الأوراق العلمية

أولويات الخطاب الدعوي في العصر الحاضر

أولويات الخطاب الدعوي في العصر الحاضر

ورقة مقدمة لملتقى الحوار الدعوي

بإشراف وزارة الإرشاد والأوقاف

قاعة الشهيد/ الزبير محمد صالح

13/ شوال 1426 الموافق 15/11/2005

كتبها: عبد الحي يوسف

رئيس قسم الثقافة الإسلامية

جامعة الخرطوم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإن ثوابت الأمة التي لا تقبل تغييراً ولا تبديلاً، تتضمن جملة من المسائل التي يحسن التنبيه عليها في زمان يراد للثوابت فيه أن تصير متغيرات، وتتعرض الأمة لحملة جائرة تقلب المعاني وتزوِّر الحقائق؛ حتى تصوِّر الخير شراً، وتجعل من المعروف منكراً، والغرض  من ذلك هو الصد عن سبيل الله، بإشاعة جملة من المصطلحات التي يراد لها أن تنتشر بين الناس ويغدو استعمالها مألوفاً ينشأ عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، مع تخويف الناس من مباشرة الشعائر والأخلاق التي يمليها عليهم دينهم ويوجبها ربهم، ولو تأمل المرء لوجد أن كلمات مثل: (التسامح الديني ـ التعايش الحضاري ـ تخفيف التوتر ـ ضبط النفس ـ الانكفاء الديني ـ الحرية المطلقة) هي التي تُطرح بقوة في أيامنا هذه وكأنه ليس في لغة العرب سواها، أو لعل المعاصرين قد اكتشفوا فيها من المعاني والمضامين ما لم يدركه الأولون!! وفي مقابل ذلك تجد مصطلحات شرعية وألفاظاً قرآنية حُظرت على الكافة أو تكاد، ولك أن تستعمل في خطابك الدعوي كلمات مثل: (الكفار ـ الجهاد ـ الولاء والبراء ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لتوجَّه إليك سهام الناقدين بأن في فهمك تخلفاً وأنك من المحرضين على العنف وممن ينشرون الكراهية؛ حتى أصبح من المألوف أن ترى على صفحات الدوريات وفي تصريحات المسئولين الغربيين ومن والاهم من بني جلدتنا ـ من خلال حرب المصطلحات ـ تسمية جهاد الدفع إرهاباً والصدقات تمويلاً للإرهاب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطرفاً وتشدداً، ويظهر ذلك جلياً حين نعلم أن هؤلاء المحرضين ـ خاصة من المنافقين ـ لم يفتح الله عليهم بكلمة واحدة في التحذير من المنظمات الكنسية والهيئات التنصيرية التي قد تبلغ في بلد مسلم واحد العشرات[1]، وقد علموا أن تبرعات ضخمة تجمع، وأموالاً هائلة توقف؛ لدعم أنشطة  غايتها الصد عن سبيل الله والكفر به سبحانه وتعالى[2]؛ في مقابل التضييق على المنظمات الإسلامية والهيئات الدعوية وإرهابها بتهمة الإرهاب، وتخويف المحسنين من المسلمين حتى يكفوا عن بذل أموالهم لنفع إخوانهم، فإذا ما أصابت المسلمين كارثة أرضية أو آفة سماوية أو احتراب داخلي لم يجد المسلمون من يغيثهم سوى هذه المنظمات الكنسية مع تغييب تام لمثيلاتها المسلمة، ويتساءل عامة الناس: أين المسلمون؟ وأين الأخوَّة الإسلامية؟ وأين تعاليم الإسلام في غوث المسلم أخاه المسلم وعونه إياه؟ دون أن يدركوا أن أمراً قد دُبِّر من زمان بعيد لإيصال الناس إلى هذه الحالة، وصدق الله العظيم )إنَّ الذينَ كَفَرُوا يُنْفِقونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لَيَميزَ الله الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيرََْكُمَهُ جَميعاً فَيَََجْعَلَه في جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُُُ الخَاسِرِونَ([3]

وهاهنا أحاول رصد جملة من الثوابت التي ما ينبغي أن يتخطاها الخطاب الدعوي في بلادنا، بل الواجب أن يجعلها من أولوياته ويسعى في بسطها بين جمهور المسلمين؛ فإنه لا يهلك الناس حتى يكون العلم سراً كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، وهي مما علم بالضرورة من دين الإسلام، وعلم الناس طُرَّاً أنها خير وفضيلة وبر وتقوى وإحسان، ولا يمكن أن تصير يوماً ما رذيلة أو شراً أو إثماً وعدواناً؛بل هي مما اتفقت الشرائع على الأمر بها والحث عليها والتنويه بشأن فاعليها والمتلبسين بها والداعين إليها، سواء أكانت في دائرة العقائد أو الشعائر أو الأخلاق، وأقتصر هنا على ما كان نفعه يتعدى دون ما كان نفعه قاصراً؛  وهي بعضٌ من كل لكنها تتعرض أكثر من غيرها لمحاولات آثمة في الطمس والتشويه والتزوير، ولولا كان من المسلمين أولوا بقية يبيِّنون للناس فضلها وعلو كعب أهلها في الدين واليقين، وعظيم أجرهم عند رب العالمين؛ لكان الأمر على غير ما نرى، وإلى الله المشتكى.

أولاً: التذكير بوجوب الدعوة إلى الله تعالى

هي عنوان خيرية هذه الأمة )ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( وبرهان ريادتها للأمم )كنتم خير أمة أخرجت للناس( ودليل وراثتها للنبيين )قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين( وبها استوجبت الأجر على الله )والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين( ولو فرطت الأمة في واجب الدعوة والبلاغ فقد سقطت من عين الله تعالى، واستحقت مقته وعذابه، إذ ما شرع الله الجهاد بما فيه من ذهاب النفس والمال وحصول المكروه فيهما إلا قياماً بهذا الواجب )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله( وحق على الدولة المسلمة أن توفر للدعوة ما تحتاجه من طاقات بشرية وموارد مالية، وما يكفل لها ترقية الأداء وحسن العرض بأفضل الأساليب وأحدث التقنيات، وقد مضى زمان قد كانت الدعوة فيه قائمة على جهود فردية واجتهادات شخصية أثمرت خيراً أحياناً، وخلفت شروراً في أحيان أخرى، أقول: في زماننا هذا لا بد أن يتوفر على التخطيط للدعوة هيئات ورجال وبحوث ودراسات حتى ندرك من قبلنا ونصلح ما أفسد غيرنا، أما التخبط والارتجال والفوضى فلا تصلح لزمان قد صارت لغة الأرقام والإحصائيات هي المعول عليها في كل شيء.

ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهو سبب لأمن المجتمعات وحفظ الحقوق ونزول رحمة الله ومنع المفسدين من أن يتعدى فسادهم إلى غيرهم، وقد جعله الله عز وجل شرطاً لخيرية هذه الأمة[4] وعلامة لأهل الإيمان فيها[5] كما أن تركه سبب لنزول اللعنة وحصول المقت[6]، وفي سنة النبي e تواترت النصوص في بيان أن هذا الأمر سنة ماضية وفريضة محكمة لا يسع مسلماً إنكارها أو التفصي عنها، ومن ذلك:

1ـ حديث عبادة بن الصامت t قال {بايعنا رسول الله e على أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم} متفق عليه

2ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص t عن النبي e قال {إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودِّع منهم} رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد

3ـ عن أبي ذر الغفاري t قال {أوصاني خليلي e بخصال من الخير: أوصاني ألا أخاف في الله لومة لائم وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرّاً} رواه ابن حبان في صحيحه

4ـ عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله e {لا يحقرن أحدكم نفسه} قالوا: يا رسول الله وكيف يحقرن أحدنا نفسه؟ قال {يرى أن لله عليه مقالاً، ثم لا يقول فيه، فيقول الله U يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا أو كذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى} رواه ابن ماجة

5ـ روى الحسن البصري فقال: قال رسول الله e {لا تزال هذه الأمة بخير تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالِ قراؤها أمراءها، ولم يترك صلحاؤها فجارها، ولم يمار أخيارها أشرارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده، ثم سَلَّط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، وضربهم بالفقر والفاقة، وملأ قلوبهم رعباً}

وبعد هذا كله يراد لنا أن نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى رأينا من ينعى على الناس في بعض البلاد كيف يمنعون المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان؟ وكيف يحظرون المسكرات؟ وكيف يفرضون الحجاب ـ أو الزي المحتشم ـ على طالبات الجامعات؟ ونجد من بين طلبة العلم ـ بَلْهَ عامة الناس ـ من يريد أن يحظر على الأئمة وأهل العلم بذل النصيحة للسلطان إلا بإذن منه بل هناك من يضيق عطنه إذا سمع درساً أو موعظة عبر مكبرات الصوت الخارجية في مسجد ما فيدعو إلى منع ذلك بدعوى أن فيه تشويشاَ واعتداء على حريات الآخرين وفي الوقت نفسه لا يتمعر وجهه لكثرة الحفلات الغنائية التي تنعق فيها الأصوات النشاز )وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا  يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(

ثالثاً: تمييز العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق أدب القرآن والسنة

وقد حدث في هذا الباب خلط كثير عند فئام من الناس ما بين مفرط ومفرط، ومن أوجب واجبات الخطاب الدعوي في أيامنا هذه أن يبين للناس واجباتهم تجاه حكامهم، وحقوقهم على رعاتهم، حتى يسلم كل امرئ مسلم من الغلو والتقصير ما بين أناس يريدون أن يؤلهوا الحاكم فلا ينتقد ولا يؤمر ولا ينهى ولا ينبه على خطئه، وآخرين لا هم لهم إلا ذكر مثالب الحكام وتتبع زلاتهم وزرع الكراهية في نفوس الرعية تجاههم {ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه} فلا بد من ذكر الحقائق الشرعية في هذا الباب، ومن بينها:

1) السمع والطاعة لهم في المنشط والمكره، والعسر واليسر، في غير معصية.

2) عدم منازعتهم فيما ولاهم الله من أمر المسلمين، بل نعتقد أنهم في بلاء، وندعو لهم بالمعافاة.

3) الوفاء ببيعتهم، وعدم إعانة الخارجين عليهم؛ قال الإمام القرطبي: “لو خرج خارجي على إمام معروف بالعدالة وجب على الناس جهاده، فإن كان الإمام فاسقاً والخارجي مظهراً للعدل لم ينبغ للناس أن يسرعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الأول؛ وذلك أن كل من طلب مثل هذا الأمر أظهر من نفسه الصلاح حتى إذا تمكن رجع إلى عادته من خلاف ما أظهر”[7]

4) بذل النصيحة لهم في رفق ورحمة، مع توقيرهم ومعرفة حقهم.

5) عدم متابعتهم في الباطل وتزيين المنكر لهم، بل لا بد من الإنكار عليهم ــ بالطرق الشرعية ــ وبيان الحق لهم، والحرص على أمرهم بالمعروف.. عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي r قال: ((إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع))، قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)).

6) أداء الصلاة معهم وراءهم ما داموا مسلمين.

7) هذه الطاعة ليست قاصرة على صنف من الحكام البررة ذوي النسب الشريف، بل هي لكل من ولي أمر الأمة مسلماً، براً كان أو فاجراً، شريفاً أو وضيعاً.

رابعاً: وجوب الحكم بما أنزل الله

وهذه من القضايا التي يراد للناس نسيانها وذلك بتخويف الدعاة إليها ورميهم بالتهم الباطلة من جنس قولهم: أصولي ـ متطرف ـ ظلامي ـ خارجي ـ سروري ـ تكفيري ـ رجعي ـ… إلى آخر ذلك النبز الذي يعف عنه لسان المسلم ويتورع عنه المؤمن )والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا( لا بد للدعاة من التأكيد على أهمية هذه القضية من الدين وأنها تمثل ببعدها العقدي والعملي أساس الدين ولبه، في قول الله تعالى )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم… إلى قوله I: إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً( يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذه الآيات: ذم الله  Uالمدعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى  الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك[8] وغيرهم، وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضاً، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات.

  ويقول محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: )وإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ(: والآية ناطقة بأن من صد وأعرض عن حكم الله ورسوله عمداً ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يعتد بما يزعمه من الإيمان، وما يدعيه من الإسلام.

ولا يهولن الداعية إلى الله ما ينبزه به خصومه من تلك الألقاب التي هم أحق وأهلها، ولكن هذه سنة الله في الأولين والآخرين )كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون(. ويبقى الحق حقاً )فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى يصرفون(

خامساً: التأكيد على وجوب الوحدة بين المسلمين

هذه هي قضية القضايا التي ينبغي الطرق عليها والتركيز في عرضها بالليل والنهار سراً وعلانية في عصرنا هذا، وهي من القضايا التي تحصل فيها الغفلة كثيراً بين الاختلافات الحزبية والمصالح القبلية، والتي قد يتورط بعض الدعاة بل والمؤسسات الدعوية فيها، لا بد أن نلقي في روع المسلمين الذين يتلقون الخطاب الدعوي عنا أنه واجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة كما أراد الله لهم )وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون( وأن تفرقهم وتشرذمهم حرام، وأن العدو يحرص على أن يميِّز المسلمين ويفرقهم رغبة منه في التحريش بينهم وإلقاء العداوة والبغضاء بين جمهورهم، وكل من أعان على ذلك وساهم فيه فقد خدم أعداء الإسلام من حيث يشعر أو لا يشعر، وأنه واجب على الناس أن يتناسوا خلافاتهم الفقهية واختلافاتهم الحزبية وتبايناتهم القبلية في زمان عاد كل مسلم مستهدفاً فيه من أجل إسلامه لا لشيء آخر )ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق( فالله الله في وحدتكم يا أهل القبلة.

سادساً: العودة إلى مصطلحات القرآن في تصنيف الناس

إن الحرب الإعلامية التي يقودها أهل الباطل ضد الحق وأهله قديمة قدم الحق والباطل، وقد قرأنا في القرآن قول فرعون عن موسى u )ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدِّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد( والواجب علينا إزاء هذه الحرب الإعلامية التي يشنها اليهود والصليبيون على الإسلام وأهله في هذا الزمان أن نلزم الحذر فلا نردد ما يزخرفون من قيم ومفاهيم ومصطلحات؛ لأننا لو اكتفينا بأن نكون ناقلين عنهم لترتب على ذلك النقل مصيبتان:

أولهما: تثبيت مفاهيم دخيلة

ثانيهما: خلخلة مفاهيم أصيلة

إن الواجب على العلماء والدعاة أن يعمدوا إلى المصطلحات الشرعية الأصيلة النابعة من القرآن والسنة فيستعملونها ويشيعونها بين الناس حتى تعود دارجة بينهم سهلة على ألسنتهم، ومن أمثلة ذلك:

  • تقسيم القرآن الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق، نجد بدلاً منه تقسيمهم إلى يميني ويساري ومتشدد ومعتدل ومستنير وأصولي إلى آخر تلك المنظومة الإعلامية التي سرت حتى إلى خطب المنابر وأحاديث الدعاة والعلماء
  • حديث القرآن عن القيم والمنجزات الحضارية والأعمال البشرية وفق معايير شرعية ومصطلحات إسلامية كالحق والباطل والعدل والظلم والخير والشر والمعروف والمنكر، نجد بدلاً منها مصطلحات هلامية كالرجعية والتقدمية والإيجابية والسلبية

ومن ذلك مصطلح الإرهاب الذي غدا أكثرها شيوعاً وتناولاً في أحاديث الساسة وبرامج الإعلام ومقالات المفكرين، وأدمنت الجهات المعادية للمسلمين أن تطلقه على المقاومة المشروعة التي تقوم بها بعض الشعوب دفاعاً عن عزتها وكرامتها، وتتعمد الخلط والتلبيس حتى على بعض فئام من المسلمين!! تُرى ماذا يراد بهذا المصطلح؟ وهل الإرهاب والمقاومة لفظان مترادفان معناهما واحد؟ أم بينهما كما بين المشرق والمغرب؟

سابعاً: بيان عدل الإسلام في معاملة غير المسلمين

لقد أثار الغربيون بوسائل شتى حملة مفادها أن المسلم لا يحتمل غيره وأنه يريد للناس جميعاً ـ من غير المسلمين ـ أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم أو ينفوا من الأرض ـ وأعدوا الخطط ليجعلوا من الإسلاميين دعاة الإرهاب المذموم في العالم؛ حتى ترتبط صورة المسلم في أذهان الناس بمنظر العنف والدماء والأشلاء، وحتى يصير المسلم عند العامة رمز الخراب والدمار، وهاهنا لا بد من أن نحذر الإفراط والتفريط، فإن بعض الناس في سبيل الدفاع عن الإسلام ـ زعم ـ يريد أن يلغي الفوارق الشرعية بين المسلم والكافر، ويعمد إلى التلبيس والتدليس حين يقول: بأن الإسلام لا يميز بينهما، وها هنا لا بد أن نشيع بين عامة الناس وخاصتهم أن غير المسلمين ليسوا سواء في نظرة الإسلام إليهم ومعاملته إياهم، ونركز في ذلك على أمرين مهمين:

أولهما: بيان ما يفرضه علينا ديننا من معاملة المسالمين لنا من غير المسلمين معاملة حسنة، وأن نفرق في المعاملة بينهم وبين المحاربين الذين يؤذون المسلمين في دينهم، قال تعالى )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين @ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون( وقد كان النبي e في سيرته خير مثال للمسلم العادل الذي ينزل كل إنسان منزلته ويعامله بما يستحق من غير حيف ولا ظلم، وقد توضأ e من مزادة مشركة وأكل من طعام يهودية، وعاد الغلام اليهودي لما مرض وتوفي ودرعه مرهونة عند يهودي.

ثانيهما: هذه المعاملة الحسنة لا تعني المداهنة في الدين؛ بأن نعامل غير المسلم وكأنه مؤمن بالله ورسوله، فكل من بلغته رسالة الإسلام ثم لم يؤمن به ولم يقر برسالة محمد e، بل أنكر أن يكون محمد e رسول الله، أو أن القرآن كلام الله، فإنه لا يحق لنا أن نعامله وكأنه مؤمن بالله ورسوله، بل الواجب بغضه والبراءة إلى الله منه )لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم(

ثامناً: التذكير الدائم بالقيم الأخلاقية والمعايير الحضارية في رسالة الإسلام

ليس محموداً من الداعية أن يركز في خطابه لجمهور المسلمين على النواحي العقدية النظرية والشعائر التعبدية، ويهمل الجوانب الأخلاقية والقيم الحضارية في ديننا!! إن المسلم الحريص على صيام رمضان   وحج البيت الحرام، هو نفسه الذي قد يخلف الوعد ويخون الأمانة ويكذب في الحديث ويغش في المعاملة، وهو نفسه الذي قد يقع في معاصي القلوب من الغش والكبر والغل والحسد وغير ذلك من المهلكات، وقد يرى أنها أمور هينة تكفرها تلك الشعائر التي يحرص على المحافظة عليها.

لا بد من تذكير الناس بقيمة الوقت في ديننا وأن العبادات ـ في جملتها ـ قد ارتبطت بالوقت، وأن المسلم سيحاسب بين يدي ربه على ساعات عمره، وذلك من أجل أن يكون لنا إسهام في القضاء على ما أصاب الناس من التفنن في قتل الوقت وتضييعه، حتى عدنا مثلاً بين الأمم في إخلاف الوعد وعدم الاهتمام به، وحتى غدا شائعاً بين الناس أن الاجتماع الذي حددت له الساعة العاشرة والنصف سيبدأ في الحادية عشرة، وهكذا.

تاسعاً: التحذير من الغلو والتقصير

فإن الناس في زماننا ما بين غال في الدين وجاف عنه، وقلَّ من يسلم من إحدى تينك الآفتين المهلكتين، لا بد من التذكير بالنهي في نصوص القرآن والسنة عن الغلو وأنه مرتبط بغير المسلمين وأن أهل القرون المفضلة ما عرفوه إلا كظاهرة تطفو على السطح سرعان ما تأتي عليها عوامل التوجيه والإرشاد فتعود نسياً منسيا ً)يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق( وكذلك نذكر الناس بأن التقصير مذموم، فتارك الصلاة مثلاً أمره دائر بين الكفر الأكبر والأصغر، ومتعمد الفطر في نهار رمضان علماء الإسلام يظنون به الانحلال والزندقة، وتارك الزكاة المفروضة متوعد بعذاب أليم يلحق جنبه وبطنه وظهره، ولا نتناول الأمر من جانب واحد بالنهي عن الغلو في قيام الليل مثلاً ونهمل من يفرطون في صلاة الجماعة.

عاشراً: التفريق في خطابنا بين الإرهاب الممنوع والجهاد المشروع

فهذه من القضايا التي حصل فيها إرهاب فكري وإعلامي على الناس حتى عميت عليهم الأنباء فهم لا يتساءلون!! بل يكتفون بترديد ما يسمعون ولا يدرون إن كان حقاً أو باطلاً؟ ولا يدري أكثر المسلمين أن الإرهاب المنبوذ بضاعة جلبت إليهم من غيرهم، ومن أمثلة ذلك:

  • إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي حيث قتل 190000 ياباني جميعهم من المدنيين تقريباً
  • ما فعلته جماعة (أوم) اليابانية، الذين ثبت تواطؤهم بإلقاء غاز السارين السام في أنفاق مترو طوكيو، وأدى إلى وفاة واختناق الكثيرين
  • إرهاب الصرب في حربهم الضروس ضد مسلمي البوسنة في الفترة من 1991 ـ 1994
  • إرهاب السيخ والهندوس ضد مسلمي الهند وكشمير
  • وتطرف وإرهاب أعداء المسلمين في كل من (طاجيكستان) و (الفلبين) و (الشيشان) و (بورما)
  • التطرف الصهيوني في فلسطين المحتلة المدعوم من الغرب والشرق معاً
  • قصف ملجأ العامرية في بغداد وهدمه على من فيه من المدنيين
  • تدمير مصنع الشفا للأدوية بالسودان

لا بد أن نشيع بين الناس أن المقاومة المشروعة مراد بها ما يسميه فقهاؤنا جهاد الدفع، وهو ما يدفع به المسلمون عن دينهم وديارهم وأموالهم وذراريهم، ضد من بدأهم بالظلم والعدوان، من جنس ما يقوم به إخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان اليوم وما قام به المسلمون في الجزائر والسودان وغيرها من بلاد الله على أيام ما سمي بالاستعمار، وهو مشروع بالإجماع؛ لقوله تعالى )كتب عليكم القتال( وقوله تعالى )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير( إلى غير ذلك من الآيات، ولفعله e وأمره به، لكن بين هذا الجهاد المشروع والإرهاب الممنوع فروق معتبرة من حيث الوسائل ومن حيث النتائج يراها كل من نوَّر الله بصيرته.

[1] انظر العدد 155 من مجلة البيان الصادرة عن المنتدى الإسلامي رجب 1421 أكتوبر 2000، مقال بعنوان: الوجود النصراني في السودان ـ دراسة ميدانية ـ إعداد: محمود صالح

[2] يراجع في ذلك الكتاب القيم (القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب) الصادر عن المنتدى الإسلامي، تأليف د. محمد السلومي، فصل بعنوان: التبرعات والهبات في الولايات المتحدة الأمريكية للمنظمات غير الربحية.

[3] سورة الأنفال/36-37

[4] في قوله سبحانه ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله))

[5] في قوله سبحانه ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله))

[6] في قوله سبحانه ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون))

[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 273

يعني التتر[8]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى