الأوراق العلمية

الزواج المستحدث في ضوء المقاصد الشرعية

مجمع الفقه الإسلامي

دائرة فقه الأسرة

الزواج المستحدث في ضوء المقاصد الشرعية

ورقة مقدمة للمؤتمر الثاني للمجمع

كتبها: عبد الحي يوسف

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

أولاً: تعريفات

يلزم قبل الخوض في هذا الموضوع أن نعرف بأصلي هذا البحث وهما: الزواج والمقاصد

أما الزواج فقد عرفه الفقهاء بتعريفات منها:

تعريف الحنفية بأنه مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر أو كلام الواحد القائم مقامهما، أعني متولي طرفي العقد[1]

وعند المالكية: عقد بين الرجل والمرأة، يبيح استمتاع كل منهما بالآخر، ويبيِّن ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات، ويقصد به حفظ النوع الإنساني[2]

وعند الشافعية: عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمته[3]

وقال الحنابلة:  النكاح هو عقد التزويج، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء[4]

وعرَّفه بعض المعاصرين بقوله: عقد يفيد حِلَّ العشرة بين الرجل والمرأة بما يحقق ما يتقاضاه الطبع الإنساني، وتعاونهما مدى الحياة، ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات[5]

وأما المقاصد فقد عرفها العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى بقوله: هي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة؛ فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها.[6]

ثانياً: الترغيب في الزواج

وقد رغَّب الإسلام في الزواج بصور متعددة الترغيب؛ فتارة يذكر أنه من سنن الأنبياء وهدى المرسلين، وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم )ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية([7] وتارة يذكر في معرض الامتنان )والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات([8] وأحياناً يتحدث عن كونه آية من آيات الله )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون([9] وقد يتردد المرء في قبول الزواج، فيحجم عنه خوفاً من الاضطلاع بتكاليفه، وهروباً من احتمال أعبائه؛ فيلفت الإسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلاً إلى الغنى، وأنه سيحمل عنه هذه الأعباء ويمده بالقوة التي تجعله قادراً على التغلب على أسباب الفقر )وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم([10] وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة  t أن رسول الله r قال {ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف}[11]

ثالثاً: من مقاصد الزواج في الإسلام

  1. الإبقاء على النوع الإنساني، ومن هنا حرمت الشريعة الوأد والإجهاض وكل ما يؤدي إلى القضاء على النفس البشرية؛ والزواج هو أحسن وسيلة لإنجاب الأولاد وتكثير النسل، واستمرار الحياة مع المحافظة على الأنساب التي يوليها الإسلام عناية فائقة، وفي ذلك يقول رسول الله r {تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة}[12]
  2. إيجاد الأسرة السعيدة التي تتألف من الزوجين والأولاد
  3. الشعور بتبعة الزواج، ورعاية الأولاد يبعث على النشاط وبذل الوسع في تقوية ملكات الفرد ومواهبه؛ فينطلق إلى العمل من أجل النهوض بأعبائه، والقيام بواجبه؛ فيكثر الاستغلال وأسباب الاستثمار مما يزيد في تنمية الثروة وكثرة الإنتاج، ويدفع إلى استخراج خيرات الله من الكون وما أودع فيه من أشياء ومنافع للناس.
  4. بالزواج يتوافر سبب من أكبر أسباب العفة، وحفظ الفرج عن الحرام، وحفظ العين عن النظر إلى الحرام؛ فإن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تُلِحُّ على صاحبها دائماً في إيجاد مجال لها، فما لم يكن ثمة ما يشبعها، انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب، ونزعت به إلى شر منزع؛ والزواج هو أحسن وضع طبيعي، وأنسب مجال حيوي لإرواء الغريزة وإشباعها؛ فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس من الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله
  5. وبالزواج تحصل السكينة والاطمئنان لكل من الزوجين بصاحبه؛ لأن الله جعل بينهما مودة ورحمة
  6. وبالزواج يكثر عدد المسلمين تكاثرا شرعيًّا فيه الطهر والصلاح
  7. وبالزواج يخدم كل من الزوجين صاحبه حينما يقوم كل منهما بوظيفته التي تلائم طبيعته كما جعلها الله سبحانه؛ فالرجل يعمل خارج البيت ويكتسب المال لينفق على زوجته وأولاده، والزوجة تعمل داخل البيت، فهي تحمل وترضع، وتربي الأطفال، وتهيئ الطعام لزوجها والبيت والفراش، فإذا دخل متعباً مهموماً ذهب عنه التعب والهموم، واستأنس بزوجته وأولاده، وعاش الجميع في راحة وسرور [13]
  8. ترابط الأسر، وتقوية أواصر المحبة بين العائلات، وتوكيد الصلات الاجتماعية وذلك من المقاصد التي يباركها الإسلام ويعضدها ويساندها؛ فإن المجتمع المترابط المتحاب هو المجتمع القوي السعيد[14]

رابعاً: نماذج للزواج المستحدث

لا بد من التنبيه إلى أن بعض أنواع الزواج التي أذكرها هنا ليست حديثة بالمعنى المراد من الحداثة، وإنما حداثتها تتأتى باعتبار حال الناس في السودان، وطروء هذه الأنواع عليهم.

1ـ الزواج العرفي

وهي ظاهرة كثُر الحديث عنها في الأيام المتأخرة؛ وحقيقتها: اتفاق فتى وفتاة أو رجل وامرأة على الزواج دون علم ولي الفتاة مع جَعْلِ هذا الزواج سراً يتواطأ الزوجان والشهود على كتمانه، وهذه الصورة من الزواج ـ بالوصف الذي ذكرنا؛ لا يمكن عدُّها زواجاً شرعياً وذلك للاعتبارات التي نطقت بها الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة والعقل والواقع وتتمثل في الآتي:

1ـ أن علم الولي بهذا النكاح وإقراره إياه شرط في صحته، وقد ذهب إلى هذا على وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبى ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم: فقالوا لا يصح العقد بدون ولى. وقال ابن المنذر: إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك[15]؛ وذلك لقول النبي e {لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل}[16] وقوله عليه الصلاة والسلام {أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن ولي ها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل}[17] وقوله e {لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن العاهر هي التي تزوج نفسها}[18] وربنا I خاطب بالنكاح الأولياء ولم يخاطب النساء فقال سبحانه )ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا([19] أي لا تُزوّجوهم، وقال سبحانه )فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف[20]( وسبب نزول الآية كما روى الإمام البخاري أن معقل بن يسار t زوّج أخته رجلاً من المسلمين على عهد رسول الله r  فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة؛ فهويها وهويته؛ ثم خطبها مع الخُطّاب؛ فقال له: يا لكع[21] أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها؛ والله لا ترجع إليك أبداً آخر ما عليك. قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها؛ فأنزل الله تبارك وتعالى )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله وأنتم لا تعلمون[22]( فلما سمعها معقل قال: سمعاً لربي وطاعة؛ ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك[23]. قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً؛ فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلى وليها معقل بن يسار t وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء فقال: لا تعضلوهن أن ينكحن  أزواجهن ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن[24].ا.هـ وقال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي من العَصَبَة؛ وذلك أن الله تعالى منع الوليَّ من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك؛ فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها؛ لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها؛ وذلك أنها إن كانت متى ما أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها؛ فلا عضل هنالك لها من أحد؛ فينهى عاضلها عن عضلها، وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقاً لا يصح عقده إلا به.ا.هـ [25]

2ـ أن الزواج الشرعي لا بد فيه من الإشهار وهو أهم من الإشهاد؛ ولذا قال النبي e {أعلنوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف}[26] وقال لعائشة رضي الله عنها {هلا أرسلت من يغنيهم أتيناكم أتيناكم}[27] وأمر عليه الصلاة والسلام من تزوَّج أن يولم ولو بشاة[28]، كل هذا من أجل أن يحصل التفريق بين النكاح الذي مبدؤه الإعلان والإشهار وبين السفاح الذي مبدؤه الإخفاء والإسرار، وهذا الزواج العرفي كما أسموه، يقوم على الكتمان والتخفي وقد قال عليه الصلاة والسلام {الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس}[29] وفي موطأ مالك رحمه الله أن عمر بن الخطاب t أُتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولو كنت تقدَّمت فيه لرجمت.[30]

3ـ وهذا الزواج يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترط فيه الولي والشهود؛ لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه؛ والمقرَّر في فقه الحنفية أيضا أنه إذا خلا عقد الزواج من شهادة الشاهدين يكون عقداً فاسداً لفقده شرطاً من شروط الصحة وهو شهادة الشاهدين[31]

4ـ أن الغرض الأسمى من الزواج الشرعي يتمثل في حصول السكينة والمودة والرحمة كما قال ربنا I )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة[32]( وكما قال عليه الصلاة والسلام {انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما}[33] أي تدوم المودة والألفة، ومن أغراضه كذلك إيجاد الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بطاعة الله، ومن أغراضه حصول التعارف بين الناس بالمصاهرة والنسب كما قال سبحانه )وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً([34] والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الزواج العرفي يتكفَّل بتحقيق تلك الغايات؟ أم أنه مجرد شهوة عارضة ونزوة عابرة؛ دون نظرٍ إلى مستقبل الأيام أو عملٍ على تحقيق مقاصد الشرع من ورائه؟ وكل منصف يعلم أن هذا الزواج مصيره إلى الفشل الذريع، وأن العداوة والبغضاء سرعان ما تدب بين الزوجين المزعومين وخاصة عند ظهور بوادر الحمل على الفتاة.

5ـ الزواج الشرعي يراد به الديمومة والاستمرار إلا إذا قدَّر الله أمراً آخر من وفاة أو طلاق، فهل الذي يُقدم على الزواج العرفي غرضه البقاء مع تلك الزوجة أم أنه يحصر نفسه في قضاء الوطر دون استعداد لتحمل أي مسئولية مادية أو معنوية؟

6ـ يقول النبي e {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}[35] فنقول لمن يقع في مثل هذا الزواج الشائه ويفتي نفسه بحِلِّه: أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟ أتحب أنك في بيتك، أو مشغول بتجارتك أو وظيفتك؛ فتتزوج ابنتك دون علمك؟ إن كنت لا ترضى هذا لنفسك فلمَ ترضاه لبنات المسلمين؟

7ـ يحلو لبعض الناس أن ينسبوا للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يجيز للبنت أن تزوِّج نفسها قياساً على صحة تصرفها في مالها دون إذن وليها، وهذا القول فيه تفصيل ليس هذا مجاله، لكن جمهور العلماء الذين قالوا ببطلان النكاح دون إذن الولي أجابوا على ذلك من وجوه:

أولها: أن هذا القياس مردود بالقادح المعروف عند أهل الأصول بفساد الاعتبار لكونه وارداً في مقابل النص

ثانيها: أن هناك فرقاً مؤثراً بين الفرع المقيس والأصل المقيس عليه إذ العرض أغلى بكثير من المال

ثالثها: أن تصرُّفَ الفتاة في مالها يعود ضرره عليها وحدها، أما التصرف في العرض فإن الضرر يعم الأهل والعشيرة، فلا سواء ولا قريب[36]

تنبيه مهم

في بعض البلاد يطلق هذا اللفظ ـ أعني الزواج العرفي ـ على عقد شرعي صحيح لم يتم توثيقه لدى الجهات الرسمية؛ وذلك لموجب؛ كأن تكون المرأة أرملةً مُصْبِيَةً، ولأولادها معاشٌ يتقاضونه بعد وفاة أبيهم، والقانون يقضي بسقوط هذا المعاش متى ما تزوجت الأم، فهي راغبة في الزواج راهبة من ذهاب المعاش؛ لكون الزوج الجديد غير مستعد للنفقة على أولادها؛ فتلجأ إلى زواج شرعي فيه الولي والشهود وإشهار محدود؛ لتنال المصلحتين معاً، فتعف نفسها وتحصن فرجها، وفي الوقت نفسه يبقى المعاش قوتاً لأولادها وكفايةً لهم، وفي مثل هذا يفتي العلماء بأنه زواج صحيح مستكمل للشروط الشرعية، ففي فتاوى الأزهر سؤال: تزوج رجل ببنت ـ بكراً ـ بموجب عقد عُرفيِّ محرَّر بين الزوج والزوجة من نسختين بحضور شاهدين وهذا العقد عُمِلَ تمهيداً لتتميم عقد رسمي؛ ثم توفى الزوج المذكور ولم يدفع شيئاً من المهر ولم يدخل بها؛ فهل هذه الزوجة تُعتبر زوجة شرعية بموجب هذا العقد حيث أجرى من وكيل الزوجة والزوج المذكورين بإيجاب وقبول شرعيين على كتاب اللّه وسنة رسوله بحضور الشاهدين؟ وهل هذه الزوجة تستحق من تركة زوجها المتوفَّى كل المهر المسمَّى حيث إنها لم تقبض شيئاً من ذلك حال حياته؟ مع العلم بأنه لم يحصل طلاق قبل الدخول؟

الجواب: نفيد أولاً بأنه متى كان الحال كما ذُكر به؛ وحصل عقد الزواج مستوفياً جميع شروطه؛ كان هذا الزواج صحيحاً شرعياً يترتب عليه جميع الآثار التي للزواج الصحيح؛ ولا تتوقف صحته على تدوينه في وثيقة رسمية، وثانياً: أنه متى كان هذا الزواج صحيحاً فللزوجة كمال مهرها المسمَّى فلها أن تقبضه جميعه من تركته، وهذا حيث كان الحال كما ذُكِر بالسؤال، واللّه تعالى أعلم.[37]

2ـ الزواج بنية الطلاق

وهذه القضية يكثر السؤال عنها؛ خاصة من قبل المبتعثين إلى بلاد تكثر فيها الفتن، وتشيع الفواحش، ويكون المقيم بها عُرضةً للوقوع فيما حرَّم الله تعالى؛ فهل يحل له أن يتزوج ـ زواجاً صحيحاً قد استوفى شروطه وأركانه ـ لكنه يُضمر في نفسه أنه متى ما انقضت مدته وانتهت مهمته في البلد التي ذهب إليها طلَّق تلك المرأة، وعاد إلى أهله؟

نقول: مذهب أكثر أهل العلم ـ في القديم والحديث ـ على صحة هذا الزواج، وأن صاحبه لا يأثم؛ لأن النية لا يطلع عليها إلا الله وقد تتغير؛ ولأن النكاح المستكمل للشروط المطلوبة لا يؤثر على صحته إلا ما دل على إنهاء العلاقة من لفظ أو كتابة أو إشارة من الأخرس، أما إضمار الطلاق أو نيته فلا يُعدُّ واحداً منهما طلاقاً ولا يؤثر على النكاح شرعاً؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة t أن رسول الله r قال {إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدَّثت أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به}[38] يقول الدردير رحمه الله تعالى: وحقيقة نكاح المتعة الذي يُفسخ أبدا أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها، وأما إذا لم يقع ذلك في العقد، ولم يُعلمها الزوج بذلك، وإنما قصده في نفسه، وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة؛ فإنه لا يضر وهي فائدة تنفع المتغرِّب[39].

ولبعض العلماء من المحققين المعاصرين رأي يخالف ذلك باعتبار المآلات التي يؤدي إليها هذا النوع من النكاح، يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع “المتعة” يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه يُعدُّ خداعاً وغشّاً، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يُشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات، وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشّاً وخداعاً تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته؛ وهو إحصان كل من الزوجين للآخر وإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة[40]

وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى كلام مشابه في تحريم  هذا الزواج حيث قال رحمه الله: ثم إن هذا القول – أي القول بالجواز – قد يستغله ضعفاء الإيمان لأغراض سيئة؛ كما سمعنا أن بعض الناس صاروا يذهبون في العطلة أي في الإجازة من الدروس إلى بلاد أخرى؛ ليتزوجوا فقط بنية الطلاق، وحُكي لي أن بعضهم يتزوج عدة زواجات في هذه الإجازة فقط، فكأنهم ذهبوا ليقضوا وطرهم الذي يشبه أن يكون زنى والعياذ بالله، ومن أجل هذا نرى أنه حتى لو قيل بالجواز فإنه لا ينبغي أن يفتح الباب لأنه صار ذريعة إلى ما ذكرت لك؛ أما رأيي في ذلك فإني أقول: عقد النكاح من حيث هو عقد صحيح، لكن فيه غش وخداع، فهو يحرم من هذه الناحية؛ والغش والخداع هو أن الزوجة ووليها لو علما بنية هذا الزوج، وأن من نيته أن يستمتع بها ثم يطلقها ما زوَّجوه، فيكون في هذا غش وخداع لهم؛ فإن بيَّن لهم أنه يريد أن تبقى معه مدة بقائه في هذا البلد، واتفقوا على ذلك صار نكاحه متعة؛ لذلك أرى أنه حرام، لكن لو أن أحداً تجرَّأ ففعل فإن النكاح صحيح مع الإثم[41]

ومن أهل العلم من توسط بين القولين فأباح هذا النوع عند الضرورة؛ ففي فتاوى الأزهر: سؤال: هل يجوز خلال بعثة تعليمية خارج البلاد أن يتزوج الإنسان لمدة زمنية محددة ينتهي بعدها العقد أو يتم تجديده؟ الجواب: نكاح المتعة نكاح مؤقت ينتهي بانتهاء المدة المتعاقد عليها بدون طلاق، ولا توارث عند الموت وقد أحلَّه النبي r لظرف طارىء ثم أبطله بعد زوال هذا الطرف واستمر باطلاً إلى يوم القيامة، وعلى نسخه جمهور أهل السنة، وقالوا: إن المقصود من الزواج هو الدوام والاستمرار حتى يكون هناك استقرار في الأسرة لتؤدي رسالتها من الرحمة والمودة والسكن وتربية النسل تربية نظيفة؛ والإمام أبو حنيفة قال: إن عقد الزواج إذا كان محدوداً بمدة معيَّنة عقد صحيح ولكن يُلغى التحديد ولا يُلتزم به، وفي “المغنى” لابن قدامة الحنبلي: لو تزوجها بغير شرط المدة إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد فالنكاح صحيح، وذلك لعدم الشرط في العقد؛ وإن تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معيَّن لم يصح النكاح.

ومن هذا ترى أن الزواج المؤقت بمدة مشروطة صحيح عند أبي حنيفة ويقع مؤبَّداً ويلغى الشرط، وصحيح عند الحنابلة إذا لم يذكر الشرط وكان في نية الزوج أن يطلقها بعد مدة، ولا ينتهي بمضي المدة كما هو في المتعة، لكن لابد فيه من الطلاق وله حكم الزواج العادي من حيث الميراث والنسب وسائر الحقوق؛ ويمكن الاستفادة بهذين الرأيين، ولكن عند الضرورة القصوى، وليس في كل حال، وعدمه أولى، والصبر والتفرغ للعمل أفضل[42]

وللشيخ محمد بن صالح المنجِّد ـ حفظه الله ـ كلام نفيس في الآثار السيئة التي تنتج عن هذا الزواج أنقله بنصه؛ حيث قال: ومَن أفتى من أهل العلم بإباحة ذلك إنما هو لمن يدرس أو يعمل في بلاد غربة ويخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، فهذا يتزوج ولو نوى أن يطلِّق فإنه قد يقدِّر الله بينهما أولاداً فيتعلق بهم وبأمِّهم، وقد يقدِّر الله بينهما عِشْرةً حَسَنَةً فيدوم زواجهما، وليست الفتوى لمن يتقصد السفر من أجل الزواج، وليست الفتوى فيمن يذهب ليلتين لبد فقير فيفض بكارة أنثى أو أكثر! ومن لم يستطع ضبط نفسه في سفر لمدة يومين – وبعضها أعمال دعوية وخيرية – فيحرم عليه السفر أصلاً، ولينظر العاقل في آثار ما يفتي به وما يفعله، وأثر ذلك على الإسلام، فإن الإسلام لم يُشوَّه من أعدائه بقدر ما شُوِّه من أهله بأفعالهم وأخلاقهم. فعلى المسلم الذي يسَّر الله له زوجة – أو أكثر – أن يحمد الله تعالى ويشكره، وعليه أن يلتفت لهنَّ ولأولاده، ليقوم بتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية الحقة، لا أن يكفر هذه النعمة بترك زوجاته وأولاده دون إصلاح وتربية، ويبحث عن ملذات زائلة لا تقيم أسرة ولا تكسب سعادة، فضلاً عن تعرضه للظلم لنفسه ولزوجاته ولأولاده، ولا مانع من أن يتزوج زواجاً شرعيّاً، وقد أباح له الشرع أن يتزوج بأربع نسوة، لكن ليعلم أن الشرع قد رغَّبه بنكاح ذات الدين؛ لأنها ستكون عِرضه وأم ولده وحامية بيته وماله ومربية ولده، فلا يليق بالمسلم أن ينسى مقاصد الزواج وحِكَمه وأحكامه ليقوم بالبحث عن شهوة يقضيها هنا وهناك، ثم الأدهى أن ينسب فعله إلى الإسلام!! ولينظر هذا الزوج إلى آثار فعله من الكذب، وعدم إعطاء نسائه حقهنَّ، وعدم العدل بينهن وبين من يتزوجها، ثم لينظر لنفسه في حسن اختياره للزوجة التي ينوي طلاقها، وإذا أحسن الاختيار فلينظر إلى الأثر الذي سيخلفه وراءه عليها وعلى أهلها، ولينظر لنفسه على أنه مسلم يمثِّل الإسلام بأحكامه وأخلاقه، وخاصة إذا تعلق الأمر بالثقة بهيئته أو ظاهر استقامته، فإنه سيكون سبباً لنزع ثقة الناس بأمثاله، إن لم يؤدِّ إلى ما هو أعظم وأخطر. وقد بلغنا من الآثار السيئة للزواج بنية الطلاق ما يجزم المرء المسلم أن لو وقف العلماء القائلون بإباحته على بعضها لكان لزاماً عليهم أن يمنعوا منه، أو يتوقفوا عن القول بإباحته على أقل تقدير، فبعض هؤلاء الزوجات اتُّهمت بعِرضها وشرفها بعد أن تزوجها مَن ظاهرُه الاستقامة، ثم لما قضى شهوته منها في فندق في بلدها أعطاها مؤخَّرها أو قليلاً من المال وأركبها سيارة أجرة إلى أهلها مطلِّقاً لها!! وبعضهن قد وثق أهلها بهذا “المستقيم في الظاهر” فسلَّمه ابنته – عرضه – دون عقد رسمي ثقة بأنه سيعقد عليها بوكالة في بلده، أو بعد أن يأتي بالتصريح! ثم يقضي شهوته معها ويرجعها إلى أهلها ثيباً بعد أن أخذها بكراً! فانظر أيها العاقل إلى موقف أهلها كيف سيكون أمام جيرانهم وأقربائهم؟ وماذا سيقولون لهم؟ وهل أصبح العِرض سيارةً تُستأجر وتُرجَع بعد انتهاء المدة؟! ألا يخشى هؤلاء أن يعاقبهم الله ببناتهم وأخواتهم؟! وبعض أولئك النسوة عندما علمت أن (مدتها) قد انتهت مع هذا الزوج توسلت له بأن لا يطلقها، وأن يأخذها لبلده – كما أوهمها – خادمة له ولنسائه ولأولاده! وأنها لو رجعت فستتعرض للسوء من أقربائها وجيرانها، وقد يؤدي ذلك لقتلها! وهذا “المستقيم في الظاهر” يرفض هذه التوسلات ويأبى الاستجابة لبكائها وتوسلاتها. وأخرى انتهت (مدتها) وطلَّقها زوجها، واتصل بأخيها ليأخذها لأهلها! فلم يكن منها إلا أن ادَّعت أمام الناس أنه توفي في حادث سيارة! حفاظاً على كرامتها وعرضها من مقالة السوء! فالله المستعان، وعليه التكلان، والله أعلم.[43]

3ـ نكاح المتعة

وهذا النوع ليس بمستحدث ولا جديد إلا باعتبار أن الناس في السودان ـ بحكم كونهم من أهل السنة ـ لم يعرفوا هذا النوع من النكاح، بل إن أكثرهم ما سمع به إلا متأخراً؛ حين ذرَّ الرافضة بقرنهم في هذه البلاد، وصار لهم أتباع يدعون إلى بدعتهم ويحاولون نشر مذهبهم؛ وحُقَّ لأهل هذه البلاد أن يقول قائلهم كما قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: ولقد طوَّفت في الآفاق، ولقيت من علماء الإسلام، وأرباب المذاهب كلَّ صادق، فما سمعت لهذه المسألة بخبر، ولا أحسست لها بأثر، إلا الشيعة الذين يرون نكاح المتعة جائزاً، ولا يرون الطلاق واقعاً، ولذلك قال فيهم ابن سكرة الهاشمي:

يا من يرى المتعة في دينـه           حلاً وإن كانت بلا مهر

ولا يرى تسعين تطليـقة            تُبـــين منه ربة الخدر

من ههنا طابت مواليدكم            فاغتنـموها يا بني الفطر[44]

 فما هو نكاح المتعة؟ وما حكمه؟ عرَّفه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: تزويج المرأة إلى أجل؛ فإذا انقضت وقعت الفرقة[45] وقال ابن قدامة في المغني: معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهراً، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج.ا.هـ[46] وصورته أن يقول: أتمتع بكِ كذا مدة بكذا من المال[47] قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين، وقد كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام، ثم حرَّمه في حجة الوداع؛ فلم يَبْقَ اليوم فيه خلاف بين الأمة إلا شيئاً ذهب بعض الروافض[48] وقال السندي رحمه الله تعالى: المتعة هي النكاح لأجل معلوم أو مجهول كقدوم زيد؛ سُمِّيَ بذلك لأن الغرض منها مجرد الاستمتاع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وهي حرام بالكتاب والسنة، أما السنة فما ذكره المصنف وغيره، وأما الكتاب فقوله تعالى )إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم([49] والمتمتَّع بها ليست واحدة منهما بالاتفاق؛ فلا تحل، أما أنها ليست بمملوكة فظاهر، وأما أنها ليست بزوجة فلأن الزواج له أحكام كالإرث وغيره، وهي منعدمة بالاتفاق.[50]

والخلاصة أن نكاح المتعة قد دلَّت على تحريمه نصوص السنة، واتفق على ذلك أهل العلم ولم يبق مخالف في حرمته سوى الروافض، أما النصوص الدالة على حرمته فهي كثيرة، منها:

1ـ حديث علي t {أن النبي e نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن  لحوم الحمر الأهلية} متفق عليه

2ـ عن سبرة الجهني t أنه غزا مع النبي e فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا رسول الله e في متعة النساء.. إلى أن قال: فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله e. وفي رواية: أنه كان مع النبي e فقال {يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} رواه مسلم

3ـ إجماع العلماء على تحريمه وقد نقل ذلك غير واحد منهم. قال ابن المنذر رحمه الله: جاء عن الأوائل الترخيص فيها، ولا أعلم اليوم أحداً يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله[51]. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض[52]. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى عليِّ، فقد صح عن عليِّ t أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه[53]. وقال الجصاص الحنفي: وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف، ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بيَّنا، وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون[54] وقال المازري: انعقد الإجماع على تحريمه ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة فلا دلالة لهم فيها[55]

وقد كانت المتعة مرخّصا فيها أول الإسلام ثم نُهي عنها. روى الترمذي رحمه الله عن ابن عباس € قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية }إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم{[56] قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام. وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع t قال: رخَّص لنا رسول الله e في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بالحجارة.

وقد روي عن ابن عباس t أنه كان يرخِّص في المتعة؛ لكنه رجع عن ذلك ونفاه وبيَّن مراده بقوله: والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر. روى ذلك عنه البيهقي وأبو عوانة ووكيع. قال الحافظ رحمه الله في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع: فهذه أخبار يقوي بعضها بعضاً.

قال الإمام الشوكاني رحمه الله بعد أن ساق الروايات التي تفيد إباحته عن بعض الصحابة y: وعلى كل حال فنحن متعبَّدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح {إن رسول الله r أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرَّمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته} وبهذا يُعلم أن نكاح المتعة حرام لدلالة النص والإجماع، وابن عباس € لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه والعلم عند الله تعالى[57]. ويقول الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى: والحديث[58] نص صريح في تحريم نكاح المتعة تحريماً أبدياً فلا يغتر أحد بإفتاء بعض أكابر العلماء بإباحتها للضرورة فضلاً عن إباحتها مطلقاً مثل الزواج كما هو مذهب الشيعة[59]

وأما دليل تحريم نكاح المتعة من العقل فهو أن النكاح إنما شُرع ـ في دين الإسلام ـ تحصيلاً للسكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وإقامة لبيت على تقوى من الله ورضوان، على وجه يليق بكرامة الإنسان؛ لا ليتسافد الرجل والمرأة تسافد الحيوان، وفي نكاح المتعة تتداول المرأة كالسلعة من يد إلى يد!! فإذا لم يكن هذا النوع من النكاح زنا فأين الزنا إذن؟ أليس الزنا يقع بتراض بين الطرفين على قضاء الوطر؟ وهل المفاسد المترتبة على نكاح المتعة أقل من تلك التي تنتج عن الزنا؟ فكيف يعرف الناس أبناءهم إذا كان استبراء المتمتَّع بها يقع بحيضة أو حيضتين أو خمسة وأربعين يوماً؟ أليس ذلك مدعاة لاختلاط الأنساب وضياع الأعراض[60]

هذا وبمراجعة كتب الشيعة يعلم المنصف أن تناقضاً بيِّناً قد وقع عند من يقولون بإباحة هذا النوع من النكاح؛ حيث إنهم يفرقون بين المتعة وبين النكاح الشرعي بعدة فروق عجيبة، من ذلك: أنهم يعدونها امرأة مستأجرة، ولا ترث من زوجها، ويجوز للرجل أن يجمع تحته أكثر من أربع يتمتع بهن!!! وتبين بغير طلاق بل بمجرد انتهاء المدة، ولا تحلل المتعة المطلقة لزوجها الأول، ويجوز لرجل المتعة أن ينكح مشركة ولو مجوسية، وعدتها بعد الطلاق شهر ونصف!!! والمتمتَّع بها لها أجر الأيام التي تحضرها!!! وهي لا تُحْصِنُ من تمتع بها، ويجوز أن تنكح ـ متعة ـ امرأة متزوجة!!! ولا لعان في المتعة ولا ظهار ولا إيلاء ولا نفقة ولا خلع ولا سكنى!!! ويجوز في المتعة اشتراط عدم الفض!!! ويجوز العزل في المتعة دون إذن امرأة المتعة!!![61]

4ـ العقد على الحامل من الزنا

صورة هذه المسألة أن بعض الناس قد تضعف نفسه، وتغلب عليه شهوته ـ مع وجود الأسباب المعينة على الزنا من اختلاط وتبرج وغياب لتقوى الله وغياب للرقابة العائلية ـ فيقع في الزنا؛ ويحصل حمل بعد ذلك؛ فيريد الستر على نفسه وعلى من زنا بها، وفي الوقت نفسه لئلا يقارفا جريمة الإجهاض، فيحاول العقد على تلك الحامل التي زنا بها؛ فهل يحل له ذلك؟ وهل العقد صحيح؟ وهل الجنين الذي كان نتاج زنا ينسب إليه؟

اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في نكاح الحامل من الزنا، فقال المالكية[62] والحنابلة[63] وأبو يوسف من الحنفية[64]: لا يجوز نكاحها قبل وضع الحمل، سواء من الزاني نفسه، أو من غيره، لقوله r {لا توطأ حامل حتى تضع}[65] ولما روي عن سعيد بن المسيَّب: أن رجلاً تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي r، ففرَّق بينهما[66].

وذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنا لأنه لا حرمة لماء السفاح بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله r {الولد للفراش وللعاهر الحجر} أخرجه البخاري ومسلم.

أقول: إن في تشجيع من قارف الزنا على التزوج بمن زنا بها خلاصاً من مشكلات كثيرة تنجم عن منعه من الزواج، حيث إن في تزويجهما عوناً لهما على التوبة، واستقبالاً لحياة جديدة يصلحان فيها ما أفسدا، وممن أفتى بذلك من الصحابة أبو بكر الصديق وعبد الله بن مسعود € ففي مصنف عبد الرزاق عن عبد الله بن عتبة قال: سئل أبو بكر الصديق عن رجل زنا بامرأة ثم يريد أن يتزوجها؟ قال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها خروجاً من سفاح إلى نكاح[67] وفي سنن البيهقي عن علقمة بن قيس أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود t فقال: رجل زنا بامرأة ثم تاب وأصلح، أله أن  يتزوجها؟ فتلا هذه الآية )ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم([68] قال: فرددها عليه مراراً حتى ظن أنه قد رخَّص فيها[69].

ونسبة لانتشار الفساد في زماننا أقول: إن القول بمنع تزوُّج الزاني من الحامل التي زنا بها تترتب عليه جملة من المفاسد، منها:

  1. تعريض الحامل من الزنا إلى خطر القتل من قبل أهلها؛ خلاصاً من العار وستراً للعرض، ومعلوم أنها غير مستحقة للقتل إن كانت بكراً
  2. هذه الحامل من الزنا والتي ثُلم عرضها وضاع شرفها قد لا تتوقف عن السير في هذا الطريق المظلم، وتزول هيبة الجريمة من نفسها؛ فتمارسها دون توقف؛ مما يضاعف الشر
  3. تعريض الجنين الذي في بطنها للقتل ـ أي الإجهاض ـ ولربما تعمد أمه إلى طرحه بعد ولادته على قارعة الطريق معرِّضة إياه للبرد القارس أو الحر اللافح والكلاب العقورة، أو تسليمه ـ في أحسن الأحوال ـ لدار رعاية اللقطاء؛ قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له[70].
  4. تعريض الأمن العام للخطر الماحق بما يترتب من غضب الأهل على ضياع العرض؛ حيث يلجأ بعضهم إلى محاولة استنطاق الفتاة لمعرفة من فعل ذلك بها، ومن ثم الانتقام منه بقتله أو إيذائه
  5. لو قيل بالمنع فإننا نقطع الطريق على ستر العرض وحفظ الأمن الاجتماعي؛ حيث ستلوك ألسنة السوء عرض الفتاة وأهلها، ومعلوم أن الستر على الأعراض مقصد شرعي وأمر نبوي؛ حيث قال r للرجل الذي أشار على ماعز بأن يقر على نفسه بالزنا {لو سترته بثوبك لكان خيراً لك}[71] وقال {لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة}[72] وقال {من ستر مسلماً فكأنما استحيا موؤدة من قبرها}[73]
  6. هذا الوضع الذي يجد اللقيط فيه نفسه تنشأ عنه علل نفسية واجتماعية خطيرة؛ حيث يكون هذا المسكين ـ في الغالب ـ حاقداً على المجتمع ومن حوله، ولربما يتعرض لقالة السوء عند أول بادرة خلاف له مع أقرانه، وأشنع هذه الآثار أنه ربما يكون عرضة للردة عن دينه ـ كما حصل في بعض الأحوال ـ عياذاً بالله تعالى

وقد أفتى بذلك علماء الأزهر الشريف ففي فتاوى الأزهر سؤال من السيد وكيل نيابة بور سعيد في كتابه رقم 640 المؤرخ 10/2/1955 والمرفق به المذكرة الخاصة بالجنحة رقم 97 سنة 1955 ثالث – المطلوب بها بيان الحكم الشرعي فيما يأتي:

أولاً: هل يجوز للحامل من زواج صحيح التزوج من آخر قبل الوضع؟

ثانياً: هل يجوز للحامل من سفاح التزوج من آخر قبل الوضع – وهل يمكن العقد عليها في هذه الحالة؟ وهل يكون الزواج صحيحاً أو غير صحيح وفى كلتا الحالتين هل يجب ذكر ذلك في عقد الزواج؟

ثالثاً: هل للمأذون أن يجري في حالة الحمل السفاح العقد من تلقاء نفسه أم يلزم له استصدار أمر من قاضي المحكمة الشرعية؟

الجواب عن الأول: أن المنصوص عليه فقهاً أنه لا يجوز للشخص أن يتزوج زوجة غيره ولا معتدته ولا الحامل من غيره أي من نكاح صحيح لقوله عليه الصلاة والسلام {لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره}[74] وفى رواية أخرى {ملعون من سقى ماؤه زرع غيره} وهو حديث حسن؛ ولأن في ذلك إهداراً لحقِّ الغير وإفضاءً إلى اشتباه الأنساب؛ ولهذا لم يشرع الجمع بين زوجين في امرأة واحدة في دين من الأديان.

عن الثاني: أما العقد على من حملت سفاحاً قبل الوضع، فإن كان ممن حملت منه جاز العقد وحلَّ له وطؤها ودواعيه باتفاق أئمة مذهب أبى حنيفة، وإن كان غيره جاز العقد على المفتى به في هذا المذهب وحرم على الزوج وطؤها ودواعيه حتى تضع حملها للحديث المذكور.

عن الثالث: أما المأذون فإنه متى ثبت لديه من تحرياته الخاصة أن الحمل ليس من زواج شرعي، فإنه يجوز له إجراء العقد من تلقاء نفسه دون استصدار أمر من القاضي الشرعي ولا تبعة عليه في ذلك لأنه لم يخالف القواعد الشرعية ـ كما ذكر – ونرى أن من الأرفق أن يشير في إشهاد الزواج أنها بكر حكماً؛ وبهذا علم الجواب عن هذه الأسئلة، والله I أعلم.[75]

مسألة إثبات نسب ابن الزنا

ونسبة ولد الزنا إلى من زنا بأمه لا يجوز عند الجمهور، في جميع الأحوال، سواء ولد قبل زواج الزاني بأمه، أو كان حملاً حين حصل هذا الزواج. وقولهم مؤسس على قول النبي r {الولد للفراش وللعاهر الحجر}[76] فلا يثبت النسب إلا بقيام الزوجية الصحيحة شرعاً؛ ثم إن الاحتياط في إثبات النسب يتأتى من جهة أن إثبات أبوة الزاني لهذا الولد يترتب عليه أحكام عظيمة ككونه يرث من ذلك الأب، وكون الولد محرماً لأم الزاني وأخته وبناته من غير المزني بها[77].

ويرى بعضهم أن نسب ولد الزنا يثبت إذا وضعته أمه بعد تمام ستة أشهر من عقد النكاح، وأما إذا كان قبل ذلك فإنه لا يثبت؛ وذلك لأن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر باتفاق أهل العلم.

وخالف في ذلك عروة وإسحاق بن راهويه وسليمان بن يسار وأبو حنيفة فأجازوا إلحاق الولد بالزاني في حال زواجه بالزانية؛ حفظاً لنسبه من الضياع ولئلا يعيَّر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وإن استلحق ولده من الزنا ـ ولا فراش[78] ـ لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق[79]

ويقول رحمه الله: إن لم تكن المرأة –أي المزني بها- فراشاً قولان للعلماء، والنبي r قال {الولد للفراش وللعاهر الحجر}[80] فجعل الولد للفراش دون العاهر، فإن لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث، وقد ألحق عمر أولاداً ولدوا في الجاهلية بآبائهم، وليس هذا موضع بسط المسألة[81]

ومن المعاصرين الذين رجحوا هذا القول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله حيث قال: جاء عن عَدَد من فقهاء السلف عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، أنهم أجازوا استلحاق ولد الزنا إذا لم يكن فراش، أي لم تكن المرأة متزوجة ـ بأن لم تتزوج قَطُّ، أو كانت مُطلَّقة، أو أرملة ـ وادَّعى مُدَّعٍ أن هذا ولده، جاز أن يُستلْحَق ولد الزنا، ورَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث {الولد للفراش وللعاهر الحَجَر} قال: فإن قيل: فقد دل الحديث على حُكم استلحاق الولد للفراش؛ فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يُعارِضه، هل يُلْحِقَه نَسبَه، ويُثبِت له أحكامَ النسبِ؟ قيل: هذه مسألة جليلة، اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنا إذا لم يكن مولودًا على فراش يَدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحِقَ به، وأوَّلَ قول النبي r {الولد للفراش} على أنه حُكِم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش، وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدًا، فادَّعى ولدَها، فقال: يُجلَد ويَلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار؛ ذُكر عنهما أنهما قالا: أيَّما رجل أتى إلى غلام يَزعُم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يَدَّعِ ذلك الغلام أحد، فهو ابنه، واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب r كان يُليط[82] أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من {الولد للفراش} وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمه، ويُنسَب إليها وتَرِثه ويَرِثها، ويَثبُت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زَنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنها، فما المانع من لُحوقه بالأب إذا لم يَدَّعِه غيره؟ فهذا مَحْضُ القياس، وقد قال جريج للغلام الذي زَنَتْ أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذب”[83]
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة t {وكان جريج رجلاً عابدًا  فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتْه أمه وهو يُصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفتْ، فلما كان من الغَدِ أتتْه وهو يُصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تُمِتْه حتى يَنظر إلى وجوه المُومِسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأةٌ بَغِيّ يُتَمثَّل بحُسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم، قال: فتعرضتْ له فلم يلتفتْ إليها، فأتتْ راعيًا كان يَأويْ إلى صومعتِه فأمكنتْه من نفسها، فوقَعَ عليها، فحملتْ، فلما ولدتْ قالت: هو مِن جريج.  فأتوه فاستنزلوه وهدمُوا صومعتَه وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدتْ منك! فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به. فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ـ وفي رواية: أنه مَسَحَه على رأسه ـ وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلونه ويَتَمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذَهَب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا}.

فابن القيم يستدل بهذا على أنه قال: مَنْ أبوك؟ قال فلان الراعي، وطبعًا الذي أنطقه هو الله، لأنه نطق خارق للعادة، كرامة من الله لهذا الرجل الصالح، فلا يمكن الكذب فيه، فنَسَبَه إلى هذا الأب، والأصل أنَّ شَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يُخالِف شرعَنا ـ على رأي جمهور الأصوليين (ذهب إلى هذا أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو الذي صار إليه الفقهاء، كما نقل ذلك الشوكاني في “إرشاد الفحول: 2/ 257 ـ 258 بتحقيق د. شعبان محمد إسماعيل) .
فهنا استدل ابن القيم ـ ومِن قَبلِه ابن تيمية (انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية: ص 165، ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبري، ط. فرج الله الكردي) ـ بهذا الحديث على أنه إذا استلحق ولدَه من الزنى ولا فراش، لَحِقَه، وهذا مذكور في كتب الحنابلة المتأخرين مثل (الفروع) (انظر كتاب “الفروع” لأبي عبد الله شمس الدين بن مفلح: ج5 ص 526، ط2، 1383هـ ـ 1963م. وكذلك كتاب “المبدع في شرح المقنع” لأبي إسحاق برهان الدين بن مفلح: ج8 ص106، ط المكتب الإسلامي) وغيره، والله أعلم.[84]

5ـ زواج المسلمة من الكتابي

وهذه مسألة لم يقع فيها خلاف بين أهل العلم لا في القديم ولا في الحديث، بل الإجماع منعقد عليها؛ لكنني مضطر إلى ذكرها؛ لأن بعض الناس قد فاه بالكذب في هذا الزمان؛ فقال ـ افتراء على الله ـ (إن من حق المرأة أن تتزوج كتابياً مسيحياً كان أو يهودياً)[85]!!  وهو بذلك قد أحدث قولاً لم يُسبق إليه، وخالف بذلك إجماع المسلمين، وحري أن يذكر بقول ربنا Y )ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا([86] وقد نطقت أدلة القرآن بتحريم هذا الزواج وبطلانه لو وقع، ومن ذلك قوله تعالى )ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا([87] وقوله سبحانه )ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم([88]  وأما الإجماع على فساد هذا النكاح فقد نقله غير واحد من أهل العلم، في شرح مختصر خليل للخرشي قال: والحاصل أن الإجماع منعقد على حرمة نكاح الكافر المسلمة ويُفسخ.[89]ا.هـ وفي فقه السنة ـ وهو الكتاب الذي لا يكاد يخلو منه بيت مسلم ـ قال الشيخ سيد سابق رحمه الله تعالى: أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، سواء أكان مشركاً أو من أهل الكتاب.[90]ا.هـ وفي جامع البيان قال الإمام الطبري: القول في تأويل قوله تعالى )ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم( يعني تعالى ذكره بذلك: أن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان، فلا تُنكحوهن أيها المؤمنون منهم؛ فإن ذلك حرام عليكم، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من  عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حرٍّ مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه .. عن قتادة والزهري في قوله )ولا تنكحوا المشركين( قال: لا يحل لك أن تنكح يهودياً أو نصرانياً ولا مشركاً من غير أهل دينك[91]. وقال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه الجامع لأحكام القرآن: وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.[92]ا.هـ

ويقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى: وإذا كان المنتقد لا يرضيه من الأدلة على حظر تزويج المسلمة للكتابي السنةُ المتبَعة وإجماعُ الأمة والقياسُ الجليُّ المأخوذ من العلة المنصوصة في القرآن، وإن شئت قلت: وفحوى القرآن وبعض الظواهر العامة، بل يطلب عليه نصًّا أصوليًّا لا يحتمل التأويل، فهذا التزام لم يلتزمه أحد من السلف ولا من الخلف في شيء من أحكام الدين العملية، فهذه هيئة الصلاة التي هي عماد الدين، لم ترد في نصوص القرآن القطعية ولا غير القطعية، فأين النص فيه على أن الصلوات خمس: واحدة منها ركعتان، وواحدة ثلاث ركعات، والبواقي رباعيات؟ وأين النص فيه على توحيد الركوع وتثنية السجود ؟ وإنما ثبتت هذه الأركان بالسنة والإجماع[93].

نقول: إن العلماء مجمعون على تحريم تزويج المسلمة من الكتابي، بل إنهم أجمعوا على أن الكافر ـ كتابياً أو غيره ـ لا يكون ولياً في نكاح مسلمة، في المغني لابن قدامة الحنبلي رحمه الله قال: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.ا.هـ[94]

وبعض الناس قد يشغب بمتشابه القرآن ـ شأن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ـ فيقارن بين تزويج الكتابية من المسلم دون العكس، وفي توضيح الفارق بين الأمرين نقول: إن الإسلام يجيز زواج المسلم من غير المسلمة (مسيحية أو يهودية) ولا يجيز زواج المسلمة من غير المسلم، لأن كل تشريعات الإسلام مبنية على حكمة معينة ومصلحة حقيقية لكل الأطراف؛ قال الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى: لماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب؟ والجواب من جانبين:

الأول: أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والقوامة في الزواج قطعاً لجانب الرجولة، فقد يؤثر الرجل على امرأته فلا تستطيع القيام بدينها كما يجب، وقد تترك دينها بالكلية. وكذلك الأولاد سيكونون تابعين لأبيهم في الدين.

والجانب الثاني: شمول الإسلام وقصور غيره، وينبني عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية، فهو يؤمن بكتابها ورسولها، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة، فسيكون هناك مجال للتفاهم، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها، أما الكتابي إذا تزوج مسلمة، فهو لا يؤمن بدينها، فلا تجد منه احتراماً لمبدئها ودينها، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام، وإذاً فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية، فمنع منه ابتداءً. اهـ[95] بتصرف

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى في الظلال: زواج الكتابي من مسلمة محظور، لأنه يختلف في واقعه عن زواج المسلم بكتابية ـ غير مشركة ـ وهنا يختلف في حكمه… إن الأطفال يدعون لآبائهم بحكم الشريعة الإسلامية، كما أن الزوجة هي التي تنتقل إلى أسرة الزوج وقومه وأرضه بحكم الواقع، فإذا تزوج المسلم من الكتابية ـ غير المشركة ـ انتقلت هي إلى دار قومه، ودعي أبناؤه منها باسمه، فكان الإسلام هو الذي يهيمن ويظلل جو المحصن، ويقع العكس حين تتزوج المسلمة من كتابي، فتعيش بعيداً عن قومها، وقد يفتنها ضعفها ووحدتها هنالك عن إسلامها؛ كما أن أبناءها يدعون إلى زوجها، ويدينون بدين غير دينها، والإسلام يجب أن يهيمن دائماً.ا.هـ[96]

وقد يقول بعض الناس: إن اليهود والنصارى ليسوا مشركين أو كفاراً، فنقول جواباً على ذلك: قد دلَّ القرآن والسنة والإجماع على أن من دان بغير الإسلام فهو كافر، ودينه مردود عليه وهو في الآخرة من الخاسرين؛ قال تعالى )ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين([97] وجاء النص القاطع بأن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد e أو أشركوا مع الله غيره، أو جحدوا بنبوة نبي من الأنبياء أنهم كفرة، ولا يدفع عنهم الكفرَ إيمانُهم أو التزامهم بكتبهم، فلو آمنوا حقاً بالنبي والكتاب لآمنوا بجميع الأنبياء والرسل. قال الله تعالى )إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا $ أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا([98] وقال تعالى )يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون([99] وقال )قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون([100] وقد كان ذلك خطاباً لأهل الكتاب المعاصرين  للنبي e وهم يؤمنون بعيسى  والإنجيل، وبموسى والتوراة. وقال تعالى )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم([101] وقال تعالى )اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون([102] وقال تعالى )لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة([103]
فكونهم أهل كتاب لا يمنع من كونهم كفاراً، كما نطق بذلك كتاب الله؛
وأما إباحة طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم فإنه لا ينافي الحكم بكفرهم، فإن الذي أباح طعامهم ونكاح نسائهم، هو الذي حكم بكفرهم، ولا راد لقضائه ولا معقِّب لحكمه جل وعلا، ولو قال قائل: فما وجه وعد الله إياهم بالجنة في قوله سبحانه )إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون([104] نقول: إن هذا الوعد إنما هو للموحدين منهم الذين آمنوا بنبيهم ولم يشركوا بالله أحداً ولم يدركوا بعثة نبينا محمد e. وهذا ما اتفق عليه أهل التفسير والعلم بكتاب الله U، ويؤيده أن  من اعتقد ألوهية عيسى أو بنوته لله أو أعتقد أن الله فقير أو يمسه اللغوب والتعب فليس مؤمناً بالله حقيقة؛ وكذلك من اعتقد أن عيسى u هو الذي يحاسب الناس يوم القيامة ويجعل النار لمن لم يؤمن بألوهيته أو بنوته، من اعتقد ذلك لم يكن مؤمناً باليوم الآخر حقيقة، ولهذا وصف القرآن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، فقال تعالى )قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون[105](
نقول: إن كفر اليهود والنصارى يُعدُّ من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى أو شك في ذلك فهو كافر؛ قال القاضي عياض في كتابه الشفا، في سياق ذكره ما هو كفر بالإجماع: ولهذا نكفِّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو توقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك)[106]

ولا يتنافى اعتقادنا بكفرهم مع برنا إياهم وعدلنا معهم وقيامنا بما أوجب الله علينا نحوهم في قوله سبحانه )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين([107]

[1] حاشية ابن عابدين 3/3

[2] مدونة الفقه المالكي 2/491

[3] مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج 12/16

[4] كشاف القناع عن متن الإقناع 16/390

[5] عقد الزواج  لأبي زهرة/39

[6] مقاصد الشريعة الإسلامية/251

[7] سورة الرعد/38

[8] سورة النحل/72

[9] سورة الروم/21

[10] سورة النور/32

[11] رواه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد من حديث أبي هرير ة t

[12] رواه أحمد من حديث أنس t وأبو داود من حديث معقل بن يسار t

[13]  دين الحق 1/118

[14] فقه السنة 2/331

[15] المجموع شرح المهذب 16/149

[16] رواه البخاري في كتاب النكاح من حديث أبي موسى الأشعري t

[17] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه وأبو عوانة وابن حبان والحاكم عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة

[18] حديث أبى هريرة رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي لفظة (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) قال ابن كثير: الصحيح وقفه على أبى هريرة، وقال ابن حجر: رجاله ثقات وفى لفظ للدارقطني: كنا نقول: التي تزوج نفسها هي الزانية. قال ابن حجر: فتبين أن هذه الزيادة من قول أبى هريرة: وكذلك رواها البيهقي موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى. انظر تكملة المجموع شرح المهذب 16/148

[19] سورة البقرة/221

[20] سورة البقرة/232

[21] معناها يا لئيم أو يا أحمق

[22] سورة البقرة/232

[23] رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن وكتاب الأحكام وكتاب النكاح

[24] سنن الترمذي، ورقم الحديث 2907

[25] جامع البيان  5/27

[26] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ابن حبان، قال الحافظ رحمه الله: وإسناده ضعيف

[27] رواه أحمد وابن ماجه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

[28] رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف t ومسلم من حديث أنس بن مالك t

[29] رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان t

[30] رواه مالك في الموطأ في كتاب النكاح/ باب جامع ما لا يجوز من النكاح

[31] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 5/338

[32] سورة الروم/21

[33] رواه الترمذي من حديث أبي هريرة t والنسائي وابن ماجه من حديث المغيرة بن شعبة t

[34] سورة الفرقان/54

[35] رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك t

[36] يراجع في ذلك رسالة (الزواج العرفي) للشيخ الأستاذ/ الأمين الحاج محمد

[37]  فتاوى الأزهر 1/236

[38] ر واه الشيخان من حديث أبي هريرة t

[39] الشرح الكبير 2/239

[40] نقلاً عن فقه السنة 2/39

[41] من أسئلة لقاء (الباب المفتوح) سؤال رقم 1391

[42] فتاوى الأزهر 9/469

[43] من موقع (الإسلام سؤال وجواب)

[44] نقلاً عن أضواء البيان 1/156

[45] فتح الباري 14/366

[46] المغني 15/254

[47] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 5/289

[48] عون المعبود 4/462

[49] سورة المؤمنون/6

[50] حاشية السندي على ابن ماجه 4/209

[51] الإجماع لابن المنذر/65

[52] شرح صحيح مسلم 9/181

[53] معالم السنن 3/256

[54] أحكام القرآن 2/153

[55] المعلم 2/131

[56] سورة المؤمنون/6

[57] نيل الأوطار 10/16

[58] يعني ما رواه مسلم في صحيحه عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه مرفوعاً أن رسول الله r نهى عن المتعة (زمان الفتح متعة النساء)، وقال {ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة}

[59] السلسلة الصحيحة 3/8

[60] نقلت مجلة الشراع الشيعية في عددها رقم 684 السنة الرابعة/ص 4 أن رفسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة!!!  وقالت: إن رفسنجاني هدد بتعطيل زواج المتعة بسبب المشكلات الكثيرة التي خلفها

[61] أورد ذلك كله الأستاذ/ يوسف جابر المحمدي في كتابه (تحريم المتعة في الكتاب والسنة) نقلاً عن المراجع المعتمدة عند الشيعة ككتاب (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) وكتاب  (جواهر الكلام) وكتاب (المحجة البيضاء في فهم تهذيب الإحياء) وكتاب (تبصرة المتعلمين في أحكام الدين) وكتاب (زبدة الأحكام) وكتاب (المتعة ومشروعيتها في الإسلام) وكتاب (مستدرك الوسائل) وكتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) بالإضافة إلى (الكافي) و (بحار الأنوار)

[62] قال المالكية رحمهم الله: من عقد على امرأة في مدة الاستبراء وجب فسخ العقد، سواء كان الزنا منه أو من غيره، فإن دخل بها بعد أن عقد عليها تأبد تحريمها عليه إن كان الاستبراء من ماء غيره،  سواء كان دخوله بها في مدة الاستبراء أو بعده،  فلا يجوز له بعد فسخ النكاح أن يعقد عليها من جديد، إلا إذا كان الذي عقد عليها ودخل بها في زمن الاستبراء هو الزاني نفسه الذي تستبرئ هي من مائه فإن النكاح يفسخ من غير طلاق، ولا توارث فيه، ولا عدة وفاة، ويلحق فيه الولد إن حملت به بعد حيضة من العقد عليها، وأتت به لستة أشهر من يوم النكاح، وما كان قبل ذلك فهو من الزنا لا يلحق به، ولا يتأبد على الزاني بها تحريمها؛ فله أن يعقد عليها عقداً جديداً بعد فسخ النكاح الأول. انظر: مواهب الجليل 2/431، وشرح الخرشي 3/255، وشرح الزرقاني 4/4، وحاشية الدسوقي 2/295

[63] قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 5/646 بعد قوله: ومن محاسن مذهب الإمام أحمد أن حرَّم نكاحها ـ أي الزانية ـ بالكلية حتى تتوب… إلى أن قال: من جوز العقد على الزانية ووطئها قبل استبرائها حتى لو كانت حاملاً أن لا يوجب استبراء الأمة إذا كانت حاملاً من الزنا، بل يطؤها عقيب ملكها، وهو مخالف لصريح السنة؛ فإن أوجب استبراءها نقض قوله بجواز وطء الزانية قبل استبرائها، وإن لم يوجب استبراءها خالف النصوص، ولا ينفعه الفرق بينهما بأن الزوج لا استبراء عليه بخلاف السيد؛ فإن الزوج إنما يجب عليه الاستبراء لأنه لم يعقد على معتدة ولا حامل من غيره؛ بخلاف السيد ثم إن الشارع إنما حرم الوطء بل العدة خشية إمكان الحمل فيكون واطئاً حاملاً من غيره، وساقياً ماءه لزرع غيره، مع احتمال أن لا يكون كذلك؛ فكيف إذا تحقق حملها، وغاية ما يقال: إن ولد الزانية ليس لاحقاً بالواطئ الأول؛ فإن الولد للفراش  وهذا لا يجوز إقدامه على خلط مائه ونسبه بغيره، وإن لم يلحق بالواطئ الأول فصيانة مائه ونسبه عن نسب لا يلحق بواضعه لصيانته عن نسب يلحق به. والمقصود أن الشرع حرم وطء الأمة الحامل حتى تضع سواء كان حملها محرماً أو غير محرم، وقد فرق النبي بين الرجل والمرأة التي تزوج بها فوجدها حبلى، وجلدها الحد وقضى لها بالصداق، وهذا صريح في بطلان العقد على الحامل من الزنا، وصح عنه أنه مر بامرأة محج على باب فسطاط؛ فقال {لعل سيدها يريد أن يلم بها؟} قالوا: نعم. قال {لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره. كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ كيف يورثه وهو لا يحل له؟} فجعل سبب همه بلعنته وطأه للأمة الحامل، ولم يستفصل عن حملها هل هو لاحق بالواطئ أم غير لاحق به؟

[64] قال ابن قدامة في المغني: وإذا زنت المرأة، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين؛ أحدهما: انقضاء عدتها؛ فإن حملت من الزنا فقضاء عدتها بوضعه، ولا يحل نكاحها قبل وضعه، وبهذا قال مالك وأبو يوسف. انظر المغني 15/170

[65] رواه أبو داود والحاكم وصححه

[66] رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/156

[67] المصنف برقم 12795

[68] سورة النحل/ 119

[69] السنن الكبرى 7/156

[70]  قال ابن قدامة في المغني: وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأساً إذا زنا الرجل بالمرأة….الخ انظر المغني 14/7

[71] رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي

[72] رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة t

[73] أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان واللفظ له والحاكم، قال الألباني رحمه الله في غاية المرام 1/239: ضعيف

[74] رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث رويفع بن ثابت الأنصاري t

[75] فتاوى الأزهر  1/358

[76] رواه البخاري ومسلم

[77]

[78] يعني إذا لم تكن الأم فراشاً لغير هذا المستلحِق

[79] الاختيارات الفقهية لابن تيمية/400

[80] سبق تخريجه

[81] مجموع الفتاوى 32/113

[82] أي يلحق؛ قال الزمخشري: وكان عمر t يليّط أولاد الجاهلية بآبائهم: يلحقهم بهم. قال: رأيت رجالاً ليّطوا ولذةً بهم … وما بينهم قربى ولا هم لهم ولد. انظر أساس البلاغة 1/433

[83] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: واستدل بعض المالكية بقول جريج {من أبوك يا غلام} بأن من زنا فولدت بنتاً لا يحل له التزوج بتلك البنت خلافاً للشافعية؛ ولابن الماجشون من المالكية، ووجه الدلالة أن جريجاً نسب ابن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك، وقوله: أبي فلان الراعي؛ فكانت تلك النسبة صحيحة؛ فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة، خرج التوارث والولاء بدليل؛ فبقي ما عدا ذلك على حكمه 10/239

[84]

[85] الكلام منقول بنصه من جريدة رأي الشعب في عددها رقم 81/ الصادر بتاريخ 9/ربيع أول/1427 الموافق 8/4/2006 الصفحة الأولى

[86] سورة النساء/115

[87] سورة النساء/ 141

[88] سورة البقرة/ 221

[89] شرح مختصر خليل للخرشي 10/482

[90] فقه السنة 2/105

[91] جامع البيان 2/379

[92] الجامع لأحكام القرآن 3/72

[93] المنار 4/314

[94] المغني لابن قدامة 7/21

[95] أضواء البيان 8/164-165

[96] في ظلال القرآن 1/235

[97] سورة آل عمران/ 85

[98] سورة النساء/ 150-151

[99] سورة آل عمران/ 70

[100] سورة آل عمران/ 98

[101] سورة المائدة/ 17

[102] سورة التوبة/ 31

[103] سورة البينة/ 1

[104] سورة البقرة/ 62

[105] سورة التوبة/ 29

[106] الشفا بتعريف حقوق المصطفى e 2/286

[107] سورة الممتحنة/ 8

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى