شروط التكفير موانعه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ، ما هي شروط التكفير وما موانعه؟ (التكفير النوعي وتكفير المعين) أفيدونا بشيء من التفصيل بارك الله فيكم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد
فالتكفير نسبة الرجل أخاه إلى الكفر؛ ومن هنا فإن تكفير المسلم للمسلم معناه الحكم عليه بأنه إما أن يكون كافراً كفراً أصلياً لم يدخل الإسلام أصلا، أو أنه قد ارتد عن دين الله بعد إذ كان مسلماً، وهذا قد نهى الله عنه في حق كل من قال “لا إله إلا الله”، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} وفي القراءة الأخرى {فتثبتوا} {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وفي قراءة أخرى: {السلم} {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا}، وفي القراءة الأخرى {فتثبتوا} {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
وها هنا أكتفي بذكر الموانع، ومن خلالها تتبين الشروط، لأن المانع ضد الشرط؛ فما نذكره هنا من شروط التكفير وموانعه ما كان منها إثباتاً وهو مانع فنفيه من الشروط، وما كان منها نفياً وهو مانع فإثباته من الشروط.
أول تلك الموانع: الإكراه؛ فإذا أكره الإنسان على النطق بالكفر أو على فعل المكفر ففعله بسبب الإكراه فإنه لا يكفر بشرط تحقق الإكراه الذي هو عذر شرعا؛ والإكراه الذي هو عذر معتبر شرعا هو تهديد الإنسان ممن يستطيع إيقاعَ المُهدَّد به بأمر مؤلم له في نفسه أو أهله أو ماله ولا يستطيع دفعه؛ وهذا الإكراه مسقط للتكفير لأن الله تعالى يقول: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
المانع الثاني: الجهل؛ فمن كان يجهل أن هذا الكلام كفر؛ أو أن هذا القول من كلام الله أو كلام رسوله فكذَّبه؛ أو كان يجهل أن هذا الفعل كفر فوقع فيه، وهو لا يراه كفراً وكان هذا الذي وقع فيه من المكفرات ليس من المعلوم من الدين بالضرورة، أو كان من المعلوم من الدين بالضرورة لكن كان هو حديث عهد بجاهلية أو كان في مكان بعيد جدا عن التعلم فإنه يعذر، والدليل على العذر بالجهل قول ربنا جل جلاله {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. ولم يقل إنكم قوم تكفرون. فحكم عليهم بالجهل وعذرهم به. وفي سنن الترمذي وغيره من حديث أبي واقد الليثي: «أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين قال وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط قال فمررنا بسدرة خضراء عظيمة قال فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون} إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة)
المانع الثالث: عدم القصد، فالقصد وهو النية شرط للأعمال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» فإذا فعل الإنسان فعلا هو كفر ولكنه لم ينو فعله، أو قال قولا هو كفر ولكن لم ينوه وإنما كان زلة لسان أو زلة عمل فإن لم يكن صريحا في الكفر لا يقبل التأويل عذر به. فالصريح الذي لا يحتاج إلى النية ولا يقبل التأويل مثل السجود للصنم فمن سجد للصنم كما يفعل عابده وقال لم أرد عبادته لم يصدق في ذلك لأن هذا الفعل لا يقع اعتباطا ولا يقع إلا عن قصد. أما إذا جرى على لسانه قول وهو لا يقصده كمن لُقِّن الكفر بلغة لا يفهمها كالعربي يلقن ما هو كفر باللغة الصينية فينطق به وهو لا يعرف معناه لا يكفر به. ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي تنفر منه راحلته وعليها زاده ومتاعه فيطلبها حتى إذا أيس منها رأى شجرة فقال لعلِّي أموت عندها فبينما هو كذلك إذا براحلته عنده فأمسك بخطامها أو بزمامها وهو يقول «اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» فهذا من شدة الفرح قال قولا هو كفر ولكنه قطعا لم يقصده
المانع الرابع: تغطية العقل؛ فمن المعلوم أن التكفير ناشئ عن فعل والفعل ناشئ عن تكليف فإذا كان الإنسان غير مكلف فإنه لا يُكفَّر إذا كفر، فالصبي إذا نطق بالكفر أو فعله لا يكفر به والمجنون إذا نطق بالكفر أو فعله لا يكفر به ومثل ذلك السكران سكرًا لسبب مباح، كمن شرب شراباً يراه عصيراً فكان خمراً، فنطق بالكفر أو فعل ما هو كفر فإنه يرفع عنه التكفير في ذلك الوقت بسبب سكره.
ودليل ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة حين قال له «هل أنتم إلا عبيد لأبي» لم يؤاخذه بذلك وكذلك الصحابي لما قرأ (قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون)
المانع الخامس: عدم إقامة الحجة فالله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} فمن قال الكفر أو فعله ولكن لم تقم عليه الحجة وقد كان من أهل الإيمان فإنه لا يعد كافرا حتى تقوم عليه الحجة. وإقامة الحجة تحصل بالاستماع ومعرفة شبهته وردها وبيان الصواب مع الأدلة ولا يكون ذلك إلا ممن تقوم به الحجة عليه كمن هو أعلم منه أو مساو له يستطيع رد شبهته وأما من هو دونه ولا يستمع إليه أصلا ولا يقبل منه فلا يكون حجة عليه
المانع السادس: عدم الثبوت فالكفر حكم يترتب عليه أحكام كالقتل وفراق الزوجة وإباحة المال وغير ذلك من الأحكام فلا يكون ذلك إلا بثبوت، والثبوت يكون بالإقرار وبالبينة التامة وإذا أقر الإنسان أنه قد ارتد ثم تراجع عن إقراره فإن التراجع مانع عن إقامة الحد عليه وكذلك لابد من البينة التامة كما ذكرنا فإذا شهد عدلان أنه قال هذا القول الذي هو كفر أو فعل هذا الفعل الذي هو كفر فهذا نصاب الشهادة فيسأل عن ذلك فإن أنكره اعتبر إنكاره رجوعا عن فعله أو قوله لما ثبت في حديث ماعز؛ فإنه حين هرب قال النبي صلى الله عليه وسلم «هلا تركتموه إذ هرب فلعله يتوب فيتوب الله عليه»
المانع السابع: التأويل؛ فمن قال قولا باجتهاده يراه صوابا موافقا للوحي وكان كفرا في الواقع فإنه لا يكفر لأنه طلب الصواب باجتهاده فأخطأ، كما حصل لقدامة بن مظعون رضي الله عنه حين تأول قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} على إباحة الخمر لمن كان من خيار المؤمنين. وقد عذره عمر والصحابة باجتهاده فلم يكفِّروه، وهو ممن شهد بدرا وبايع تحت الشجرة، وأقاموا عليه حد شرب الخمر