صيوان العزاء
ما حكم رفع اليدين بالفاتحة عند التعزية؟ وما حكم الصيوان للعزاء؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن في التعزية عدة فوائد: إحداها: تهوين المصيبة على المعزَّى وتسليته عنها وحضه على التزام الصبر واحتسابه الأجر والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله تعالى، الثاني: الدعاء بأن يعوضه الله عن مصابه جزيل الثواب، الثالث: الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له. ولا حرج في رفع اليدين بالدعاء للميت حال تعزية أهله؛ فإن ذلك مما يهون المصيبة عليهم، ولربما يدخل السرور عليهم.
وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده، لكن بعد الدفن أحسن وأفضل؛ لأن أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر؛ فكان ذلك الوقت أولى بالتعزية.قال النووي: قال أصحابنا: إلا أن يظهر فيهم جزع ونحوه فيعجل التعزية ليذهب جزعهم أو يخف.
وينبغي للناس أن يجتنبوا إقامة المآتم وعمل الولائم؛ لما في ذلك من عدم إظهار الرضا بالقضاء، ولما فيه من مخالفة السنة، والواجب أن يصنع لأهل الميت طعام؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام من النياحة} قال النووي في المجموع5/279: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها. وقال الشافعي رحمه الله في الأم 1/248: وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر. ونص الكمال بن الهمام في شرح الهداية 1/473 على كراهة اتخاذ الضيافة من أهل الميت وقال: وهي بدعة قبيحة. وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير 1/420: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة.أ.هـ وقال الخرشي في حاشيته على خليل 2/130: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فهو بدعة مكروهة لم ينقل فيه شيء وليس ذلك موضع ولائم.أ.هـ وقال الشيخ عليش في منح الجليل1/500: في شرحه لقول خليل (وتهيئة طعام لأهله) أي الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم الإهداء لهم؛ لأنه يعينهم على الحرام، وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة، إن لم يكن في الورثة صغير، وإلا فهو حرام، ومن الضلال الفظيع والمنكر الشنيع والشماتة البينة والحماقة غير الهينة تعليق الثريات، وإدامة القهوات في بيوت الأموات، والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات. ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام، ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته، وهول السؤال، ولا فيما انتهي إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقمع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت، وأنهم مخلدون بعده لقلنا: إنما يفعلونه فرحاً بذلك ولكن الهوى أعماهم وأصمهم، وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة، والمباهاة ومحمدة الناس والزيادة، فهل في ذلك خير؟ كلا بل هو شر وخسران وضير.أ.هـ وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني 2/215: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس، فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلاً إلى شغلهم، وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية. وروي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النوح. قال ابن قدامة: وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه.أ.هـ
والسنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاماً يشبعهم؛ لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم} رواه أحمد وأبو داود والحاكم
قال الشافعي رحمه الله في الأم 1/247: وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم، فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا.