الإسبال والمسبحة
ما حكم التسبيح بالمسبحة؟
ما حكم من لم يقصر جلبابه؟
إذا تعارض العقل والنقل أيهما نقدم؟
هنالك أسئلة كثيرة تدور في رأسي عن الخالق عز وجل، ولا تقل لي يا شيخ إنها من الإيمان! أريد إجابة مقنعة تزيد إيماني، ولا تقل لي يجب أن لا نفكر في الذات الإلهية لأن هذا يعتبر نقص في دين الإسلام! إن أردت أن تعرف هذه الأسئلة أعطني إيميل خاص لا أحد يطلع عليه غيرك، أنا محتار أريد حلا؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد اتفق أهل العلم على أن التسبيح بالأصابع أفضل؛ لما رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده. ولقوله صلى الله عليه وسلم {يا معشر النساء اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات}، ولا يعني ذلك أن التسبيح بواسطة المسبحة ممنوع أو مكروه بدليل حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال صلى الله عليه وسلم أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك} رواه أبو داود والترمذي، وحديث صفية رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها. فقال: لقد سبحت بهذا، ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقالت: علمني. فقال: قولي: {سبحان الله عدد خلقه} رواه الترمذي. قال الشوكاني رحمه الله: هذان الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد على ما هو أفضل لا ينافي الجواز.أ.هـ
وقد أورد السيوطي رحمه الله في فتواه المطبوعة ضمن كتاب (الحاوي في الفتاوي) آثاراً تؤيد ذلك عن سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي صفية مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، إلى أن قال رحمه الله: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدِّ الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً.أ.هـ
وعليه نقول: إذا كان الذكر مما يسهل عدُّه بالأصابع كالباقيات الصالحات دبر الصلوات المكتوبات فلا شك أن إحصاءها بالسبحة يُعدُّ تفريطاً في السنة وإيثاراً للمفضول على الفاضل، وإن كان الذكر مما يعسر عدُّه بالأصابع لتنوع أفراده وصعوبة إحصائه فلا حرج في استعمال السبحة، ولك فيمن ذُكر من السلف أسوة.
وأما تقصير الجلباب؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الإسبال؛ كما في حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست تصنع ذلك خيلاء. رواه البخاري. قال الحافظ رحمه الله: وفي الحديث اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصل مطَّرد غالبا.أ.هـ وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وفي رواية (المنان الذي لا يعطي شيئاً إلا مَنَّه، والمسبل إزاره) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)
والنهي شامل للإزار والقميص والجلابية والبنطلون، قال الطبري رحمه الله: إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار والأردية، فلما لبس الناس القميص والدراريع كان حكمها حكم الإزار في النهي.
والمشروع للمسلم أن يكون ثوبه إلى كعبيه، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم وإلا فمنع تنزيه، وأما الأحاديث المطلقة بأن ما تحت الكعبين في النار فالمراد بها ما كان للخيلاء؛ لأنه مطلق فوجب حمله على المقيد. قاله النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم.
وقال الحافظ رحمه الله في الفتح: في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء فظاهر الأحاديث تحريمه أيضا، لكن استدل بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء. قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجر لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أن جر القميص وغيره من الثياب مذموم على كل حال.
وأما سؤالك الأخير فما ينبغي لك أن تقول لمن تستفتيه: لا تقل كذا، وقل كذا، بل الواجب عليك طرح السؤال على نية الاستفادة من الإجابة والعمل بها؛ ولا مانع من مناقشة الأمر مع من يفتيك أو يجيبك وفق الآداب الشرعية التي تلزم المفتي والمستفتي، وأسأل الله أن يهديني وإياك سواء السبيل.