سخرية من الدين وأهله
درج بعض دعاة العلمانية واليسار على التشنيع على أهل العلم، والسخرية من مظاهر الالتزام، فتجدهم يسخرون من مظهر المسلم الملتحي، فيقول بعضهم نصا: (إن اللحى ظاهرة سيئة)، ويسخرون كذلك من تقصير الثوب؛ ويشنِّعون على أهل العلم بقولهم إنهم علماء كذا وكذا، يعني مما يعرض للنساء من أحكام خاصة في الفقه. السؤال هو: ما حكم هؤلاء؟ هل هم فساق؟ أم أنه يخشى أن يخرجهم ذلك من الملة والعياذ بالله؟ وماذا ينبغي على المسلم القيام به إزاءهم؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالذي يقع في السخرية من الدين وأهله على خطر عظيم، تؤهله لأن يوصم بالنفاق الاعتقادي المخرج من الملة؛ لأن هذه الخصلة ذكرها ربنا في القرآن صفة لأهل النفاق؛ فقال سبحانه {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال سبحانه {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} وهي كذلك من صفات المشركين الأولين؛ كما قال عنهم جل جلاله {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ. وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ. وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ. وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} وقال سبحانه حاكياً عن الكفار مقولتهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقال عز وجل حاكياً سخريتهم من النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} وقال حكاية عنهم {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وتوعد الجميع بقوله {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} ومجموع هذه النصوص دال على أن المستهزئ بالدين وحملته على شفا هلكة إن لم يتدارك نفسه بتوبة نصوح.
وأما قولهم عن أهل العلم بأنهم فقهاء حيض ونفاس؛ فهذا زعم يدل على جهل بالدين أولاً، ويكذبه الواقع ثانيا، فأما الجهل بالدين فيتمثل في أنهم قالوا ذلك على سبيل التنقص والاستهزاء بأولئك، وقد علم المسلمون طراً أن الحيض والنفاس باب مهم من أبواب الطهارة، والكل محتاج للإحاطة بأحكامه؛ لأنه لولا الحيض والنفاس لما كان الناس. وأما تكذيب الواقع فإن هؤلاء الفقهاء يلجأ إليهم الناس في النوازل والملمات فيسألونهم عن أحوالهم الشخصية – في الزواج والطلاق والرجعة والرضاعة وغيرها – ومعاملاتهم المالية – في البيوع والإجارة والربا والصرف وغيرها – بل في أحوالهم السياسية؛ حيث دلت الأحداث الأخيرة التي يموج بها العالم من حولنا أن الناس يصدرون عن فتاوى أهل العلم في الخروج على الحكام الظلمة أو القعود عن ذلك. وما خرج كثيرون في تلك الثورات التي أذهلت العالم إلا بعد أن استفتوا أهل العلم وسمعوا منهم ونزلوا على رأيهم، وما كان وقود تلك الثورات إلا من المساجد وأئمتها؛ لكن كما قال الأول: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل. هذا وإن الواجب على المسلم إزاء أولئك يتمثل في:
أولاً: أن يعلم أن هذه هي شنشنة مرضى القلوب من قديم، وقد سخروا ممن هم خير منا وأهدى سبيلا وأقوم قيلا؛ {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} وقد قالوا لنوح {ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} وقالوا عن إبراهيم {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} وقالوا لشعيب {أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} وقالوا لهود {وإنا لنظنك من الكاذبين} وهكذا سبيل الضالين مع المصلحين
ثانياً: ألا يفت ذلك في عضده ولا يؤثر على التزامه بدينه ودعوته إليه؛ فإن الله تعالى قال {لن يضروكم إلا أذى} وسيزيده الله بذلك رفعة في الدنيا وأجراً في الآخرة.
ثالثاً: ألا يشغل نفسه بتتبع أقوالهم والرد عليها؛ ولا بالدعاء عليهم ولعنهم؛ بل عليه أن يشتغل بالنافع المفيد؛ ملتزماً هدي القرآن {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} والله المستعان.