فعل الذنوب والإعتماد على مغفرة الله
بعض الناس يرتكب بعض المعاصي الشائعة في حياتنا اليومية على علم منهم ويقول: إن الله غفور رحيم، أو الدين يسر … فما حكم ذلك؟ وهل الآية (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) حجة لهم أم عليهم؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا شك أن الله تعالى غفور رحيم، وأنه رحيم ودود، وأنه غزيز غفار، ولا شك كذلك أنه سبحانه شديد العقاب، وأنه عزيز ذو انتقام، وأنه ذو عذاب أليم؛ فالعاقل المؤمن الموفَّق هو من جمع بين الخوف والرجاء؛ فكان على خوف من ربه وخشيه لمولاه، وفي الوقت نفسه يطمع في جزيل عطائه وعظيم عفوه وثوابه، وهكذا كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ كما قال ربنا جل جلاله في وصفهم {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}
وقد هلك من الناس فريقان: فريق أمنوا مكر الله فانبعثوا في الذنوب والمعاصي اتكالاً منهم على نصوص ما أحسنوا فهمها، وفريق قنطوا من رحمة الله وأيسوا من روح الله فظنوا أن ذنوبهم لا تشملها مغفرة الله ولا تسعها رحمته، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ اللّه خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند اللّه من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند اللّه من العذاب لم يأمن من النّار» وقال ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: أكبر الكبائر الإشراك باللّه، والأمن من مكر اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، واليأس من روح اللّه»
وأما قول ربنا جل جلاله {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فحجة على هؤلاء لا حجة لهم؛ لأن الآية تتناول شأن ناس تحصل منهم الآثام لكنهم لا يصرون عليها ولا يستخفون بأمرها بل يسارعون إلى الله بتوبة نصوح ويطلبون من الله مغفرة الذنوب وحط الخطيئات؛ فشتان شتان بين من يعصي ويتوب، وبين من يدمن الخطايا ويصر على الذنوب، وقد قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، وعلى كل مسلم أن يتذكر أن الله تعالى يغار لحرماته أن تنتهك، وقد أخرج آدم من الجنة بأكلة، وطرد إبليس من رحمته بسبب سجدة؛ فالحذر الحذر من التهاون بأمر الله وارتكاب ما نهى عنه جل في علاه، والله ولي التوفيق.