ماذا أصنع مع أبي؟
السلام عليكم ورحمة الله، أنا شخص موظف ومتزوج ولي ابن، وأعيش مع أهلي في منزل منفصل، ولكن ما أعاني منه هو أن والدي دائماً ما يرهقني بطلباته المالية، وذلك إما لصيانة عربته أو لدفع رسوم إخوتي التلاميذ في الجامعات والمدارس، ولا يقبل مني أي عذر، والله يعلم أني في بعض الأحيان أستدين لكي أنفق علي زوجتي، وعندما أعتذر له يثور ويتهمني بعدم البر والإنفاق عليه، مع العلم أنه تغيب عنا لمدة 10 سنوات متواصلة بحجة تأمين مستقبلنا، وعندما عاد قام ببيع قطعتي أرض لي ولأخي، وهو لا يهتم بحال أمي وإخوتي، ومع ذلك دائما يشكوني ويتهمني بالتقصير، فهل أنا مقصر؟ وما هي حدود الإنفاق على الوالدين؟ وهل إذا امتنعت عن دفع المال له لينفقه على شراء أو بيع أو صيانة عربته أكون عاقا؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل والإحسان إلى والدك وإخوانك ما استطعت إلى ذلك سبيلا، لقوله تعالى ((واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى)) ومن الإحسان الإنفاق عليهم عند حاجتهم، وقوله تعالى ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)) مع قوله سبحانه ((وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل)) وحكى ابن المنذر رحمه الله تعالى الإجماع على وجوب نفقة الولد على الوالدين إن احتاجا؛ فقال : أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبه في مال الولد، سواء أكان الوالدان مسلمين أو كافرين، وسواء كان الفرع ذكرا أو أنثى، لقوله تعالى ((وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)) ا.هـــــــ
والذي يظهر من سؤالك أن الوالد عنده ما ينفق به على نفسه ومن يعول، وأنه ليس فقيراً أو مسكيناً للدرجة التي تحمله على أن يرهقك بكثرة مطالبه؛ ولذا لا يلزمك شرعاً أن تستدين للإنفاق على الوالد ما دام قادراً على الإنفاق على نفسه، وقد قال سبحانه ((لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) لكنني أعود فأوصيك بالإحسان إليه ما استطعت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم، فكلوا هنيئاً} رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.ولقوله صلى الله عليه وسلم {رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما} رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
فإن استطعت – أحسن الله إليك – أن تنفق على والدك بما فضل عن قوتك وقوت عيالك فذاك بر وفضل وخير؛ وإن لم يكن يفضل شيء فعليك أن تقدم النفقة على الزوجة والعيال؛ فإن ذلك هو الترتيب الشرعي؛ قال علماؤنا: ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم بالإنفاق على نفسه، فإن فضل عنه نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته؛ لأنها واجبة على سبيل المعاوضة؛ فقدمت على المواساة. ا.هــــــ.
واستدلوا على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه وفيه {إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته} رواه مسلم وبحديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله} رواه مسلم