الضوابط الأخلاقية في عمليات التخصيب
الضوابط الأخلاقية في عمليات الإنجاب المساعد
ورقة مقدمة لورشة الإنجاب المساعد
قاعة الصداقة – الخرطوم
2-3/ 9/2018
إعداد: عبد الحي يوسف
مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحـيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
أولاً: منزلة الأخلاق في الإسلام؛ الأخلاق في ديننا من الثوابت التي لا يعتريها التغير، وهي مطلوبة من الطبيب والداعية والتاجر والرجل والمرأة على حد سواء، وقد بلغ من عناية الإسلام بهذا الباب أن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عظيم مكانة الأخلاق في ديننا فقال (إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً الموطَّئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)
ثانياً: القيم الأخلاقية الحاكمة لعمليات التخصيب:
1/ الحرص على الكرامة الإنسانية التي أكدت عليها الشريعة في قوله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} وهذه الكرامة ثابتة دون نظر إلى المعتقد أو الجنس أو النسب، ولما مرت بالنبي صلى الله عليه وسـلم جنازة قام لها؛ فقيل له: إنه يهودي!! فقال: أليست نفسا؟؟ فلا يسمح باستخدام النطفة الآدمية فيما يحط كرامتها أو يدنس شرفها
2/ المحافظة على الأنساب؛ حيث تواترت نصوص الشريعة دالة على أن حفظ النسب من الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع كلها بالأمر بالمحافظة عليها، ومن أجل ذلك كان الأمر بحفظ الفروج وتحريم الاعتداء على الأعراض فعلاً أو قولا؛ فأوجب ربنا جل جلالـه في الاعتداء على العرض بالفعل عقوبة بليغة فقال {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} وفي الاعتداء بالقول قال جل من قائل {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} وقال النبي صلى الله عليه وسـلم (ثنتان في أمتي هم بهما كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت)
ومن صور الاعتداء على الأنساب وخلط أمرها ما يحدث أحياناً من عبث علمي تستغل فيه ما توصلت إليه الأساليب التكنولوجية التي لا ترعى فيها الضوابط الشرعية، ومن هنا صدرت قرارات المجامع الفقهية المعتبرة بالمنع من عمليات نقل وزرع الأعضاء الناقلة للصفات الوراثية مثل (الخصية والمبيض) والمنع من إقامة بنوك الحيوانات المنوية أو بنوك الحليب
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410 الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م،
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 – 26 ربيع الأول 1410هـ الموافق 23-26/10/1990م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
قرر ما يلي:
أولاً: زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلق جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
ثانياً: زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة – جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم 26(1/4) لهذا المجمع.
ومثله ما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، وغير ذلك من الندوات الطبية الشرعية
3/ المنع من كل ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب؛ ولذلك جاءت التدابير الشرعية التي تمنع ذلك المحظور، ومنها:
- شرع الإسلام العدة بعد الفرقة بطلاق أو خلع أو فسخ أو وفاة، فقال سبحانه {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وقال {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} وقال {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} وقال في المتوفى عنه زوجها {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} بل ألزم الإسلام المعتدة بالحداد لمنع أي سبيل للنكاح، وأباح التعريض بالخطبة دون التصريح.
مع التنبُّه إلى أن العدة عقيب الوفاة ليست مشروعة فقط من أجل استبراء الرحم، لئلا يعترض على هذا بأن العجوز التي لا تلد لا تلزمها عدة، بل هناك حكم أخرى ترجى من وراء الالتزام بتلك العدة كالتعبد لله عز وجل وتعظيم حق الزوجية وإظهار الحزن لفقد الزوج ومواساة أهله
- نهى رسول الله صلى الله عليه وسـلم الرجل أن يسقي بمائه زرع غيره
- وأمر ألا توطأ حامل حتى تضع
وحين علم بأن واحداً من أصحابه وطئ امرأة من السبي قبل أن يستبرئها غضب وقال (لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره) عبد الرّحمن بن نفير يحدث، عن أبيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَةً مُجِحَّةً – يَعْنِي: حُبْلَى – عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ: لَعَلَّهُ قَدْ أَلَمَّ بِهَا؟ , قَالُوا: نَعَمْ, قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ, كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ؟ وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لاَ يَحِلُّ لَهُ؟ رواه الدارمي والبيهقي في السنن الكبرى
4/ المنع من تغيير خلق الله عز وجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال على لسان إبليس {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} وتواترت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم في المنع من تغيير خلق الله فيما هو أهون بكثير من الأعضاء الناقلة للصفات الوراثية؛ فثبت عنه قوله (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة، والواشمة والمستوشمة، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)
5/ ألا يحصل تصرف من قبل الطبيب دون استئذان المريض؛ خاصة في هذه العمليات التي يترتب عليها إثبات نسب أو نفيه، وقد نص علماؤنا رحمهم الله تعالى على أن الطبيب الحاذق الماهر الذي أعطى الصنعة حقها ولكنه قام بالمعالجة أو الجراحة بغير إذن المريض أو إذن وليه، فهو ضامن لما يحدث لأنه فعل أمراً غير مأذون له فيه، وهذا وإن كان محسناً في فعله لكنه أساء في تعديه على عضو بغير إذن صاحبه مع عدم قطعه بتمام الشفاء، لأن أمور الطب لا يستطيع الطبيب مهما بلغ من إتقان أن يجزم بتمام النجاح فيها، فوجب عليه إذن صاحبه أو وليه إن لم يكن أهلاً للإذن كالصبي أو المجنون.
6/ أن يكون الغرض الأساس من تلك العمليات تكثير سواد المسلمين وتنفيس كربة العقيم والعاقر، وإدامة المودة بين الأزواج، دون نظر إلى الكسب المادي الذي يأتي تبعاً لا بالأصالة؛ فمتى ما علم الطبيب استحالة إكمال عملية التخصيب أو أن احتمال الفشل أكبر من النجاح فما ينبغي له الشروع فيها لئلا يتأكل الأموال بالباطل