سينتحر لو طلقني
أنا متزوجة ولدي بنات، زوجي يصرف علينا بسخاء ولا يجعلنا نحتاج لشيء، لكنه يمن عليَّ بذلك، ويكذب لدرجة أني بت لا أثق بكل كلامه، لأنه تعود أن يكذب بسبب وبدون سبب، حتى أنه يوقعني في الحرج كثيرا، وكل من حولنا يعرف بكذبه، ونحن على النقيض في كثير من الأشياء، أهله يسيئون إلي بكلامهم، ويتعاملون بالسحر، ووجدت الكثير من الأوراق والحجابات وما إلى ذلك، وأنا أتغاضى عن إساءاتهم، وعند زياراتهم لنا يسببون لي المشاكل، ويتعمدون مضايقتي، وإحدى أخواته تنقل كلاما خاطئا عني إلى جاراتي، وأنا إنسانة في حالي وأتغاضى عن تصرفاتهم، ولكني طلبت من زوجي أن يجنبني تلك المواقف، ويمنع زيارتهم لنا حيث أنّا نقيم في مدينة أخرى، أنا أعرف صعوبة ذلك عليه ولكني لم ألجأ إليه إلا بعد أن نفذ صبري، وأنا لا أمنعه عن برهم بل هو يكرههم لسوء تصرفاتهم معه، وأنا أطلب إليه أن يحسن إليهم ويساعدهم ماديا وألح عليه في ذلك، وهو ينقل كلامهم إلي ويخبرني بأنهم يسيئون القول عني في غيابي حتى بت أكرههم وأكره زوجي لنقله الكلام، وأخبرته مرارا ألا يفعل ذلك لكنه لا يهتم، وعندما نتشاجر لأي سبب يتعمد أن يغيظني ويطلب إلى أهله أن يأتوا لزيارتنا، كرهت زوجي وطلبت إليه الزواج بأخرى لأتفرغ أنا لتربية بناتنا لكنه رفض، طلبت الطلاق ورفض أيضاً، يعدني مراراً وتكراراً بالتغير، ولا يفعل، إضافة للكثير من السلوكيات التي تصدر عنه ويطول شرحها، لكنها كلها جعلتني أنفر منه، في آخر مرة تشاجرنا وعدني بالتغيير؛ طلبت منه أن يحلف على طلاقي؛ لو أنه لم يلتزم بوعده أكون أنا طالقا منه، فهل أنا مخطئة في ذلك؟ وإن أصررت على طلاقي منه هل يشملني الوعيد الوارد في الحديث (أيما امرأة طلبت من زوجها الطلاق في غير ما بأس…الخ)؟ وهناك سؤال آخر: يهددني بأنه سينتحر لو تطلّقت منه، فهل أنا آثمة لو نفذ وعيده؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
ففي المسألة جملة من القضايا يحسن بك أن تفصلي بينها، ولا تسلكيها في منظومة واحدة؛ حيث أوردت مشكلات تتعلق بعلاقتك بزوجك، وأخرى تتعلق بعلاقتك مع أهله، والفصل بينهما مطلوب؛ لأن مشاكل الزوجة مع أهل زوجها لا يكاد يسلم منها بيت ولا تنجو منها امرأة؛ إذ العلاقة بين الزوجة وأحمائها غالباً ما يشوبها التوتر وتعتريها ندوب وعثرات؛ لكن إذا كانت علاقة المرأة بزوجها جيدة فإنها تستطيع التغلب على هذا كله؛ وإذا فسدت علاقتها بزوجها وزالت الثقة بينهما فلا يغني عنها حسن علاقتها بأحمائها؛ وأقول جواباً على هذا السؤال:
أولاً: ذكرت عن زوجك أنه يكذب وأنه يخضع لإملاءات أهله.. الخ وأقول: إن من المفيد في تلك الحال أن تتذكري محاسنه، وقد ألمحت إلى واحدة منها وهي كرمه الفياض وعطاؤه الممتد، لكن لو أنصفت لرأيت له محاسن سوى ذلك؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال {لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر} فكذلك الحال مع الزوج إن كرهت منه خلقاً فارضي منه آخر؛ ومن ذا الذي ما ساء قط، ومن له الحسنى فقط؟!!!
ثانياً: الكذب شين في الرجل عيب مؤثر في علاقته بزوجته، وقد ذكرت أن صاحبك مبتلى بهذه الخصلة الذميمة؛ فانظري هل من علاج لها؟ لأنها مفسدة وأي مفسدة!! لا بد من مصارحته بأن هذه الخصلة مدمرة للعلاقة الزوجية، موجبة لحصول الشك والريبة، وأنك لن تكوني معه على حال طيبة ما دام متصفاً بها، وساعديه – أحسن الله إليك – على التخلص منها. وكذلك أبلغيه أن نقل الكلام السيئ الذي يصدر من أهله ليس من شيم الرجال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال {لا يدخل الجنة نمام} وأن هذه الخصلة تتنافى مع العقل السليم والشرع القويم
ثالثاً: ما يصدر من أهله احتسبي الأجر فيه عند الله، وأكثري من ذكر الله والتحصينات الشرعية ليصرف الله عنك كيدهم ومكرهم، واحرصي – بارك الله فيك – على ألا توغري صدر زوجك وأولادك عليهم، والتمسي في ذلك الأجر من الله، وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم {ما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزا} وأعرضي عن إساءاتهم طلباً للأجر من الله الذي قال ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) وقال ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)).
رابعاً: ما ينبغي لك أن تستحلفيه بالطلاق؛ فهذا مخالف للشريعة التي قال صاحبها {من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} فلو اضطررت فاستحلفيه بالله الذي لا يحلف بأعظم منه جل جلاله، ثم إذا استبان لك استحالة العيش معه فلا حرج عليك في طلب الطلاق لأن البأس حاصل، ولا يضرك تهديده إياك بأنه سينتحر، بل المعول على قول ربنا سبحانه وتعالى ((وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما)) والله ولي التوفيق.