حكم أخذ الأجر على صلاة التهجد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن طلاب علم، وكنا قد بعثنا بسؤال عن اشتراط القراء أجراً لصلاة التهجد، وقد مرَّ علينا في بلوغ المرام وشرحه حديث السنن ولفظه عند الترمذي عن عثمان بن أبي العاص قال: (إن من آخر ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا) قال الترمذي: حديث عثمان حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه، ومرَّ علينا في الشرح ما يوافق فتواكم من جواز أخذ الأجر نظير التفرغ، لا على نفس الأذان
على أن الواقع اليوم هو أن هؤلاء القراء يأخذون أجورهم من إدارة المساجد/ الدعوة، ولضعف الأجور فإن لجان المساجد تكمل لهم من مواردها، فكان ذلك هو نظير التفرغ، وسؤالنا عن خصوص إمامة صلاة التهجد – لا عموم الامامة – والتي يظهر أن الأجر فيها – قلَّ أو كثر- إنما هو عن الصلاة نفسها، وليس الاحتباس عن طلب الرزق، فلو كان ذلك في الأذان لافترق الحكم بنص الحديث، فهل هو مؤثر في إمامة الصلاة؟ وباستصحاب أن علماء الجرح والتعديل كانوا يطعنون فيمن يأخذ على التحديث أجرا، أفتونا مأجورين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا بد من التنبيه على أن العمل المقبول عند الله عز وجل هو ما كان خالصاً وابتغي به وجهه سبحانه، وأنه ما ينبغي للإنسان أن يريد بعمل الآخرة الدنيا؛ لأن الله تعالى قال {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا لهم جهنم يصلاها مذموماً مدحورا + ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} وقال سبحانه {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون + أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} وقال {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} فالذي أوصيك به ونفسي هو الإخلاص لله تعالى وابتغاء وجهه {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما}
وعليه فإن الأصل عدم أخذ الأجرة على فعل القربات كتعليم العلم وإمامة الناس والأذان وإقراء القرآن ونحو ذلك، اللهم إلا من كان محتاجاً فلا حرج عليه أن يأخذ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق ما اتخذتم عليه أجراً كتاب الله» ولأن الأجرة على الاحتباس لا على ذات القربة، بمعنى أن الإنسان الذي يعلِّم أو يؤم الناس أو يؤذِّن قد حبس نفسه ووقف وقته على ذلك العمل، ولو لم يأخذ أجراً لأفضى به ذلك إلى التماس الرزق من باب آخر – كتجارة أو غيرها – مما يفضي إلى ضياع تلك المصالح من التعليم والإمامة وغيرها.
لعل هذه هي الخلاصة التي ذكرتها في الفتوى السابقة، أعني أن الغني واجب عليه الاستعفاف والفقير لا حرج عليه في طلب الأجرة المجزئة التي يصون بها وجهه عن سؤال الناس؛ كما قال سبحانه {ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} ثم إن قول المحدِّثين إنما كان في زمان غير زماننا حيث كانت الكفاية حاصلة لطلبة العلم بما يجرى عليهم من أوقاف المسلمين أما الحال في زماننا فهو أن الأئمة والمؤذنين تُصرف لبعضهم – لا كلهم – مكافأة لا تكاد تكفي لقوت ثلاثة أيام!! وما تعطيه لجان المساجد – في الأعم الأغلب – لا يكفل لهم عيشاً كريماً يضمن لهم الكفاف، وعليه فلا حرج عليهم في أن يشترطوا ما يحقق لهم مقاصدهم في عيش كريم شأنهم شأن سائر أصحاب المهن والعلوم.
وإذا كان سؤالك أيها السائل هل الصلاة خلف من يشترط صحيحة أم باطلة، فإنه لا وجه للقول ببطلانها ولا كراهتها والحال كما بيَّنت لك، والعلم عند الله تعالى