عمرة وختمة للميت
السلام عليكم ورحمة الله توفي لنا أخ في السعودية وحبينا أن نعمل له عمرة نحن مجموعة كل واحد يعمل العمرة ويهبها له، وفي يوم الجمعة عملنا ختمة للقرآن ووهبنا أجرها له فما الحكم في ذلك؟؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالميت ينتفع بثواب الصدقة، سواء في ذلك ما عمله في حياته أو ما عمل له بعد مماته، وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال له «إن أمي افتلتت نفسها وإني أظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم» رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها. وقد ذكر مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك أنه قال: «ليس في الصدقة خلاف» قال النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها.ا.هـ وروى أحمد والنسائي عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أن أمه ماتت فقال: «يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم. قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء» قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة. وكذلك العمرة يصل ثوابها إلى الميت سواء كان المعتمر عنه أحد أوليائه أو كان أجنبياً عنه.
وأما تلاوة القرآن فمن المسائل التي اختلف فيها أهل العلم؛ فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن، وذهب أحمد ابن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، كذا ذكره النووي رحمه الله تعالى في الأذكار، قال بعض أهل العلم: وينبغي الجزم به ـ أي وصول الثواب ـ إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته؛ لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي فلأن يجوز بما هو له أولى، ويبقى الأمر موقوفاً على استجابة الدعاء. قال الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام: وهذا هو القول الأرجح دليلاً.ا.هــــ وقال ابن قدامة في المغني: وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله، أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة، وقد قال الله تعالى {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} وقال الله تعالى {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات، وللميت الذي صلى عليه في حديث عوف بن مالك، ولكل ميت صلى عليه، ولذي النجادين حين دفنه، وشرع الله ذلك لكل من صلى على ميت، وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن أمي ماتت؛ فينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم» رواه أبو داود. وروي ذلك عن سعد بن عبادة. وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى» وقال للذي سأله: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر, أفأصوم عنها؟ قال: «نعم» وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها، مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ يس، وتخفيف الله عن أهل المقابر بقراءته. إلى أن قال رحمه الله: ولنا ما ذكرناه، وأنه إجماع المسلمين، فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن، ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير. ولأن الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه، ويحجب عنه المثوبة، ولأن الموصل لثواب ما سلموه، قادر على إيصال ثواب ما منعوه، والآية {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} مخصوصة بما سلموه، وما اختلفنا فيه في معناه، فنقيسه عليه.أ.هـ
وليس هذا خاصاً بالولد، بل كل من عمل عملاً مما تدخله النيابة ونوى إيصال ثوابه إلى الميت وصل بإذن الله ولداً كان أو غيره؛ لإجماع العلماء على وصول ثواب الدعاء والصدقة للميت وإن كان من غير الولد؛ لحديث المُحْرِم عن أخيه شبرمة، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل أوصى شبرمة أم لا؟ ولحديث عائشة رضي الله عنها «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه وكذلك قراءة يس من الولد وغيره لحديث «اقرءوا على موتاكم يس» وبالدعاء لحديث «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» ولقوله تعالى {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} ولما ثبت من الدعاء للميت عند الزيارة كحديث بريدة رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية» رواه مسلم
وأما استدلال بعض العلماء بقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فقد أجيب عنه بأن ذلك من طريق العدل؛ وأما من طريق الفضل فله ما سعى وما سُعِي له، أو أن اللام في قوله {للإنسان} بمعنى على؛ أي ليس على الإنسان إلا ما سعى، وأيضاً فإنه مخصوص بأن الميت ينتفع بثواب ما أهدي إليه من الصدقات والحج والعمرة والدعاء، فكذلك ينتفع بالقراءة. قال الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع، وذلك باطل من وجوه كثيرة:
أحدها: أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير. ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب؛ ثم لأهل الجنة في دخولها. ثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر في الخروج من النار، وهذا انتفاع بسعي الغير. رابعها: أن الملائكة يستغفرون ويدعون لمن في الأرض، وذلك منفعة بعمل الغير. خامسها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط – أي من المؤمنين – بمحض رحمته، وهذا انتفاع بغير عملهم. سادسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم، وذلك انتفاع بمحض عمل الغير. سابعها: قال الله تعالى في قصة الغلامين اليتيمين {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} فانتفعا بصلاح أبيهما، وليس من سعيهما. ثامنها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه، وبالعتق، بنص السنة والإجماع، وهو من عمل الغير. تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت، بحج وليه بنص السنة، وهو انتفاع بعمل الغير. حادي عشر: المدين قد امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة، وقضى دين الآخر على بن أبى طالب، وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير. ثاني عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه» فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير. ثالث عشر: أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الغير، إذا قضاها عنه قاض، وذلك انتفاع بعمل الغير. رابع عشر: أن من عليه تبعات ومظالم، إذا حلل منها سقطت عنه، وهذا انتفاع بعمل الغير. خامس عشر: أن الجار الصالح ينفع في المحيا وفى الممات – كما جاء في الأثر – وهذا انتفاع بعمل الغير. سادس عشر: أن جليس أهل الذكر يُرحم بهم، وهو لم يكن معهم، ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له، والأعمال بالنيات، فقد انتفع بعمل غيره. سابع عشر: الصلاة على الميت، والدعاء له في الصلاة، انتفاع للميت بصلاة الحي عليه وهو عمل غيره. ثامن عشر: أن الجمعة تحصل باجتماع العدد، وكذا الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض. تاسع عشر: أن الله تعالى قال لنبيه {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} وقال تعالى {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ..} فقد رفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض، وذلك انتفاع بعمل الغير. تمام العشرين: أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل، فإنه ينتفع بذلك من يُخرِج عنه، ولا سعى له فيها.
ثم قال رحمه الله: ومن تأمل العلم وجد انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فكيف يجوز أن تتأول الآية الكريمة، على خلاف صريح الكتاب والسنة، وإجماع الأمة.ا.هـ