العقيدة

هل يجوز عمل هذا السِحر؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لديَّ سؤال يا شيخ ويهمني إجابته العاجلة إذا تكرمتم

السؤال: شخص متزوج ومرتاح بزواجه وحياته، لكنه يريد الزواج من أخرى، وفي نفس الوقت لا يريد أن يخسر زوجته الأولى بسبب زواجه من أخرى؛ حيث الأولى لن تبقى وستطلب الطلاق في حال تزوج، ولذلك فقد اتفق مع الزوجة الثانية أن تذهب إلى شيخ وتعمل لزوجته الأولى عمل محبة لها (الأولى تحب وتقبل الثانية) دون أن يضر أي طرف أو أي شخص!! أي أنه لغرض زواج شرعي من الثانية وعدم طلاق الأولى، وهذا بعلمي واتفاقي أنا والزوجة الثانية. فهل هذا جائز حيث لا وجود لمضرة؟ وإذا كان غير جائز على من يعود الذنب؟ وما هي الكفارة؟ ولكم جزيل الشكر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فهذا السؤال مشتمل على جملة من العجائب، من ذلك قول السائل إن الأولى لن تبقى وستطلب الطلاق!! فمن أين عرف ذلك {اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا} وكم من امرأة فاضلة تزوج زوجها بأخرى فربط الله على قلبها حتى رضيت بقضائه وقنعت بعطائه!! وكذلك قوله: إنه اتفق مع الزوجة الثانية فكيف صارت زوجة وهو لما يعقد عليها بعد؟ وأعجب من ذلك قوله إن السحر لا مضرة فيه على أحد!! وكأنه لا يعلم أن مجرد الذهاب إلى الساحر كبيرة من الكبائر ترجع عليه بالضرر في دينه ودنياه وآخرته!! ألم يسمع قول الله عز وجل {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} ألم يسمع قوله تعالى {ولا يفلح الساحر حيث أتى} قال القرطبي رحمه الله تعالى: أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض. وقيل: حيث احتال.ا.هـــ وقال السعدي رحمه الله تعالى:

أي: كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد السحرة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق.ا.هــــ

وقد ثبتت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم محذرة من إتيان هؤلاء السحرة أو سؤالهم أو الجلوس إليهم أو تصديقهم فيما يقولون؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسـلم “من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد” رواه أبو داود وابن ماجه وصححه النووي في رياض الصالحين. قال السيوطي رحمه الله تعالى: قبست العلم واقتبسته إذا تعلمته، والقبس الشعلة من النار، واقتباسها أخذها منها، وإنما شبَّه صلى الله عليه وسـلم علم النجوم بالسحر لأن حرمته منصوصة ونطق به التنزيل، قال جل ذكره {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} وفي رواية رزين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم “من اقتبس باباً من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر، المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم “من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكل إليه” رواه النسائي. قال السيوطي رحمه الله تعالى: أي فقد أتى بفعل من أفعال المشركين أو لأنه قد يفضي إلى الشرك إذا اعتقد أن له تأثيرا حقيقة وقيل المراد الشرك الخفي بترك التوكل والاعتماد على الله سبحانه.ا.هـــــ وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسـلم  قال: “ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسـلم” قال الهيثمي في المجمع: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع، وهو ثقة. انظر  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 5/201

يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى: فكان السحر قرين خباثة نفس، وفساد دين، وشر عمل، وإرعاب وتهويل على الناس؛ من أجل ذلك ما فتئت الأديان الحقة تحذر الناس منه وتعد الاشتغال به مروقاً عن طاعة الله تعالى؛ لأنه مبني على اعتقاد تأثير الآلهة والجن المنسوبين إلى الآلهة في عقائد الأقدمين

فيا أيها السائل اتق الله في نفسك ولا تبع دينك بعرض من الدنيا قليل، وإن كنت من أهل العزيمة فاستعن بالله ولا تعجز وأقبل على الزواج بالثانية وتحمل ما يكون من نتائج ذلك؛ وإلا فقد كفاك الله المئونة ولم يكلفك شططا، والله الموفق والمستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى