لا نكاح إلا بوليّ
أحسن الله اليكم شيخنا الحبيب، مسألة النكاح بولي هل هناك نصّ ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لا نكاح الا بولي، وكذلك سمعت أن بعض الصحابة من حوزوا النكاح بلا ولي كعلي رضى الله عنه (أنه إذا دخل بها بعد النكاح بلا ولي جاز) أخرجه ابن ابي شيبة وعبد الرزاق، ومن التابعين كذلك الزهري وعطاء جوزا النكاح بلا ولي، وحديث المستدل في هذا الباب معلّ أعلّه البخاري وابن معين؟ هل من تفصيل في هذه المسألة شيخنا وجزاكم الله خير الجزاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى أله وصحبه أجمعين، أما بعد
فإن القول باشتراط الولي في صحة النكاح هو قول جمهور العلماء – منهم المالكية والشافعية والحنابلة – وذلك لأن الله تعالى ما خاطب بالنكاح النساء بل خاطب أولياءهن فقال سبحانه {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} وقال جل من قائل {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) رواه أحمد وأبو داود، وهذا الحديث رَوَتْهُ عَائِشَةُ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ {: لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ}. فَقَالَا: صَحِيحٌ.
وقال عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. فنكاحها باطل. فنكاحها باطل) رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطي والألباني. فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. قُلْنَا لَهُ: لَمْ يَقُلْ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٌ غَيْرُ ابْنِ عُلَيَّةَ، كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً ; لِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَهُ ثِقَاتٌ عَنْهُ، فَلَوْ نَسِيَهُ الزُّهْرِيُّ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ إنْسَانٌ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَسِيَ آدَم، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ).
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في (المغني): النكاح لَا يَصِحُّ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا تَوْكِيلَ غَيْرِ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا. فَإِنْ فَعَلَتْ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَأَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ.ا.هــــ كلامه رحمه الله تعالى.
وأما الحنفية رحمهم الله فقد أجازوا نكاح المرأة نفسها ولم يشترطوا الولي؛ استدلالا بقياس تصرفها في نفسها على تصرفها في مالها؛ حيث أباحت لها الشريعة ذلك؛ وقد أجاب الجمهور على ذلك من ثلاثة أوجه:
أولها: القدح في ذلك القياس بالقادح المسمى فساد الاعتبار؛ لأنه قد ورد في مقابل النصوص الصحيحة.
ثانيها: أنه قياس مع الفارق لأن العرض أغلى من المال وأعز.
ثالثها: أن تصرفها في مالها يعود ضرره عليها وحدها، أما تصرفها في نفسها بتزويجها من غير كفء فإن الضرر يعود على الأسرة والقبيلة، والله تعالى أعلم.