أخذ الأجرة على إمامة التهجد
السلام عليكم، مع اقتراب شهر رمضان فإن بعض لجان المساجد تهيئ لصلاة التهجد.. سؤالي أن بعض القراء صار يشترط أجراً معيناً ليصلي بالناس تهجد العشر الأواخر، وفيهم من يصلي بالناس ركعتين في مسجد وركعتين في آخر بنظام المقاولة (تصل لمليون جنيه للركعة الواحدة) فما حكم هذا الأمر الذي يشترطونه؟ وهل يدخل ضمن: “إن أحق ما اتخذتم عليه أجرًا كتاب الله”؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالذي عليه جمهور العلماء هو جواز أخذ الأجرة على القرب ـ كالأذان والإمامة وتعليم العلم وإقراء القرآن ـ لقوله صلى الله عليه وسـلم “إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله” رواه البخاري، ولحديث سهل بن سعد رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسـلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك؛ فقامت قياماً طويلاً؛ فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ فقال صلى الله عليه وسـلم “هل عندك من شيء تصدقها إياه؟” فقال: ما عندي إلا إزاري هذا!! فقال النبي صلى الله عليه وسـلم “إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا” فقال: ما أجد شيئا. فقال “التمس ولو خاتماً من حديد” فالتمس فلم يجد شيئاً؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسـلم “هل معك من القرآن شيء؟” فقال: نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها. فقال النبي صلى الله عليه وسـلم “قد زوجتكها بما معك من القرآن” وفي رواية “قد ملكتكها بما معك من القرآن” ولمسلم وفي رواية لأبي داود “علِّمها عشرين آية وهي امرأتك” ولأحمد “قد أنكحتكها على ما معك من القرآن” ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسـلم جعل تعليم القرآن مهراً للمرأة.
ثم إن المعلم والإمام ونحوهما إنما يأخذون الأجرة على كونهم قد حبسوا أنفسهم على تعليم العلم وإقراء القرآن، وقد منعهم ذلك من السعي على قوتهم وقوت أهلهم وعيالهم، ولو مُنعوا من أخذ الأجرة لتعين عليهم الضرب في الأرض سعياً على الرزق مما يفوت تفرغهم للإمامة والتعليم؛ فيحصل بذلك ذهاب العلم واندراس معالمه.
هذا وما يحصل من بعضهم من اشتراط المبالغ الباهظة وفرض الشروط القاسية للإمامة أو الرقية أو التعليم، وكذلك ما يحصل من بعضهم من الانتقال في المساجد وتتبع الموائد إنما يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الرغبة فيما عند الله والزهد فيما في أيدي الناس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسـلم من مثل هذا المسلك بقوله “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَسَلُوا اللهَ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ” رواه أحمد، والله تعالى أعلم.