1ـ في نهاية رمضان الناس فريقان: فائزون رابحون، وهم الذين نالوا الرضوان من ربهم الرحمن: من قاموا بواجباتهم واستغلوا أوقاتهم، ورعوا الحرمات، وجاهدوا في اكتساب الطاعات، هم الفائزون الحائزون على الجوائز، فعن أبي جعفر محمد بن علي مرفوعا {من أدرك رمضان صحيحاً مسلماً، فصام نهاره وصلى ورداً من ليله، وغضَّ بصره، وحفظ فرجه، ولسانه ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكَّر إلى الجمعة، فقد صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب} رواه ابن أبي الدنيا. وفريق من الناس خاسرون ضائعون وهم الذين ما عرفوا لرمضان قدره وشرفه فلم يعظِّموا نهاره، ولم يقوموا ليله، ولم يتعرضوا لنفحات ربهم، قال رسول الله e {رغم أنف امرئ دخل عليه رمضان ثم خرج ولم يغفر له}.
2ـ عندما يصل رمضان إلى نهايته يكون قد أوصل العظة إلى القلوب، فهذا الشهر الذي هو قطعة من أعمارنا، سينتهي العمر كله كما انتهى، وعندها سيفرح أقوام ويندم آخرون، أما الفرحون فهم الذين تناديهم الملائكة عند الموت {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} وأما الخاسر الشقي فذاك الذي ينادي {رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} {رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسئوا فيها ولا تكلمون} {ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم فيه ما يتذكر من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}.
3ـ إن من صام رمضان إيماناً واحتساباً، وكذلك من قامه، ومن قام ليلة القدر فيه قد وُعِد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يُغفر له ما تقدم من ذنبه مما هو دون الكبائر، وهي جائزة عظيمة؛ لأن الصغائر تزاحم الكبائر في خطورتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه} رواه أحمد وقال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ {إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالباً} رواه أحمد وابن ماجه، أما الكبائر فهي الكبائر لا تُغفر إلا بتوبة أو عفو، وهنا يجئ فضل العتق من النار الذي يمتن الله به على العتقاء السعداء الذين ينالون الجائزة الكبرى آخر رمضان، روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه {إذا كان يوم الفطر، هبطت الملائكة إلى الأرض، فيقفون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه من خَلَقَ اللهُ إلا الجن والإنس، يقولون: يا أمة محمد، اخرجوا إلى رب كريم، يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: إني أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، ارجعوا مغفوراً لكم، يا عبادي: فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم} رواه البيهقي.
4ـ في آخر الشهر ليت شعري من المقبول فنقدم له التهاني، ومن المحروم فنقدم له التعازي؟ أيها المقبول هنيئاً لك.. أيها المحروم جبر الله كسرك وأحسن عزاءك وعوَّضك خيراً، يا رمضان إن العين تدمع وإن القلب يحزن وإنا لفراقك يا رمضان لمحزونون ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).
فيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدرى إذا ما الحول ولى وعدت بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حياً أم انك تلقني في اللحد بالي
فهذه سنة الدنيا دواماً فراق بعد جمع واكتمال
وتلك طبيعة الأيام فينا تبدد نورها بعد الكمال
5ـ صمت أيام الشهر إيماناً واحتساباً، وقمت لياليه إيماناً واحتساباً، فاجعل صيامك وقيامك تطوعاً بعد رمضان إيماناً واحتساباً، وطلبك للعلم وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وصبرك وجهادك وطاعتك إيماناً واحتساباً.
6ـ قدرتك على صيام شهر كامل دليل على قدرتك بعده على التواصل بالنوافل، فأكثر منها في أوقاتها المستحبة، فإنه بالنوافل تكمِّل النواقص في الفرائض، وتُرفع لك الدرجات {وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه}.
7ـ حافظت على الصلاة بخشوعها، وأتممت ركوعها وسجودها مع المسلمين، وتلك الصلاة شرعت لذكر الله، فهلا بقيت على ذكرك لله في كل أيام الله ((وأقم الصلاة لذكري)).
8ـ قيامك مع الإمام مهما استرسل وأطال حجة عليك بأن لك القدرة على طول القيام، فلا تقصِّر فيه سائر العام، فإن قيام الليل هو شرف المؤمن.
9ـ ختمت القرآن في رمضان مرة أو مرات، فلا تهجر القرآن بعد رمضان.
10ـ تخلقت بأخلاق القرآن في رمضان، وكنت تقول لمن سابك أو شاتمك {إني امرؤ صائم} فأمسكت لسانك في أيام الشهر الكريم، ولم تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، فهلا علمك الصيام أن حسن الخلق هو أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة.