القنوت في الركعة الأخيرة من التراويح
لوحظ في صلاة التراويح لهذا العام أن بعض الأئمة يعمدون إلى الدعاء بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة من صلاة التراويح، ويؤخرون الوتر إلى صلاة التهجد؛ فما رأيكم في ذلك؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فاجتماع الناس بهذه الأعداد المهولة في المساجد؛ لإحياء سنة قيام الليل في رمضان إنما هو أمر يسر كل مؤمن، وينشرح له صدر كل غيور، وهؤلاء مبشَّرون ـ إن شاء الله ـ بقول نبينا صلى الله عليه وسلم {من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} ومما يثلج الصدر أن هذه السنة المحمودة قد تتابع في إحيائها الرجال والنساء والشيب والشباب، نسأل الله أن يُكثِّر سوادهم، وأن يتقبل عملهم، وأن يجزي خيراً من أعان على ذلك بتهيئة المساجد أو إطعام المصلين، وأن يبارك لهم فيما آتاهم وأن يزيدهم إيماناً وهدى وتوفيقاً.
وأما القنوت في الصلاة فللعلماء رحمهم الله فيه قولان:
الأول: ذهب بعض أهل العلم ـ كالحنفية والحنابلة ـ إلى أن القنوت في الوتر مسنون في السنة كلها، وذهب بعضهم إلى استحبابه في النصف الثاني من شهر رمضان، وهذا مذهب الشافعي ورواية عن مالك وأحمد رحمهم الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما القنوت في الوتر فجائز وليس بلازم؛ فمن أصحابه – أي النبي صلى الله عليه وسلم – من لم يقنت، ومنهم من قنت في النصف الأخير من رمضان، ومنهم من قنت السنة كلها، والعلماء منهم من يستحب الأول كمالك، ومنهم من يستحب الثاني كالشافعي وأحمد في رواية، ومنهم من يستحب الثالث كأبي حنيفة والإمام أحمد في رواية، والجميع جائز فمن فعل شيئاً من ذلك فلا لوم عليه.ا.هـ وروى أحمد والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الحسن رضي الله عنه الدعاء في القنوت، قال: {علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت……الحديث
الثاني: مذهب الشافعي والمالكية رحمهم الله هو القنوت في صلاة الصبح؛ استدلالاً بحديث أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، والحديث صححه بعض أهل العلم، واستدلوا به على القنوت في صلاة الصبح. قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها ـ أي الصبح ـ سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم، وممن قال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم رواه البيهقي بأسانيد صحيحة، وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق، وهو مذهب ابن أبي ليلي والحسن بن صالح ومالك وداود وقال عبد الله بن مسعود وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد: لا قنوت في الصبح.ا.هـ
وعليه فما ينبغي الإنكار على من قنت في صلاة الصبح أو في صلاة الوتر؛ لأن في المسألة خلافاً بين الأئمة المتقدمين رحمهم الله، وهم أكثر علماً وأعظم ورعاً، وما وسعهم يسعنا إن شاء الله. وعلى الناس أن يتابعوا الإمام فيما يصنع فإن قنت قنتوا معه، وإن ترك القنوت تركوه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم {إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه}
وأما صنيع بعض الأئمة الآن من القنوت في الركعة الأخيرة من صلاة التراويح فلا يشرع من جهتين:
الأولى: أن للعلماء رحمهم الله ـ قولين في محل القنوت ـ كما تقدم ـ هل في الوتر أم في صلاة الصبح، ولم يقل أحدهم أن الركعة الأخيرة من صلاة التراويح محلٌ للقنوت، فمن فعل ذلك فقد أحدث قولاً لم يُسبق إليه، ويُخشى لو تتابع الناس على ذلك أن يعتقد بعضهم مشروعيته أو سُنيته؛ فتتغير بذلك صفة الصلاة التي تناقلها المسلمون بالتواتر منذ عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم
الثانية: أن القنوت في غير الصبح والوتر ـ لغير نازلة ـ لا يشرع
وعليه فإنني أنصح إخواننا الأئمة ـ وفقهم الله ـ أن يُعنَوا بإحياء السنة، وأن يعملوا على جمع كلمة المسلمين، وأن يحرصوا على تجنب ما يثير الخلاف بين الناس، خاصة في هذا الشهر المبارك؛ حيث تجتمع القلوب عليهم، ويصطف الناس من ورائهم رجاء ما عند الله من أجر وثواب. وإذا كان الإمام لا يرغب في أن يأتي بالوتر عقيب التراويح فيمكنه أن يستخلف على الناس من يوتر بهم ويدعو لهم، ويؤجل الإمام وتره ودعاءه إلى ما بعد التهجد، فنكون بذلك قد أصبنا السنة، والعلم عند الله تعالى.