مسيّرون أم مخيّرون؟
عندي سؤال في موضوع القدر إذا كانت كل أفعالي وكل تحركاتي مقدرة منذ الأزل فما الهدف من الاختبار في الدنيا؟
والسؤال الثاني هل نحن مخيرون أم مسيرون أم مخيرون في بعض الامور ومسيرون في بعض الاخر؟ إذا كنا مخيَّرين في بعض الأمور فأين الحرية وما الهدف من الحياة إذا كنت مكتوبا من اهل النار والعياذ بالله وأنا لا أعرف….
قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: (حاجَّ موسى آدم عليهما السلام فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم. قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني، أو قدره عليَّ قبل أن يخلقني. قال رسول الله ﷺ: فحجَّ آدم موسى) ومن هذا الحديث نعلم تماما ان اعمالنا مقدرة قبل وجودنا وهذا يدل على انه لا توجد في الافعال وانما يتهيأ لنا اننا مخيرون ولكننا مسيرون.
السؤال الثالث: قصة الرسول وحفصة وماريا يكتنفها الغموض لأني قرأت عنها كثيرا ولم اصدق ان الرسول فعل هذه الاشياء تمام لو فعلها الا يدل وطئه لماريا في سرير حفصة عدم احترام لها وفي يومها.
السؤال الرابع: هل القران ناقص؟! لأني قرأت ان هناك اية ارضاع الكبير واية الرجم اكلتها الداجن ما صحة الرواية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالقدر هو سر الله المكنون الذي لم يطلع عليه خلقه، وما أجمل الكلمة التي قالها العبد الصالح جعفر بن محمد الصادق رحمه الله تعالى حيث قال: إن الله تعالى أراد بنا، وأراد منا، فأظهر ما أراد منا، وأخفى ما أراد بنا؛ فاشتغلنا بما أراد بنا، وتركنا ما أراد منا. ومعنى كلامه أننا متعبَّدون بالشرع الذي أظهره الله لنا في أوامره ونواهيه، ولسنا متعبَّدين بالقدر الذي أخفاه الله عنا، وكما قال سبحانه {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} والاحتجاج بالقدر على معصية الله هو صنيع المشركين؛ حيث إنهم لما أفحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّن لهم فساد معتقدهم وضلال فعلهم احتجُّوا بالقدر؛ فقالوا {لو شاء الله ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} قال الله تعالى ردّاً عليهم {كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} فهم قالوا كلمة حق حين قالوا {لو شاء الله ما أشركنا} لكنهم أرادوا بها باطلاً حين زعموا أن ذلك دليل على رضا الله عنها، وهو سبحانه القائل {ولا يرضى لعباده الكفر} فيا أخي الله تعالى علم بما يقع منا من أعمال لكنه لم يجبرنا عليها………….. مثال ذلك ولله المثل الأعلى: مدرس عنده عدد من الطلاب وقد عرف مستوياتهم وقدراتهم فكتب تقريراً للعميد أو المدير بأن نصفهم سيرسبون وهم فلان وفلان، ونصفهم سينجحون وهم فلان وفلان!!! فهل معنى ذلك أنه أجبر هؤلاء على الرسوب أو أولئك على النجاح؟؟ اللهم لا لكنه علم فقط….. وقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فائدة العمل في أمر قد قدر وفرغ منه فقال عليه الصلاة والسلام (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)…….وفي قضية التسيير والتخيير الإنسان مسيَّر في أمور مثل كونه أبيض أو أسود أو طويلاً أو قصيراً أو من قبيلة كذا أو كذا أو جنس كذا أو كذا، ومثله في حركة أجفانه وتاريخ ولادته ووفاته، هذا كله لا يسأله الله عنه يوم القيامة، وهو بعد ذلك مخيَّر في أقواله وأعماله وكفره وإيمانه وطاعته وعصيانه، وقد قال سبحانه {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا} وقال سبحانه {وهديناه النجدين} وقال سبحانه {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ولذلك يحاسبه الله تعالى على ذلك كله…..وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة محاجة آدم موسى عليهما السلام فقد قال أهل العلم في شرح هذا الحديث: معناه إنَّك تعلم أنه مقدَّرٌ، فلا تلُمني، وأيضًا اللَّوم شرعيٌّ لا عقليٌّ، وإذ تاب الله عليه وغفَر له زالَ عنه اللَّوم، وقد علِم ذلك موسى من التَّوراة، فمَن لامَه كان محجوجاً بالشرع، فإن قيل: فالعاصي منَّا لو قال: هذه المعصية كانت بتقدير الله لم تسقُط عنه المَلامة؛ قلنا: هو باقٍ في دار التكليف جارٍ عليه أحكام المكلَّفين، وفي لَومه زجْرٌ له ولغيره عنها، وأما آدم -عليه الصلاة والسلام- فميِّتٌ خارجٌ عن هذه الدار، وعن الحاجة إلى الزَّجْر، فلم يكن في هذا القَول فائدةٌ سوى التَّخجيل ونحوه.ا.هــــــــــ وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: حجَّ آدم موسى؛ لأن موسى لام آدم من ذنب قد تاب منه؛ ولأنه قد لامه على شيء ليس بيده وهو خروجه من الجنة وهذا ليس بيده، فلومه على المصيبة لوم على ما لا قدرة للعبد فيه، فحجَّه من جهتين. ولأن إخراج الذرية من الجنة ليس من عمل آدم فلا يلام على ما لا قدرة له عليه، وإنما يلام على المعصية فلما تاب منها فلا يلام.ا.هـــــــــــــــــــــــــ وأما قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع مارية وحفصة رضي الله عنهما فهذه من باب الخصائص بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم عليه ما لا يحرم علينا كالصدقة، ويجب عليه ما لا يجب علينا كقيام الليل ووجوب الثبات في المعركة ولو كان أمام ألف من المشركين، ويجوز له ما لا يجوز لنا مثل الزيادة على الأربعة في النكاح، وكذلك الزواج بغير ولي ولا شهود، وكذلك يجوز له ألا يقسم بين نسائه؛ لأن الله تعالى قال {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} فليس في القصة عدم احترام ولا شيء مما تخيلته أنت…..وليس في القرآن شيء ناقص وإنما آية الرضاعة نسخت وقد خفي على عائشة رضي الله عنها أمرها، ولا غرابة في ذلك فإن العالم الكبير الكثير العلم قد يخفى عليه الشيء اليسير، ويكفيك أن الهدهد قال لسليمان عليه السلام {أحطت بما لم تحط به} وكذلك خفي على عمر رضي الله عنه سنة الاستئذان حتى تعلَّمها من أبي موسى وأبي سعيد رضوان الله عليهما، والقرآن محفوظٌ بحفظ الله كما قال سبحانه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ولا يقدح في ذلك أن تكون آية منسوخة قد خفي على عائشة رضي الله عنها أمرها. والله المستعان