العقيدة

العين والسحر ورضاع الكبير

فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف

السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته؛ أما بعد

نرجو من فضيلتكم التكرم بالرد على هذه الأسئلة نسبة لأهمية الموضوع، لدي أحد الأصدقاء من المعجبين بشخصية الدكتور الترابي ويدافع عن آرائه بشدة وبعد المناقشة معه ذكر لي هذه الأسئلة:

(1) حديث الرضاعة، حدثنا ‏ ‏عمرو الناقد ‏ ‏وابن أبي عمر ‏ ‏قالا حدثنا ‏ ‏سفيان بن عيينة ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الرحمن بن القاسم ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت:‏ “جاءت ‏ ‏سهلة بنت سهيل ‏ ‏إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقالت يا رسول الله إني أرى في وجه ‏ ‏أبي حذيفة ‏ ‏من دخول ‏ ‏سالم ‏ ‏وهو حليفه فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ «أرضعيه» قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وقال «قد علمت أنه رجل كبير ‏» ‏زاد ‏ ‏عمرو ‏ ‏في حديثه «وكان قد شهد بدراً» ‏ ‏وفي رواية ‏ ‏ابن أبي عمر ‏ «‏فضحك رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم»

السؤال : نرجو من فضيلتكم شرح تفصيلي لهذا الحديث ؟ مع العلم بأن صديقي يقوم بذكر هذا الحديث كدليل على عدم صحة الكتب الستة الصحاح ويقول أن هذا تعارض مع العقل وأيضا يعارض نصوص الأحاديث الأخرى في الرضاعة.

(2) هل صحيح أن العين غير موجودة؟ ويريد دليل مادي علي صحة وجود العين؟

(3) هل صحيح أن السحر غير موجود؟ وما مدى صحة القول بأن الإنسان إذا سكب ماء ساخن في الحمام أو في الأماكن القذرة يصاب بالجن ؟ وقال أنه علي استعداد بالقيام بالتجربة أمامنا ومتأكد من عدم إصابته بالجن؟

ملحوظة: نرجو من فضيلتكم الرد وذلك لأني وعدته بالرد على هذه الأسئلة ووعدته بإلقاء الأسئلة على فضيلتكم والرد عليه بحضور عدد من الأصدقاء. وفي الختام: نسأل الله التوفيق وأن يرينا الحق حقا ويلزمنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويجنبنا اتباعه. وبحمد الله وتوفيقه تخرجت من كلية الهندسة قسم الهندسة الطبية الحيوية وسوف نلتحق بالدروس والمحاضرات عقب الوصول إلى السودان إن شاء الله.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد.

فالذي عليه جماهير العلماء – ومنهم الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى  -أن الرضاعة المعتبرة شرعاً والتي تترتب عليها أحكامها هي التي تكون في الحولين؛ لقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما الرضاعة من المجاعة» والكبير لا تسد الرضاعة جوعته، وقوله «إنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» ورضاع الكبير لا ينبت لحماً ولا ينشز عظماً؛ وعليه فلا تثبت به محرمية، أما حديث عائشة رضي الله عنها في شأن سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما فهو صحيح، وقد قال أكثر أهل العلم بأنها خصوصية لسالم، أي رخصة خاصة لمعالجة نازلة عين لا عموم لها، فليست تشريعاً عاماً، وذلك بالنظر إلى كونه متبنى من قبل أبي حذيفة رضي الله عنه وذلك قبل تحريم التبني، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة حين استأذنه في أن يضحي بجذعة من المعز «تجزئك ولا تجزئ أحداً غيرك» فهو حكم خاص لا يتعداه إلى غيره، وبذلك تأتلف النصوص كلها وينفك التعارض بينها. وهذا صنيع أهل العلم الراسخين، أما من في قلوبهم زيغ فإنهم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ومن أجل أن يتخذوا ذلك سلماً للطعن في السنة كلها، بل في الدين كله.

وأما تأثير العين فهو ثابت بالقرآن والسنة والواقع يصدقه؛ ففي القرآن قول ربنا جل جلاله {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون} وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «العين حق» وفي السنن «لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» وتأثير العين محسوس في واقع الناس لا ينكره إلا مكابر، ومن طلب دليلاً مادياً على ذلك فهو مطالب بالدليل المادي على وجود عقله أو روحه، فإن عجز عن ذلك كان للمكابر أن ينكرهما!! وهو دليل على كثافة الطبع وخفة العقل مع الغرور القاتل نعوذ بالله من الهوى، وقد قال سبحانه {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}

وتأثير السحر كذلك ثابت بالقرآن والواقع؛ أما من القرآن فقول ربنا سبحانه {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه} وأما من الواقع فما هو مشاهد من فعل السحرة وحيلهم، وقد اختلف أهل العلم في الحد الذي يمكن أن يبلغه تأثير السحر، وقد لخص ذلك الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى فقال: اعلم أن لهذه المسألة واسطة وطرفين: طرف لا خلاف في أن تأثير السحر يبلغه، كالتفريق بين الرجل وامرأته، وكالمرض الذي يصيب المسحور، ونحو ذلك، ودليل ذلك القرآن، والسنة الصحيحة. وطرف لا خلاف في أن تأثير السحر لا يمكن أن يبلغه كإحياء الموتى، وفلق البحر، ونحو ذلك.. وأما الواسطة فهي محل خلاف بين العلماء، وهي هل يجوز أن ينقلب بالسحر الإنسان حماراً مثلاً، والحمار إنساناً؟ وهل يصح أن يطير الساحر في الهواء، وأن يستدق جسمه حتى يدخل من كوة ضيقة، وينتصب على رأس قصبة، ويجري على خيط مستدق، ويمشي على الماء، ويركب الكلب، ونحو ذلك. فبعض الناس يجيز هذا. إلى أن قال رحمه الله: قال مقيده  ـ عفا الله عنه وغفر له ـ : أما بالنسبة إلى أن الله قادر على أن يفعل جميع ذلك، وأنه يسبِّب ما شاء من المسبَّبات على ما شاء من الأسباب، وإن لم تكن هناك مناسبة عقلية بين السبب والمسبَّب _ فلا مانع من ذلك، والله عز وجل يقول {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} وأما بالنسبة إلى ثبوت وقوع مثل ذلك بالفعل فلم يقم عليه دليل مقنع؛ لأن غالب ما يستدل به قائله حكايات لم تثبت عن عدول، ويجوز أن يكون ما وقع منها من جنس الشعوذة، والأخذ بالعيون، لا قلب الحقيقة مثلاً إلى حقيقة أخرى، وهذا هو الأظهر عندي، والله تعالى أعلم.ا.هـــــ

ومن أنكر وجود السحر بزعم أنه غير مشاهد، أو أن العقل لا يستطيع تصور ذلك؛ فهو محجوج بكل موجود غير مشاهد كالروح والعقل والغيبيات عموماً كالجن والملائكة؛ ولا يستطيع عاقل أن ينكر الشيء الثابت لمجرد أنه لا يدركه ببصره.

وأما صب الماء الساخن في الحمام وارتباط ذلك بالإصابة بالمس فلا يقول بذلك عالم، لا يقول عالم: إنه يلزم من صب الماء الساخن في الحمام أن يصاب فاعل ذلك بالمس!! بل الذي يقوله أهل العلم أن هذه الحشوش والحمامات محتضرة – كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأنها مأوى الشياطين، وأن الإنسان قد يصاب بأذى من تلك الشياطين إما مكافأة أو عبثاً؛ ولذا علَّمنا عليه الصلاة والسلام إذا أردنا دخولها أن يقول أحدنا «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» والخبث كما قال أهل الحديث: ذكور الشياطين، والخبائث: إناثهم. أما كون الإنسان يدخلها مستعيذاً بالله منها، وقد التزم التحصينات الشرعية حين أصبح أو حين أمسى؛ فإن ذلك مانع من نزول الضرر وحصول الأذى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيانه لثواب التهليل مائة مرة «وكان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي» وكذلك حين علمنا أن نقول «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» علل ذلك بقوله «لم يضره في ذلك اليوم شيء» وجماع ذلك قول ربنا جل جلاله {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى