هل يقضي عنه أبناؤه؟
رجل عليه قضاء ومات وفي نيته القضاء هل يقضي عنه أبناؤه؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فمن مات وعليه صوم فاته بمرض أو سفر أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكن من قضائه حتى مات، لم يخلُ من حالين:
أولهما: أن يكون قد مات قبل أن يتمكن من القضاء؛ إما لضيق الوقت، أو لعذر من مرض أو سفر، أو عجز عن الصوم، فهذا ليس عليه شيء عند جمهور العلماء؛ استدلالاً بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم، ولأن الصوم حق لله تعالى وجب بالشرع، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله؛ فسقط إلى غير بدل كالحج.
ثانيهما: أن يكون قد مات بعد أن تمكن من القضاء؛ فهذا قد اختلف العلماء في حكمه وما تبرأ به ذمته، هل يجزئ الإطعام عنه؟ أم لا بد من الصيام؟ وهل لا بد أن يكون الصائم من أوليائه أم يجزئ لو صام عنه أجنبي؟ فذهب طاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور وداود والإمام أحمد والشافعي في أحد قوليه وأبو ثور وأصحاب الحديث إلى أنه يصام عنه؛ استدلالاً بما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فثبت بهذا الحديث أنه يصوم الولي عن الميت لو مات وعليه صيام أي صيام كان. وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في قوله الآخر إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقاً؛ استدلالاً بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (لا يصلِّ أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد) أخرجه النسائي، وبما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم) قال الحافظ رحمه الله في الفتح: إلا أن الآثار عن عائشة وابن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع من الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جداً.أ.هـ، وقد اعتذروا بأن المراد بقوله (صام عنه وليه) أي فعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام، وأن عمل أهل المدينة على خلاف ذلك، وأن الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة؛ فكذلك بعد الوفاة كالصلاة.
وفرَّق الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد بين صيام النذر وغيره فقالوا: إنه لا يصام عنه إلا النذر؛ تمسكاً بأن حديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) مطلق يقيده حديث ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها؟ فقال: (أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها؟) قالت: نعم. قال: (فصومي عن أمك) رواه الشيخان. قال الحافظ رحمه الله في الفتح: وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما؛ فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قال في آخره (فدين الله أحق أن يقضى)أ.هـ
والذي يقتضي الدليل رجحانه هو صحة الصوم عن الميت في النذر وغيره، لصحة الدليل وعمومه، ولأن الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم لو سلمنا بصحتها فلا تنهض لمعارضة ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن ذمة الميت تبرأ ـ إن شاء الله لو صام أبناؤه عنه، والعلم عند الله تعالى.