسلمين أن الله عز وجل هو الحاكم الهادي، وأنه سبحانه له وحده (الخلق والأمر) يحكم ما يشاء، ويشرِّع ما يريد، ويأمر وينهى ولا منازع له، ولا معقِّب عليه في حكمه الجليل.

وقد شرَّع لعباده طوال التاريخ البشري على ألسنة رسله عليهم السلام وبواسطة كتبه الجليلة، ووحيه الحكيم.

واستنكر على كل من يتطاول إلى هذه الخصوصية الإلهية التي تفرد بها سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ولذلك جاءهم بدين كامل الصفات، تام الأحكام، ليس فيه أدنى نقص أو خلل فمن لم يؤمن بشموله واستباح الأخذ من غيره، أشرك به سبحانه وتعالى وكفر بمقررات الوحي الإلهي، ولذلك كان على رأس المهمات: الاعتقاد بوحدانية الله تعالى واليقين بشمول دينه الحق، والكفر بكل طاغوت يشرع من دون الله ما لم يأذن به الله.

 وهذه قضية إيمانية قطعية، ينبغي أن ينتبه إليها كل موحد، وأن يجعلها على رأس دعوته وجهاده في سبيل الله عز وجل.

 ثالثاً: شمولنا وشمولهم: لقد شاع في الاستعمالات الحديثة مصطلح (الأنظمة الشمولية) وهي صفة ذم وطعن باطِّراد لِمَا عُرف عن هذه الأنظمة من استبداد، وغطرسة، وظلم، وما أوقعته بالناس من مظالم ومآس فادحة، وذلك كالشيوعية، والنازية، والفاشية…  إلخ. فهل (الشمول الإسلامي) يشبه شيئاً من ذلك؟

  • من حيث (المصدر) يختلف الشمول الإسلامي عن كل ما عُرف في الأرض قديماً وحديثاً؛ لأن شارعه هو الله الرحمن الرحيم الذي {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} المتفرد بالحكمة التامة، والعدل المطلق، والفضل العظيم.
  • ومن حيث (التشريع) الذي أقامه الله تعالى على الحق، والخير، والعدل، والإحسان، وجعل من مقاصده الكبرى الإصلاح ومنع الفساد والإفساد في الأرض: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}. {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} {وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ}.
  • ومن حيث (التطبيق) الذي أمر فيه بكل خير، ونهى فيه عن كل شر؛ فأمر بالأمانة والعدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. ونهى عن الغدر والخيانة: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} وأوصى برعاية الأسير: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} وجعل الحق والعدل فوق كل فوارق التمييز والعنصرية المهلكة: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والمعنى: لا يحملنَّكم بُغْض المشركين على الجور، بل اعدلوا حتى مع هؤلاء الأعداء الذين يحادُّون الله ورسوله.

ومن هذه الرحمة المهداة كان فرض (الجهاد) لحماية الدين والأنفس، مع غاية العدل والإنصاف: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

إننا لا نقصد إلى المقارنة أو الموازنة بين الحق الإلهي واللغو البشري، وإنما أردنا التذكرة بجلال الحق الإلهي المنير، ليزداد الذين آمنوا إيماناً، وكي لا ينخدع أحد من المسلمين بأضاليل الجاهلية الجهلاء:

وما يستوي وحي من الله منزَّل      وقافية في العالمين شرود

رابعاً: مراتب التكليف: من إعجاز هذا التشريع الإلهي الشامل، وامتيازه، وتفوقه، وقيامه على تمام الحكمة والرحمة: أن الله عز وجل جعل هذا (الشمول التشريعي) على مراتب متعددة، وعلى درجات متنوعة، وعلى صفات متكاملة متماسكة، تيسيراً على عباده، وشحذاً لهمم الراغبين في الترقي، ورفعاً لدرجاتهم في حياة (الخلود الأبدي) التي تسقطه مذاهب البشر من حساباتها المادية الغليظة؛ فتحرم أتباعها من سعادة الدارين.

 لذلك تضمَّن هذا (الشمول الإسلامي) تشريعات إلهية متعددة الجوانب، ففيه:

  • تشريعات للأفراد بأعيانهم كلٌّ بما يناسبه : كالصلاة، والزكاة، والصيام.
  • وتشريعات للجماعات فيما لا يستطيعه الإنسان بمفرده.
  • وتشريعات للحكومات لتكتمل دائرة الإصلاح في الأمة الواسعة.

       وجعل الله تعالى تشريعاته تدور بين (الفرائض) الملزِمة، وبين الواجبات المقرَّرة، أو بين الممنوعات المحرمة والمباحات المتعددة، أو المندوبات والنوافل التي يغري ثوابها الجزيل بمزاولتها وفعلها، عن رضاً واختيار وتطوع.

واختص سبحانه وتعالى بتحديد الحلال والحرام؛ لأنه يملك – وحده – العلم المحيط، والحكمة المطلقة، والقدرة الشاملة، لذلك أنكر أشد الإنكار على المخلوقات، أن تزاول هذه المهمة البالغة؛ لأنهم محدودون علماً وحكمةً، قاصرون فهماً وإحاطةً، قابلون للتأثُّر بالأهواء والمصالح، والوقوع في المظالم، وأخطرها مظالم التشريع ومناهج الحياة التي تؤثِّر في (ملايين) البشر في أجيال متعددة!

قال تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}.

 وقد جاء بيان مراتب التكليف في القرآن الكريم، والسُّنة المطهرة، كما قال تعالى: {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، (وكتب) مثل (فرض) وزناً ومعنى. ويقول تعالى في الطواف: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} وفي التطوع منه يقول تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}.

  ومِن أَجْمَع الآيات الكريمة لمراتب التكليف، وأنواعه، وشُعبه الجامعة أية البر: {وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فهي شاملة لأصول الإيمان، وعقائد الدين: وتجمع شعب الإيمان كلها: من الإيمان، إلى الأخلاق، والعبادات، والمعاملات.

  وهي تذكر الفرائض العليا، ثم التطوعات، مثل: الزكاة المفروضة، والحقوق المالية الواجبة، والصدقات.

  وهي تنبه على أصول الأخلاق بنوعيها: الفرائض والفضائل كالوفاء بالعهود، والصبر، والصدق.

وقريب من هذا (الشمول) التشريعي الجامع قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله فرض فرائض، فلا تضيعوها، وحد حدوداً، فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها” وقد نُقِل عن السمعاني قوله : “هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين” وحكى عن غيره : “ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد أَجْمَعُ بانفراده لأصول العلم وفروعه من حديث أبي ثعلبة الخشني”

وقال أبو واثلة المزني: “جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين في أربع كلمات”

وقال الحافظ ابن السمعاني: “فمن عمل بهذا الحديث، فقد حاز الثواب، وأمن العقاب؛ لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين؛ لأن الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة”.

الخطبة الثانية

كان من هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الاستبشار بالجديد القادم والاحتفاء به والدعاء ببركته: ففي دعاء رؤية هلال الشهر الجديد: «هلال خير ورشد»، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لِمَ صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى»، وعن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالباكورة بأول الثمرة قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمرتنا وفي مُدِّنا وفي صاعنا، بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان». ومن هديه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه إذا أقدم على مجهول زمان أو مكان سأل الله عز وجل خيره واستعاذ به من شره: ففي دعاء رؤية هلال الشهر أيضًا: «اللهم إني أسألك من خير هذا ثلاثاً اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر وخير القدر وأعوذ بك من شره – ثلاث مرات -». وفي أذكار اليوم والليلة: «اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم»، ولم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها».. وفي أذكار دخول السوق ونزول المسافر والمرتحل وادياً أو منزلاً، وهبوب الريح والاقتران بالزوجة الجديدة والدابة الجديدة.. ما يفيد المعنى المقصود نفسه. فارتباط المسلم بربه، ويقينه بأن كل قادم مجهول لا يخرج عن قدرته سبحانه وقدره، وأنه لا بد له عز وجل فيه حكمة بالغة، وثقة المسلم بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)))) وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ)) ((اصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ))، ((وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ الرعد))  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً))… كل ذلك يجعل المؤمن مستبشراً بعامه الجديد مطمئناً إلى مستقبله، متوكلاً على ربه، راضياً بقدره، شاحذاً همته، مستبعداً شبح اليأس والتثبيط، ((إِنَّهُ لاَ يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى