العقيدة

من هم أهل الكتاب؟

السلام عليكم.. هل أهل الكتاب هم نصارى فقط أم يهود أيضًا؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فهذا المركب الإضافي (أهل الكتاب) إذا أطلق في لسان الشرع فمراد به اليهود والنصارى معاً، كما في قوله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} وقوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وقوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} وقوله سبحانه {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقوله سبحانه {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}

وقد دلَّ القرآن والسنة والإجماع على أن من دان بغير الإسلام فهو كافر، ودينه مردود عليه وهو في الآخرة من الخاسرين؛ قال تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل  منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وجاء النص القاطع بأن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أو أشركوا مع الله غيره، أو جحدوا نبوة نبي من الأنبياء أنهم كفرة، ولا يدفع عنهم الكفرَ إيمانُهم أو التزامهم بكتبهم، فلو آمنوا حقاً بالنبي والكتاب لآمنوا بجميع الأنبياء والرسل. قال الله تعالى {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا $ أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا} وقال تعالى {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون} وقال {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون} وقد كان ذلك خطاباً لأهل الكتاب المعاصرين  للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يؤمنون بعيسى  والإنجيل، وبموسى والتوراة. وقال تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} وقال تعالى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقال تعالى {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} فكونهم أهل كتاب لا يمنع من كونهم كفاراً، كما نطق بذلك كتاب الله.

وأما إباحة طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم فإنه لا ينافي الحكم بكفرهم، فإن الذي أباح طعامهم ونكاح نسائهم، هو الذي حكم بكفرهم، ولا رادَّ لقضائه ولا معقِّب لحكمه جل وعلا.

ولو قال قائل: فما وجه وعد الله إياهم بالجنة في قوله سبحانه {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} نقول: إن هذا الوعد إنما هو للموحِّدين منهم الذين آمنوا بنبيهم ولم يشركوا بالله أحداً ولم يدركوا بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ما اتفق عليه أهل التفسير والعلم بكتاب الله عز وجل، ويؤيده أن  من اعتقد ألوهية عيسى أو بنوته لله أو أعتقد أن الله فقير أو يمسه اللغوب والتعب فليس مؤمناً بالله حقيقة وكذلك من اعتقد أن عيسى عليه السلام هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة ويجعل النار لمن لم يؤمن بألوهيته أو بنوته، من اعتقد ذلك لم يكن مؤمناً باليوم الآخر حقيقة، ولهذا وصف القرآن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فقال تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}

نقول: إن كفر اليهود والنصارى يُعدُّ من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر. قال القاضي عياض في كتابه الشفا، في سياق ذكره ما هو كفر بالإجماع: (ولهذا نكفِّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو توقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك)

ولا يتنافى اعتقادنا بكفرهم مع برنا إياهم وعدلنا معهم وقيامنا بما أوجب الله علينا نحوهم في قوله سبحانه {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى