آداب المفتي
بسم الله الرحمن الرحيم
أدب المفتي
ورقة مقدمة لندوة مجمع الفقه الإسلامي
(منهجية الفتوى في الحياة المعاصرة)
قاعة الصداقة
9/2/2013
كتبها/ عبد الحي يوسف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فلا يزال الناس بحاجة إلى من يفتيهم في مسائل دينهم، ويجيب على ما يعن لهم من أسئلة وما يتجدد من نوازل، وقد اضطلع بهذه المهمة العظمية أكابر أهل العلم في القديم والحديث؛ بداية من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ـ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مروراً بمن بعدهم من أئمة الدين وحملة الوحي، وقد جربت الناس سنين عدداً فرأيت أنهم بحاجة إلى بيان أصول وآداب تتعلق بآداب الإفتاء والاستفتاء؛ حتى يتجنب المستفتي ويجنب المفتي مزالق وأوهاماً قد تحصل نتيجة العجلة أو سوء الغرض عياذاً بالله؛ فكتبت هذه الورقات مختصراً قدر الإمكان مستعيناً بالله الواحد الديان؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: الأسباب الحاملة على طرق هذا الموضوع
1ـ جراءة كثير من غير المختصين على الخوض في مسائل الشريعة أصولاً وفروعاً
2ـ كون عامة الناس وجمهور الأمة أصبحوا لا يميزون عمن يأخذون العلم ولا من يستفتى في أمر الحلال والحرام
3ـ كثرة القنوات الفضائية ومواقع الفتوى على شبكات الإنترنت، وقد يكون بعضها مما لا يحل الاطلاع عليه ولا الاستماع إليه لكونه يمثِّل عقيدة زائغة أو فكراً فاسداً
ثانياً: أهمية الفتوى والكلام في المسائل الشرعية
1ـ الفتوى لغة: الجواب في الحادثة، اشتقت ـ كما قال الزمخشري في الكشاف ـ من (الفتى) في السن على سبيل الاستعارة، والفتوى شرعاً: الإخبار بالحكم الشرعي جواباً على سؤال سائل.
1ـ القرافي من علماء المالكية عدَّ المفتي ترجماناً عن الله عز وجل؛ فقال رحمه الله: فالحاكم مع الله تعالى كحاكم يستنيب والمنكر والمفتي كحاكم له ترجمان او وزعة يلجؤن الناس لدفع الحقوق[1]
2ـ عدَّه ابن القيم موقعاً عن الله تعالى فقال: إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم من الكتاب} وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة إذ يقول في كتابه {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقوف بين يدي الله ا.هــ[2]
3ـ والفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى )ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن…([3] وقال تعالى )يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة…[4](، تولَّى رب العالمين الإفتاء بنفسه في مواضع من كتابه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون([5] وقد سئل عن الأشربة وعن اللحم وعن الرجل يقاتل شجاعة أو حمية أو للمغنم ومن بعده خيار أصحابه رضي الله عنهم
ثالثاً: ورع السلف عن الفتيا
1ـ قال الإمام الدارمي: (باب من هاب الفتيا) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال (لقد أدركت بهذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، ما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ودَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ودَّ لو أن أخاه كفاه الفتيا)[6]
- نقل الدارمي عن الشعبي أنه سئل: كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم؟ قال: على الخبير وقعت، كان إذا سئل الرجل قال لصاحبه: أفتهم. فلا يزال حتى يرجع إلى الأول
- قال ابن مسعود: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.
- سئل القاسم بن محمد عن شيء فقال: إني لا أحسنه، فقال السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك. فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي! والله لا أحسنه. فقال له شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها، فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم. فقال له القاسم: والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به.
- وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري فقيل له: ألا تستحي من قول (لا أدري)؟ وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالوا ((سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا))
- روى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لولا الفرق من الله أن يضيع العلم، ما أفتيت أحداً. يكون له المهنأ وعليَّ الوزر!
- وقد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم! قال: ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق.
رابعاً: تحريم القول على الله بغير علم
- قال تعالى )قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا([7]
- وقال تعالى )فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين([8]
- وقال سبحانه )ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب([9]
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ}[10].
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه}[11]
- قال ابن القيم رحمه الله: من أفتى الناس بغير علم فهو آثم عاص ومن أقرَّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضاً
- قال ابن الجوزي رحمه الله: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الراكب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من يطبِّب الناس ولا علم له بالطب، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لا يحسن التطبب، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟
خامساً: صور من القول على الله بغير علم
- تسرع غير المتأهلين على الخوض في المسائل الشرعية بحجة أنه ليس في الإسلام رجال دين أو كهنوت
- دعوى الاجتهاد بحجة أن بابه مفتوح وأنه لا حجر على العقول
- الخوض في مسائل معيَّنة بدعوى أنها سهلة
- اعتقاد أن الخلاف بذاته حجة، وهناك خلاف شاذ لا قيمة له (خلاف أبي الخطاب بن دحية في قصر المغرب ـ خلاف عثمان البتي في جواز الجمع ببن المرأة وعمتها)، ومسائل الإجماع كثيرة حتى قال أبو إسحاق الاسفرائيني: نحن نعلم أن مسائل الإجماع أكثر من عشرين ألف مسألة. والخلاف شأن العلماء ولا دخل للعامة والمتطفلين به، قد أجمع المسلمون من قديم في باب العقائد على ختم النبوة بمحمد e وأن الملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، وعلى وجود الجن، وأجمعوا على كفر اليهود والنصارى، وكفر كل من لم يؤمن ببعثة محمد e، وأجمعوا في باب العبادات على أعيان الصلوات، وأعداد الركعات، ووجوب صيام رمضان، وفرضية الحج إلى البيت الحرام، وأجمعوا في باب الحلال والحرام على حل لبن الإبل، وحل البيع في الجملة، وأجمعوا على حرمة الخمر والخنزير، وقول الزور، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وأجمعوا في الحديث على وجوب الزكاة في الأموال النقدية وحل شرب الشاي والقهوة والعصير، وأجمعوا على تحريم الخمور بأسمائها الجديدة والمخدرات بأنواعها، وأجمعوا على تحريم الفوائد البنكية المشترطة بنسبة من رأس المال، وأجمعوا على تحريم التأمين على الحياة، والتأمين التجاري، وأجمعوا على أن استخدام الطائرات والسيارات والقطارات والهواتف النقالة والأسلحة الحديثة داخل في عموم قوله تعالى )وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه( وأجمعوا على أن الطوائف الضالة من أمثال القاديانية والبهائية والسبأية والجمهوريين طوائف خارجة عن ملة الإسلام لا يحل مناكحتهم ولا موالاتهم، وما زال المسلمون يتناقلون مثل تلك الإجماعات التي لم يخالف فيها أحد ممن يُعتد به
- خرق الإجماع يتمثل في القول بإيمان اليهود والنصارى، والقول بتحريم ختان الإناث جملة وتفصيلا، والقول بحل الفوائد البنكية، والقول بأن جهاد الدفع لا يجوز إلا بإذن الإمام.
- تتبع الرخص، يقول ابن عبد البر في تحريم تتبع رخص العلماء: (لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم) وكذلك قال الإمام ابن حزم والباجي وابن الصلاح، وقال الأوزاعي إمام أهل الشام: (من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام) وقال الإمام أحمد: (لو أن رجلاً أخذ بقول أهل الكوفة في النبيذ وبقول أهل المدينة في السماع وبقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقاً) ويقول ابن حزم: (وهناك قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما يوافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم، غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم)
- مجاراة الواقع بدعوى صعوبة تغييره أو أنه من باب الضرورة (ولاية الكافر على المسلمين ـ الاختلاط ـ إقرار اليهود على ما اغتصبوه من أرض فلسطين)
سادساً: شروط المفتي
- الإسلام، فالكافر والمرتد فاقد للأهلية
- التكليف وذلك بالبلوغ والعقل
- العدالة، فالفاسق لا تقبل فتواه ولا يسمع قوله
قال الإمام أحمد: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
- أن تكون له نية، فمن لم يكن له نية لم يكن على كلامه نور
- أن يكون له علم وحلم ووقار
- أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته
- الكفاية وإلا مضغه الناس
- معرفة الناس أي الإحاطة بحيلهم وألاعيبهم
إن المفتي أو الفقيه الذي يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم بل يوقع عن الله جل شأنه، جدير بأن يكون على قدر كبير من العلم بالإسلام، والإحاطة بأدلة الأحكام، والدراية بعلوم العربية، مع البصيرة والمعرفة بالحياة وبالناس أيضا بالإضافة إلى ملكة الفقه والاستنباط. لا يجوز أن يفتي الناس في دينهم من ليس له صلة وثيقة وخبرة عميقة بمصدريه الأساسيين: الكتاب والسنة. ولا يجوز أن يفتي الناس من لم تكن له ملكة في فهم لغة العرب وتذوقها، ومعرفة علومها وآدابها حتى يقدر على فهم القرآن والحديث. ولا يجوز أن يفتي الناس من لم يتمرس بأقوال الفقهاء، ليعرف منها مدارك الأحكام، وطرائق الاستنباط، ويعرف منها كذلك مواضع الإجماع ومواقع الخلاف. ولا يجوز أن يفتي الناس من لم يتمرس بعلم أحوال الفقه، ومعرفة القياس والعلة، ومتى يستعمل القياس، ومتى لا يجوز. كما لا يجوز أن يفتي من لم يعايش الفقهاء في كتبهم وأقوالهم، ويطلع على اختلافهم، وتعدد مداركهم، وتنوع مشاربهم، ولهذا قالوا: من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه! ولا يجوز أن يفتي الناس من يعيش في صومعة حسية أو معنوية، لا يعي واقع الناس، ولا يحس بمشكلاتهم. يروي الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه “الفقيه والمتفقه” عن الإمام الشافعي قوله: “لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله، إلا رجلا عارفا بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزليه، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيم أنزل، ثم يكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة بصيراً بالشعر، وبما يحتاج إليه العلم والقرآن، ويستعمل ـ مع هذا ـ الإنصات وقلة الكلام، ويكون بعد هذا مشرفاً على اختلاف أهل الأفكار، وتكون له قريحة (أي ملكة وموهبة) بعد هذا فإن كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي”. وسئل الإمام أحمد: ما تقول في الرجل يسأل عن الشيء فيجيب بما في الحديث، وليس بعالم بالفتيا؟ قال: ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا، أن يكون عارفاً بالسنن، عالما بوجوه الكتاب، عالما بالأسانيد الصحيحة، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها.ولم يكتف الإمام أحمد بمعرفة المفتي للسنن، فاشترط له المعرفة بأقوال الفقهاء والمجتهدين، قال: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالماً بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي، وقال أيضا: أحب أن يتعلم الرجل كل ما تكلم فيه الناس. وسأله بعضهم: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال: لا قال: فمائتي ألف؟ قال: لا، قال: فثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده هكذا وحركها. وقد خفف علماء الأصول بعد ذلك ـ نزولا على الأمر الواقع في أزمانهم وقالوا: المهم أن يعرف من الأحاديث ما يتعلق بالأحكام، ولا يلزم حفظها عن ظهر قلبه، يكفي أن يكون ممارسا لها، عارفاً بمظانها متوناً وشروحاً، خبيرا بنقدها، تعديلا وتجريحا، قادرا على مراجعتها عند الحاجة إلى الفتوى، ومهما قدر على الحفظ فهو أحسن وأكمل.على أن الحفظ وحده لا يجعل الحافظ فقيهاً، ما لم تكن لديه المقدرة على التمييز المقبول والمردود، والصحيح والمعلول، وكذلك على الاستنباط والترجيح، أو التوفيق بين النصوص بعضها وبعض، وبينها وبين المقاصد الشرعية والقواعد الكلية. قيل للإمام عبد الله بن المبارك: متى يفتي الرجل؟ قال: إذا كان عالماً بالأثر، بصيراً بالرأي. وبهذا لا يكفي الأثر دون الرأي، ولا الرأي دون الأثر. ولا بد للمفتي من ثقافة عامة، تصله بالحياة والكون، وتطلعه على سير التاريخ، وسنن الله في الاجتماع الإنساني، حتى لا يعيش في الحياة هو بعيد عنها، جاهل بأوضاعها.يقول الخطيب البغدادي في “الفقيه والمتفقه” “اعلم أن العلوم كلها أبازير للفقه، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفقيه، لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأمور الناس الجارية بينهم، والعادات المعروفة منهم، فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذكرناه، ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال، والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة، ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهم، وجمع الكتب ومدارستها، ودوام مطالعتها”.
سابعاً: أخلاق المفتي
- ومن أمانة المفتي وتقواه أن يحيل الناس إلى من هو أعلم منه بموضوع الفتوى ولا يجد في ذلك حرجاً في نفسه، وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت للسائل: سل علياً؛ فإنه أعلم مني بهذا، وقد كان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومن ذلك أن يستشير إخوانه من أهل العلم ليزداد ثقة واطمئناناً كما كان يفعل عمر رضي الله عنه حين يجمع الصحابة وفيهم صغار السن من أمثال ابن عباس رضي الله عنهما.
- أن يفتي بما يعلم أنه الحق ويصر عليه ولو أغضب من أغضب من أهل الدنيا.
- أن يرجع عن الخطأ إذا تبين له؛ فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
- أن يتقي الله في فتواه ويفتي بما يراه صواباً دون نظر إلى شخص السائل، يقول العلامة القرافي رحمه الله: ولا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد وآخر فيه تخفيف، أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين ودليل فراغ القلب من تعظيم الله وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله من صفات الغافلين.
[1] الذخيرة للقرافي 10/121
[2] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/10
[3] سورة النساء / 127
[4] سورة النساء / 176
[5] سورة النحل /
[6] سنن الدارمي
[7] سورة الأعراف/33
[8] سورة الأنعام/144
[9] سورة النحل/116
[10] رواه الترمذي من حديث جندب بن عبد الله t
11 رواه الإمام أحمد وابن ماجه