حكم تصوير الحفلات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
أولاً: الشريعة الإسلامية تأمرنا بغض البصر؛ قال الله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} وعملكم هذا يتنافى مع هذا الأمر القرآني لما فيه من اطلاع الرجل الأجنبي على عورات لا يحل له الاطلاع عليها، والظاهر من سؤالك أن هذا يكون بتعمد لنظر والتصوير لمواطن الفتنة من المرأة
ثانياً: في عملكم هذا ـ من تصوير النساء حال رقصهن وتمايلهن وهن في حال من التكشف والعري ـ إشاعة للفاحشة بين المؤمنين؛ وقد قال الله تعالى {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}
ثالثاً: المطلوب من المسلم أن يكون غيوراً على حرماته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أتعجبون من غيرة سعد؟ فأنا أغير منه) والغيرة تقتضي أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته، ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم، والشخص الذي يسمح بحصول مثل هذه الأمور في بيته ـ من التكشف واطلاع الرجال الأجانب على عورات أهل بيته ـ ديوث؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى) رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والديوث ـ بوزن فرُّوج ـ وقع تفسيره في نفس الخبر أنه الذي يقر الخبث في أهله.ا.هـ وفي رواية الإمام أحمد (ثلاثة قد حرَّم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخَبَث)
رابعاً: لا يخفى أن عملكم ـ بالصورة الواردة في سؤالك ـ قد ارتكبتم فيه جملة من المحظورات الشرعية: من الدخول على النساء الأجنبيات، وتعمد النظر إليهن، والاختلاط بهن في غيرة ضرورة ولا حاجة، ثم ما يترتب على التقاط تلك الصور من شيوع الفاحشة بين المؤمنين والمؤمنات، وإغراء غيرهن بسلوك سبيلهن؛ مع ترك النهي عن المنكر حال وقوعه، بل الرضا به وتشجيعه وقد قال سبحانه {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون $ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}
خامساً: المال الذي يتقاضى من جراء ممارسة هذا العمل مال محرم؛ لأنه إجارة على محرم، ومعلوم أن الله تعالى إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه، فلا يجوز لكم أخذ هذا المال ولا الانتفاع به، بل الواجب التخلص منه مع التوبة إلى الله تعالى مما فرط منكم
سادساً: عليكم أن تعلموا أن أكل الحرام باب للشر عظيم؛ فهو يمنع من إجابة الدعاء حيث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام فأنى يستجاب له؟ وهو سبب لمحق البركة ورد العمل؛ قال عليه الصلاة والسلام (ولا يكسب عبد مالاً حراماً فينفق منه؛ فيبارك له فيه، ولا يتصدق منه فيقبل منه؛ ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار؛ إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن) رواه البيهقي، وهو كذلك باب من أبواب جهنم؛ قال عليه الصلاة والسلام (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) رواه أحمد والترمذي. قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: قال العلماء رحمهم الله: ويدخل في هذا الباب: المكاس، والخائن، والسارق، والبطال، وآكل الربا، وموكله، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، ومن استعار شيئاً فجحده، وآكل الرشوة، ومنقص الكيل والوزن، ومن باع شيئاً فيه عيب فغطاه، والمقامر، والساحر، والمنجم، والمصور، والزانية، والنائحة، والعشرية، والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع، ومخبر المشتري بالزائد، ومن باع حراً فأكل ثمنه.ا.هـ
سابعاً: اعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، وامشوا في مناكب الأرض وكلوا من رزق الله، واعلموا أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وقد جعل الله لكم غنية في تصوير المواد النافعة التي لا محظور فيها.
هذا والواجب أن يتعاون أهل الغيرة من رجال الشرطة والحسبة وأمن المجتمع والقضاة وغيرهم لمنع هذا الفساد والأخذ على يد فاعليه، والله الموفق والمستعان.