لا أجد خشوعا في الصلاة
أنا كثير الشرود أثناء الصلاة وأتذكر أشياء لا أتذكرها عندما لا أكون في غير الصلاة مما يذهب عنى الخشوع.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فإنَّ الخشوعَ من العِلمِ النافعِ المبارَكِ الذي قلَّت العنايةُ به في زمانِنا؛ مما أثَّرَ ـ عَمَلِياًّ ـ شُروداً في عباداتِنا وغفلةً في قلوبِنا وتشويشاً في صَلَواتِنا. قال ابنُ رجب: “قالت طائفة من الصحابة: إنَّ أولَ علمٍ يُرفَعُ من الناس الخشوع… وقال الحسن: العلم علمان، فعِلْمٌ على اللسان؛ فذلك حُجةُ اللهِ على ابنِ آدم. وعِلمٌ في القلب؛ فذلك العلم النافع”. [فضل علم السلف على الخلف 1/7].
ولا شك أن الخشوعُ مِن صفاتِ المؤمنين المفلِحِين، قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون). وقد مدَحَ الله الأنبياء والصالحين بالخشوع، فقال U (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) قال السعدي: “وهذا لِكَمالِ معرفتِهم بربهم”. [تفسير السعدي 1/530]. وقد فسَّرَ مجاهد قولَه تعالى: (سِيماهم في وُجُوهِهم) بأنه “الخشوع في الصلاة”، وفسَّرَ قولَه تعالى: (وقومُوا لله قانِتِين) بأنَّ “القنوتَ الركوعُ والخشوعُ وغضُّ البصَرِ وخفضُ الجناح مِن رَهبةِ الله تعالى، قال: وكان العلماء إذا قام أحدُهم إلى الصلاة هاب الرحمنَ عزَّ وجل أن يشذ نظره أو يلتفت أو يُقلِّب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدِّث نفسَه بشيء من الدنيا إلا ناسِياً مادام في الصلاة”. [حِلْية الأولياء 2/22].
فالخشوعُ مطلبٌ نبيلٌ ومكسَبٌ جليلٌ وقُرةُ عَين؛ لأنَّ فيه حلاوةَ المناجاةِ في الصلاة وحرارةَ الدعاء ولذةَ البكاء، وقد قال الغزالي رحمه الله: “من علامات علماء الآخرة: الخشوع، قال تعالى: (خاشِعِين لله لا يشترُون بآياتِ الله ثمناً قليلاً). [إحياء علوم الدين 1/82]. و”قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)، وقال تعالى: (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)، وقال U (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) وكم من مُصَلٍّ لم يشرَبْ خمراً وهو لا يعلم ما يقول في صلاته!” [إحياء علوم الدين 1/158].
وقد كان الخشوعُ شأن السلفِ الصالح رضي الله عنهم، وقد “كان عبد الأعلى التيمي يقول في سجوده: رب زدنا لك خشوعاً كما زاد أعداؤك لك نفوراً، ولا تكبن وجوهنا في النار من بعد السجود لك”.[حلية الأولياء 2/301]. وقال القشيري: “قال الحسن البصري: الخشوع: الخوف الدائم اللازم للقلب. وسئل الجنيد عن الخشوع، فقال: تذلُّلُ القلوبِ لِعَلاَّمِ الغُيوب، قال الله تعالى: (وعبادُ الرحمنِ الذين يمشُون على الأرضِ هَوْناً) واتفقُوا على أنَّ الخشوعَ مَحَلُّه القلبُ. ورأى بعضُهم رجلاً مُنقَبِضَ الظاهِرِ مُنكَسِر الشاهِد قد زوى مَنكِبَيه، فقال له: يا فلان، الخشوعُ هاهنا ـ وأشار إلى صدره ـ لا هاهنا ـ وأشار إلى منكبيه ـ”. [الرسالة القشيرية 1/68].
وخلاصة القول: أنَّ الخشوعَ ثَمرةُ مراقبةِ الله عز وجل وخشيتِه وتدبُّرِ القرآن والتفكُّرِ في الأذكار، وهو سبيلٌ لتحصيلِ الصلاةِ التي تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فمن لم يستحضر عظمةَ الله في صلاته وأذكارِه ولم يتدبر المعاني؛ لم يجد حلاوةَ المناجاة ولذةَ الذكر والدعاء، قال النووي رحمه الله: “ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع؛ فهذا هو المقصود المطلوب”. [الأذكار 1/107]. والله الموفق.