التأخر عن الإمام في الصلاة
فضيلة الشيخ د. أبو عمر عبد الحي يوسف؛ لك مني كل الحب في الله، وأساله تعالى أن يحفظك.
1/ هناك بعض المصلين يظلون ساجدين رغم أن الإمام كبر ورفع، ويبقون ساجدين لمدة ليست بالقليلة، ما حكمها؟
2/ هناك بعض الواعظين عندما ينتهون من أداء الدرس يرفعون أيديهم ويدعون، ماذا عليَّ أن أفعل؟ أأرفع يديَّ وأؤمن؟
3/ بعد قراءة الإمام وقبل الركوع للركعة الثانية من صلاة الصبح؛ يأخذ الإمام فترة صمت للقنوت، هل لها أصل؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأحبك الله الذي أحببتني فيه، أما بعد.
فالواجب على المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولا يتقدم عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه} وقال أبو هريرة رضي الله عنه {الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان} وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ركب فرساً فصُرع فجحش شقه الأيمن؛ فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد؛ وصلينا وراءه قعوداً فلما انصرف قال {إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا صلي قائماً فصلوا قياماً؛ وإذا ركع فأركعوا وإذا رفع فارفعوا؛ وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون} رواهما مالك في الموطأ. والناس مع الإمام على أحوال أربعة وهي: المسابقة والمماثلة والمخالفة والموافقة؛ فالمسابقة أن يسبق المأموم إمامه بالركوع والسجود والقيام وهي محرمة، والمماثلة أن يركع ويرفع ويسجد معه وهي مكروهة، والمخالفة أن يتأخر عنه كما ورد في السؤال وهي مكروهة كذلك؛ أما الموافقة فهي أن يوقع الفعل عقيب الإمام فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يماثله
وأما الدعاء عقيب الدروس فينبغي لك التأمين عليه ورفع اليدين؛ فإن حِلَق العلم من مظان الإجابة؛ لكونها محفوفة بالملائكة مغشية بالسكينة، وتتنزل على أهلها رحمات ربنا، وما زال أهل العلم الطيبون يختمون حلقهم بالدعاء ويؤمِّن على ذلك الحاضرون رجاء الإجابة، ومن أصح ما ورد في فضل الدعاء الجماعي في المسجد وغيره ما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول: هل رأوني، فيقولون: لا والله ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يتعوذون من النار؟ قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم}
قال ابن تيمية رحمه الله: الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن إذا لم يتخذ سنة راتبة ولا اقترن به منكر من بدعة.ا.هــــــــــــ وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله: هل يكره أن يجتمع القوم يدعون الله ويرفعون أيديهم؟ قال: ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا. قال ابن منصور: يعني يتخذوه عادة.ا.هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما القنوت في صلاة الفجر فهذه المسألة الناس فيها تبع لإمامهم فإذا قنت قبل الركوع سراً كانوا معه، وإذا قنت بعد الركوع جهراً فعلوا مثل الذي فعل وذلك بالتأمين على دعائه؛ لأن تحصيل مذهب مالك رحمه الله أن القنوت في صلاة الصبح يكون قبل الركوع سراً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع وبعده؛ ففي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أنه سئل: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم. فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟ قال: بعد الركوع يسيرا. وفي رواية ابن ماجه عن أنس: كنا نقنت قبل الركوع وبعده. وقد قالوا: إن أول من جعل القنوت دائماً قبل الركوع عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ اجتهاداً منه حتى يدرك المسبوق الركعة. هكذا نقل الحافظ رحمه الله في الفتح. والله تعالى أعلم.