إمام يلبس برمودا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فإن الله تعالى قد خاطبنا جميعاً بقوله سبحانه {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} قال المفسرون: أي: يا بني آدَمَ خُذوا زينَتَكم مِنَ اللِّباسِ الحَسَن، واستُروا عَوْراتِكم به عند جميعِ المساجِدِ، في الصَّلواتِ كُلِّها؛ فَرضِها ونَفْلِها، وفي الطَّوافِ والاعتكافِ، وغيرِ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/149)، ((فتح الباري)) لابن رجب (2/335)، ((تفسير السعدي)) (ص: 287)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-ب/94). قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أمَرَ اللهُ بقَدرٍ زائدٍ على سَترِ العَورةِ في الصَّلاةِ، وهو أخذُ الزِّينةِ؛ فقال تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فعَلَّقَ الأمرَ بأخذِ الزِّينةِ، لا بِسَترِ العَورةِ؛ إيذانًا بأنَّ العَبدَ ينبغي له أن يلبَسَ أزيَنَ ثيابِه، وأجمَلَها في الصَّلاةِ، وكان لبَعضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بمبلغٍ عظيمٍ مِنَ المالِ، وكان يلبَسُها وقتَ الصَّلاةِ، ويقولُ: (ربِّي أحَقُّ مَن تجمَّلْتُ له في صلاتِي). ومعلومٌ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يُحِبُّ أن يرى أثَرَ نِعمَتِه على عَبدِه، لا سيَّما إذا وقَفَ بين يَدَيه، فأحسَنُ ما وَقَف بين يديه بملابِسِه ونِعمَتِه التي ألبَسَه إيَّاها ظاهرًا وباطنًا.ا.هـــ قال القرطبي رحمه الله تعالى: لهذه الآيةِ وما ورَدَ في معناها مِنَ السُّنَّة، يُستحَبُّ التجمُّلُ عند الصَّلاةِ- ولا سيَّما يومُ الجُمُعة، ويومُ العِيدِ- والطِّيْبُ؛ لأنَّه مِنَ الزِّينةِ، والسِّواكُ؛ لأنَّه مِن تمامِ ذلك.ا.هـــ
وإذا كان هذا مطلوباً في حق كل مصل فهو في حق الإمام آكد؛ لأنه في موضع القدوة والأسوة للناس، ومن أجل أن تطيب نفوس الناس بالصلاة خلفه؛ إذا رأوه على حال حسنة وهيئة جميلة؛ بخلاف ما لو صلى في لباس لم يعهده الناس من حال الأئمة فإنه يفتح باب فتنة، من حيث كراهة الناس لإمامته.
هذا وقد جرت عادة الناس في هذه البلاد بأن يلبس الإمام جلباباً وعمامة وشالا؛ أو يكتفي بجلباب وعمامة، أو في أدنى الأحوال أن يكون لابساً جلباباً وقلنسوة (طاقية) ولم يعهد الناس أن يكون الإمام لابساً بنطالاً أو (برمودا) وما أشبه ذلك؛ بل إنهم يستنكرون ذلك ويستبشعونه ولا تطيب نفوسهم بالصلاة خلف من يكون على تلك الهيئة؛ ومعلوم أن العرف معتبر فيما يتعلق باللباس والهيئة.
وإذا كانت السنة قد حددت أو الأولى بالإمامة من كان أقرأ لكتاب الله وأعلم بالسنة؛ فإن أهل العلم قد ذكروا أن الأولى بالإمامة إذا تلبس بما يمنع الاقتداء به أو يصيره مكروهاً سقط حقه في التقدم على غيره، ولذلك قال خليل في مختصره بعد أن عدّد الصفات التي يقدَّم في الإمامة من توفرت فيه على من لم تتوفر فيه: ..إن عدم نقصاً بمنع أو كره.ا.هـــ
ومعلوم أن البنطال ومثله البرمودا فيهما من تحديد العورة وتجسيمها ما لا يخفى، ولذلك قال الإمام الدسوقي المالكي في حاشيته: ومحل كراهة لبس المحدد للعورة ما لم يلبس فوق ذلك المحدد شيئاً كقباء وإلا فلا كراهة. ا.هـ وعليه، فلبس البنطال أو السروال الضيق الذي لا يشفُّ مكروه ما لم يكن فوقه شيء.
هذا وعلى الإمام أن يحذر من أن يكون مكروهاً لدى المصلين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون.. الحديث) قال العراقي: إسناده حسن. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون) رواه الترمذي من حديث أبى أمامة وحسنه الألباني. قال الشوكاني: وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماماً لقوم يكرهونه، ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك. وقد ذهب إلى التحريم قوم وإلى الكراهة آخرون.ا.هـــــــ