والدتي طبعها حاد
السلام عليكم د. عبد الحي، أشهد الله أني أحبك فيه. أنا شاب عمري 26 عاما أعمل مهندساً في وظيفة جيدة والحمد لله، أجتهد في طاعة ربي وأواظب علي صلواتي مع الجماعة. مشكلتي يا دكتور قد تبدو معقدة وبالتالي ربما يكون الحل الذي ستنصحني به ليس سهلا؛ لذا أرجو منك أن تدعو لي بظهر الغيب أن يهيئ الله لي من أمري رشدا. مشكلتي أن والدتي طبعها حاد بعض الشئ و لديها دائماً سوء ظن بالآخرين-“والله إني أكتب هذه الكلمات وعيناي تدمعان من الألم خشية أن يكون ذلك منافياً لبري بها”- ولديها اعتقاد دائم بأن الجميع يحسدها ولا يريد لها الخير وبالأخص أقرب الأقربين كإخوتها وأخواتها وحتي والدي مما أثر في علاقتنا معهم مع العلم بأنهم لا يعاملوننا إلا بالخير و لم نر منهم شيئاً يؤذينا، مما جعلني في حيرة من أمري بين ما تعتقده وتريدني أن أعتقد ذلك مثلها وأن الصواب ما تراه وبين الواقع المنافي لذلك، فتطلب مني ومن إخوتي أن نتعامل مع الجميع علي هذا الأساس فنظل في نزاع ما بين طاعتها مرغمين وواجبنا تجاه أخوالنا و خالاتنا.
هذا جانب، أما الآخر فيتعلق بعلاقتها مع والدي؛ فهما دائماً في حالة خلاف وشجار تصل إلي أن يدعو كل واحد منهما بالموت للآخر أمامنا!! والسبب أن والدي مقصِّر بعض الشئ تجاهها وتجاهنا فهو الآن في المعاش ولا يريد أن يعمل وهو صحيح والحمد لله، فنقوم أنا ووالدتي بالإنفاق علي الأسرة مع العلم بأن والدتي هي من تقوم بالجانب الأكبر منذ أن كنا صغارا. والدتي مع كل هذا إنسانة ملتزمة بدينها وعباداتها وتحثني دائما علي أداء صلواتي بالمسجد وتلومني إن لم أدرك صلاة الفجر في المسجد. إني أعلم أنها تريد لي الخير لكن تظهر ذلك بأسلوب قاس في أغلب الأحيان مما يجعلني في ضيق مستمر من الحديث والنقاش معها وأحياناً لا أملك أعصابي فأرفع صوتي أو أتلفظ ببعض العبارات مثل “الله المستعان” و “حسبي الله و نعم الوكيل”. والأدهي من ذلك أني غالباً لا أجد رغبة في الإنصات لحديثها سواء كان هناك مشكلة أو لا؛ هذا شيء أجده في نفسي ولا أجد له تفسيرا لأنني أتعامل مع الآخرين عكس ذلك، مع العلم أنني أجتهد في دفع ذلك الإحساس والتعوذ من الشيطان الرجيم. أحيانا أشك أن هنالك شئ معمول لي تجاهها كي أنفر منها؛ لأن والدي لديه بعض الميول لهذه الأمور وقد وجدت في المنزل عندما كنت صغيراً بعض الأوراق المحتوية علي الطلاسم المعروفة في أمور السحر. لا أدري هل يعتبر ذلك تقصيرا في بري بها، و ماذا أفعل كي أوازن بين طاعتها وطاعة أبي وصلتي لأهلي إن كان ذلك يغضبها. أم يجب الصبر و التسليم، و الله يا شيخ أصبحت أدعية الهم والحزن لا تفارق لساني والألم يعتصرني في كل لحظه ولا أجد الراحة إلا في المسجد. أحيانا أحاول الخروج من هذا الوضع بان أبحث عن زوجة صالحة لكن التوفيق جانبني. أرجو المعذرة للإطالة لكن الأمر جد مؤلم..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأحبك الله الذي أحببتني فيه، أما بعد.
فاعلم – أخي – علَّمني الله وإياك أن الله تعالى يبتلي عبده بما شاء؛ فقد يبتليه بوالده أو ولده أو أخيه أو أخته أو جاره أو صديقه، وهكذا لا يخلو امرؤ من بلاء، وواجب علينا الصبر على البلاء مع الحرص على نصح من نريد له الخير، ولو فكرت – أخي – في جليل نعم الله عليك لوجدتها كثيرة لا تُعَدُّ ولا تحصى؛ فواجب عليك أن تحمد الله تعالى على أنه وهبك أماً طيبة محافظة على صلاتها حريصة على شعائر دينها، وهي آمرة لك بالمعروف حين تلومك على ترك صلاة الفجر في المسجد. وأما حدة طبعها فهذا بلاء يوجب عليك الصبر عليها والإحسان إليها وعدم مجاراتها في حدتها؛ لأن برك بها واجب عليك، مع مجاهدة النفس على تحصيل الكمال في ذلك، والله المستعان.
وأما سوء ظنها بالناس فهو محرَّم؛ وقد قال ربنا جل جلاله {اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} وقال النبي صلى الله عليه وسلم “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” ولا يجوز لكم مجاملتها في ذلك، بل الواجب عليكم وعليها حمل حال الناس على السلامة وإحسان الظن بهم حتى يظهر لكم ما يوجب خلاف ذلك، وعليكم بذل النصح للوالدة في رحمة ورفق وإسماعها من المواعظ والرقائق ما يكون كفيلاً بتغيير نظرتها إلى الناس إن شاء الله، مع التماس العذر لها؛ فعلها قد مر بها من الظروف ورأت من مكر الناس وكيدهم ما حملها على مثل هذا المسلك.
وعليك أن تجتهد – وفقك الله – في بر الوالدين كليهما، مع الدأب في محاولة الإصلاح بينهما؛ عملاً بقوله تعالى {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} وقوله تعالى {فأصلحوا بينهما بالعدل} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “فإن فساد ذات البين هي الحالقة؛ لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين” واحرص – بارك الله فيك – على ألا تظهر الميل إلى أحدهما أو تنصره على الآخر، بل اعمد إلى نصحه من طرف خفي، والله الموفق والمستعان.