تخفيف اللحية لإرضاء الأم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤالي يا شيخ أن أمي تتناول التبغ (الصعود) ونحن في بلد غير عربي وتجبرني أن أشتريلها، وقد وعدتني بأنها ستتركهما الحكم..؟؟؟
سؤالي الثاني أنا في بلد أوربي وأتمنى أن أعفي لحيتي ولكن أمي تخاف عليَّ من أن يقال متشدد ومتعصب مع الحرب الإعلامية ضد الإسلام ما الحكم إذا قمت بتخفيف لحيتي؟؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالواجب عليك بر والديك كليهما والإحسان إليهما وطاعة أمرهما والقيام على شأنهما قربة لله وطاعة له سبحانه وشكراً لوالديك على ما أسديا إليك من معروف حال كونك صغيراً وطلباً لدعائهما المستجاب. وهذا كله مقيَّد بألا يكون في معصية الله، فإذا أمرك أحد والديك بما فيه معصية لله من جنس ما ذكرت في سؤالك فلا طاعة له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الطاعة في المعروف} متفق عليه، والواجب عليك نصحه في رفق وأدب فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فاستعمل المعاريض لتنجو من لومه وعتابه.
هذا ولا يجوز تناول التمباك ولا الاتجار فيه ولا الترويج له ولا الإعانة على شيء من ذلك؛ لأدلة متضافرة من القرآن والسنة والنظر الصحيح، ومنها:
1ـ قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم)يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث( والعقلاء متفقون على كون التمباك خبيثاً في شكله وريحه وأثره
2ـ قوله تعالى )ولا تقتلوا أنفسكم( وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول السعوط سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان
3ـ قوله تعالى )ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل )وكلوا واشربوا ولا تسرفوا( المنار2/213
4ـ قوله تعالى )وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين( ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:
- النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
- أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة،مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
- أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً
ومتعاطي التمباك قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإنفاقه عبثاً في غير فائدة.
5ـ قوله تعالى )ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين( وإنفاق المال في التمباك تبذير من حيث كونه إفساداً
ومن السنة المطهرة:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم {وأنهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} رواه البخاري. وإنفاق المال في التمباك إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه
2ـ قوله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار} أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول التمباك موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.
3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن كل مسكر ومفتِّر} قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي التمباك خاصة في أول أمره
ومن النظر الصحيح:
- تناول التمباك يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
- متناول التمباك يستثقل الصوم جداً؛ لأن فيه حرماناً له من تناوله بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
- ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله
ثم إن مستقذر يستقبحه الذوق السليم، ويأنف منه الطبع السوي، وأسأل الله أن يتوب على الجميع.
وأما بشأن اللحية فمعلوم أن الواجبات الشرعية منوطة بالقدرة؛ حتى الواجبات التي هي آكد من اللحية وألزم – كالقيام في الصلاة وصيام رمضان – وقد قال علماؤنا: لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة، وعليه فإذا تحققت من أن اللحية ستسبِّب لك ضرراً بدنياً لا تطيقه، أو مشاكل تستعصي على الحل فلا حرج عليك في تخفيفها أو حلقها؛ ولا يجوز لك الإقدام على حلقها لمجرد الظن والتخمين بأن مشكلة ما ستواجهك من جراء إطلاقك لها، ومبلغ علمي أن اللحية ليست مشكلة بذاتها في أكثر بلاد الله، لكن لو علمت يقيناً أو غلب على ظنك أن إعفاءك اللحية سيكون سبباً في تعرضك لما لا تطيق؛ فلا حرج عليك في حلقها لأن الواجبات تسقط بالعجز وقد قال سبحانه )لا يكلف الله نفساً إلا وسعها( والله أعلم.