1- الماء من أعظم نعم الله على العباد، وقد جعله الله مادة الخلق جميعاً، كما قال سبحانه {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} وقال سبحانه {والله خلق كل دابة من ماء} ومتوسط وجود الماء في جسم الإنسان 65% وفي النبات يصل إلى 70 -90% ويوجد في صوره الثلاث السائلة والصلبة والغازية؛ قال تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون}
وقد جعله الله ثواباً وعقاباً في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فقال سبحانه {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً} وقال {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وقال عن قوم نوح {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر} وقال {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} وأما في الآخرة فقال سبحانه عن أهل النار {وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم} وقال عن الكافر {من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد} وقال حكاية عن أهل النار {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} وقال عن الجنة {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن} وقال {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا}
2- هذه النعمة العظيمة يذكر الله بها بني إسرائيل فيقول جل ذكره {وإذ استستقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتنا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى عليه السلام، حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حَجَر يُحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينًا لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها، فكلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد، واعبدوا الذي سخر لكم ذلك. {وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ} ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها. وقد بسطه المفسرون في كلامهم، كما قال ابن عباس: وجُعِل بين ظهرانيهم حجر مربَّع وأمر موسى عليه السلام، فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، في كل ناحية منه ثلاث عيون، وأعلم كل سبط عينهم، يشربون منها لا يرتحلون من مَنْقَلَة إلا وجدوا ذلك معهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول.
3- إذا كان الله عز وجل قد فجر لكليمه موسى عليه السلام الماء من الحجر فإنه فجره لنبينا صلى الله عليه وسلم من بين أصابعه؛ كما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه؛ قال القرطبي رحمه الله تعالى: روى الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم نجد ماء فأتي بتور فأدخل يده فيه فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه ويقول: “حي على الطهور” قال الأعمش: فحدثني سالم بن أبي الجعد قال: قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال ألفاً وخمسمائة. لفظ النسائي.
4- الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس القطر وإذا كان كذلك فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر والمسكنة والذلة مع التوبة النصوح. وقد استسقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المصلى متواضعاً متذللاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً وحسبك به عليه الصلاة والسلام. قال النووي رحمه الله تعالى: يستحب الإكثار فيه من الدعاء والذكر، والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورة منها: “اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً سحاً عاماً طبقاً دائما، اللهم على الظراب ومنابت الشجر، وبطون الأودية، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك” ويستحب إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أن يستسقوا به فيقولوا: “اللهم إنا نستسقي ونتشفع إليك بعبدك فلان” روينا في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا صلى الله عليه وسلم فاسقنا، فيسقون. وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره.
الخطبة الثانية
قد علمتم ما أصاب إخوانكم من جراء السيول والأمطار، وما كان من إزهاق أنفس وذهاب أرواح وإتلاف ممتلكات وانهيار بيوت؛ فبعض إخوانكم صار بين عشية وضحاها من غير مأوى وبعضهم نجا بثيابه التي على جسده، وأكثرهم لا يجد ما يفترشه ولا ما يلتحفه وقد نزل بهم من البلاء ما لا يكشفه غير الله عز وجل، وهؤلاء إخواننا لا يحل لنا خذلانهم ولا الإغماض عما أصابهم، بل علينا بذل العون لهم فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وعلينا أن نمد أيدينا إليهم؛ فإن الناس يحشرون يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط؛ فمن أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن كسى مسلماً على عري كساه الله من حلل الجنة، ومن سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم.
ونحن في هذه الساعة نصلي في بيوت الله آمنين مطمئنين وإخواننا في مصر يعانون مطاردة وتضييقاً وعنتاً وتعذيباً، ولا ندري ما يصيبهم الآن حيث سمعنا وزير داخليتهم – فض الله فاه وعامله بما هو أهله – يهدد ويتوعد بالضرب بالرصاص الحي بعدما تنادى الناس إلى الخروج اليوم في مظاهرة يستنكرون بها تلك المجازر الوحشية التي تورطت فيها السلطة الانقلابية الدموية التي لا ترجو لله وقارا؛ حيث تسلطت فئة من الفراعنة الجبابرة على رقاب الناس وفرضت نفسها فرضا مستعينين على ذلك بجماعات من أهل العلمنة المنافقين الكارهين لما أنزل الله الساعين بالفساد في الأرض، ورأينا من طغيانهم ما يتصاغر معه طغيان فرعون؛ عمدوا إلى النفس المحرمة فقتلوها، بل الجثث أحرقوها والمساجد دنسوها، ورأينا على شاشات التلفزة أفعالاً ما فعلتها يهود ولا الصهاينة، المسلم يحمل جنازة أخيه القتيل فتعاجله رصاصة؛ كأنهم يستكثرون على المسلمين دفن جثث موتاهم، وهكذا عظم البلاء بأهل مصر، وها هنا لا بد من التذكير بجملة من الحقائق:
أولاها: أن هذه الدماء وزرها شركة بين من اقترف إسالتها ومن أمر بذلك أو حرض عليه أو سوغ له أو سكت عنه من رجال الإعلام ورجال الدين وغيرهم ممن غرهم بالله الغرور
ثانيها: أن الدول التي حرضت على هذه الفوضى ورعت ذلك الانقلاب المشئوم أو مولته أو فرحت بوقوعه لن تسلم من العقوبة الإلهية والسنن الربانية “إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} فيا من سعيتم إلى هذه الدموية ويا من أيدتموها حفاظاً على عروشكم واستبقاء لملككم أقرأ عليكم قول ربنا جل جلاله {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون. إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}
ثالثها: أن قوى الاستبداد والطغيان أرادت أن توجه رسالة للشعوب التي بدأت ثورتها على الظلم والبغي منذ سنتين في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بأن بقاءكم تحت أحذية الطغاة المستبدين خير لكم من الخروج عليهم، لكن هيهات أن تنطلي تلك الحيل فإن الشعوب قد عرفت طريقها واختارت سبيلها {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}
رابعها: هذه جولة أيها المسلمون قد تكون الغلبة فيها للباطل لكن بعدها جولات، وما على أهل الحق إلا أن يستمسكوا بالحق الذي يعتقدون ويوحدوا صفوفهم؛ فما عاد الزمان زمان أحزاب وجماعات بل علينا جميعاً أن نكون يداً واحدة وصفاً واحدا {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص} ومكر الله أقوى من مكر هؤلاء الضعفاء المهازيل {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون}