الإستهزاء بالمسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كنت في الجامعة وكنا على وشك دخول امتحان في مادة الجبر الخطي، والتي اخترعها العرب المسلمون؛ فسألت البنات اللاتي كن معي عن تناقض وجدته فيها؛ فقالوا لي: احفظي ولا تفهمي! التنظير ليس له داع، ودائماً ما كن يقلنها لي؛ فغضبت لذلك وقلت: كلها تناقضات ليس غريباً أن تكون من صنع المسلمين! فأخذن يضحكن من سخريتي بالمسلمين، وأنا – والله – لم أكن أقصد الاستهزاء إنما كان لغو حديث، وأردت أن أقول: العرب وليس المسلمين، وفي الحالتين سواء لكنها كانت ستكون أخف، وأخذت أصرخ عليهن ألا يضحكن لأني لم أقصد الاستهزاء وأحلف لهن، وحزنت لذلك وأنا نادمة أشد الندم على ذلك، وأيضاً أخبرت أن أجنبياً حدَّق في آخر عربي وليس من عادتهم التحديق في الناس فقلت “تعلَّموها من المسلمين”؛ لأنه يقطن في مكان معظم من فيه من المسلمين ولم أقصد ذلك أيضاً ولم أقصد أن الإسلام به هذه الأخطاء إنما مسلمو زماننا هذا، فهل كفرت وخرجت من الملة بكلامي هذا؟ أنا أحاول الاستقامة وأحب الله ورسوله ولكن لساني دائماً ما يوقعني بقول ما لا أحب وأرضى وفي كل محاولة لي لمسكه تبوء محاولتي بالفشل، أعتقد أنني سأكف عن الكلام إلا لسلام ورده وأتمنى أحياناً لو كنت بكماء، أستحضر مراقبة الله لكلامي دائماً ولكنني لحظة سهوي أقع في زلة لسان وأخاف أن أكون ممن قيل فيهم (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فلا شك أن المسلم مأمور بحفظ لسانه والتحفظ في كلامه؛ لأن كل كلمة تخرج من فيه إما له وإما عليه؛ كما قال سبحانه {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “رحم الله امرأ قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم” وقال عليه الصلاة والسلام “إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب” وحسب الإنسان أن يتكلم فيما يعنيه وأن يمسك عما سوى ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه بعد أن بين له ما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار “هل أدلك على ملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا – وأشار إلى لسانه – عليه الصلاة والسلام” فقال له معاذ: وهل نحن مؤاخذون بما نقول؟ فقال “ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟”
ومهما يكن من أمر فإني لا أظن أن المقصود من الكلام السخرية من المسلمين من حيث كونهم مسلمين، وإنما المراد التنبيه على واقع حالهم من عدم إتقان العمل أو استقصاء البحث أو الاشتغال بما يعني من تتبع أحوال الناس دون فائدة ونحو ذلك، ولم يقع القائل في الكفر بمثل هذا بل الواقع في الكفر من استهزأ بالمسلم لاستمساكه بشعائر دينه وشرائعه؛ كما قال سبحانه {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم} إلى قوله {والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} وقال {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} وهؤلاء سخروا من بعض المؤمنين المتصدقين لتجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك.
ومهما يكن من أمر فالمطلوب حفظ اللسان ومراقبة اللفظ حتى يسلم الإنسان من المؤاخذة الشرعية، والله الموفق والمستعان.