المعاملات المالية

بيع الذهب عن طريق الانترنت

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، أيها الشيخ المكرم، أرجو منكم كشف الحقيقة لهذه المعاملة التي أبيِّن كيفيتها أمامكم قدر معلوماتي بها وذلك لوقوع العدد الكثير من المسلمين فيها، حتى صار أكثرهم بها أغنياء، وصورة المسألة أن في شبكة الإنترنت موقع تقوم به الشركة التي تسمى بـ VIRGIN GOLD MINING CORPORATION يعني شركة تعدين الذهب البكر ويعنون بالبكر ما لم يصنع حلية، وعملهم أنهم يعدّنون الذهب في أمريكا “كما زعموا” وعندهم خزانة الذهب ويتصرفون في تنمية ما عندهم من الذهب عن الطرق المختلفة التجارية، ويدعون الناس إلى المساهمة المالية في تلك التجارات، و من صورة المسألة أنك “مثلاً” لو أردت المساهمة فيهم لا بدّ أن ترسل إليهم مالاً قدره “أقل القليل” ألف دولار حتى إذا تأكد وصول المبلغ إليهم تعتبر مشاركاً لهم، ثم يعطونك رقماً أو عنواناً أو نافذة من الموقع لا يفتحه إلا أنت و فيه سجل مالك الذي أرسلته إليهم وبيان أرباحك، ومن ذلك الزمن تستحق حصول الأرباح والمنافع يرسلونها إلى حسابك في البنك، ولك من حصول الربح ثلاثة أوجه:

أولاً: أنه بمجرد وجود مالك عندهم “مثلاً ألف دولار” يقّدرون لك كل شهر ثمانية وعشرين غراماً من ذهب (ربحاً أو عطية أو كيفما كانت) فإذا أردت أخذه يقوّمونه بالدولار حسب ثمنه في الحال ويرسلونه إلى حسابك في البنك وإلا يعتبر ذلك وديعة في ذمتهم تختلف ثمنها باختلاف ثمن الدولار.

ثانياً: أنه يجوز أن تتصرف تصرفاً مقيّداً في مالك ما دام في ذمّتهم عن طريق الإنترنت، وصورته أنه كلما انخفض ثمن الدولار في أي وقت ما يجوز لك أن تشتري ذهباً منهم بمالك الذي عندهم، ثم إذا غلا ثمن الذهب في أي وقت يجوز لك أن تبيع لهم ذلك الذهب الذي قد اشتريت منهم بدون اختيار منهم وعلى هذه الصورة تربح ربحاً ثم يجمعون أرباحك في ذمتهم ويرسلونها إليك كل شهر.

ثالثاً: أنه إذا دعوت أحداً وساهم فيهم بألف دولار فزاد مثلاً فلك من ذلك المال نصيب أو ربح وهو عشرة في المائة ويرسلونه إلى حسابك كذلك كل شهر.

أيها الشيخ المكرم أفتنا في هذه الأوجه الثلاثة من فضلك، جزاك الله خيراً وافرا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فليس حصول الغنى مقصوداً لذاته، بل لا بد أن يكون من طريق حلال، وإلا فمن التمس الغنى من حلِّه وحرامه لم يبارك الله له في ماله وكان كالذي يأكل ولا يشبع، ومالُه إن أنفقه لم يبارَك له فيه، وأن تَصَدَّقَ به لم يُقبَل منه، ويُحاسَب عليه يوم القيامة من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

وهذه المعاملة ليست إلا صورة جديدة من التحايل على الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وذلك من وجوه:

أولها: أن هؤلاء القوم ليسوا مسلمين، ومشاركة المسلم لليهودي مشروطة بأن يكون التصرف بيد المسلم، وهؤلاء يزعمون أنهم يقومون على تنمية تلك الأموال في أعمال تجارية مختلفة؛ فهل المشارك لهم على علم بتلك الأعمال؟ وهل هي مشروعة أم لا؟ فلعلهم ينمونها مثلاً في تجارة السينما وصناعة الأفلام، أو في تصنيع الخمور والتبغ، فهل يحل للمسلم أن يشارك بماله في تلك الأنشطة؟!!

ثانيها: لو أمكن تخريج تلك المعاملة على أنها مضاربة – وهي دفع مال معلوم لمن يتجر به ببعض ربحه – فشرط صحة المضاربة أن يكون الربح على الشيوع؛ بمعنى أن يكون بنسبة كذا من الأرباح، أما لو اشترط ربُّ المال على العامل مبلغاً معيناً، أو اشترط العامل على نفسه مبلغاً معيناً – كما هو وارد في سؤالك – فإنه يكون ربا؛ إذ لا يستطيع العامل أن يجزم هل يربح المال أو لا؟ إذ المضاربة الشرعية لا تكون صحيحة إلا بشروط، وهي:

  1. أن يكون رأس المال معلوم المقدار، وها هنا ليس معلوماً
  2. أن يكون من النقود (أي أوراق العملة) لا أن يكون سلعة؛ إذ السلعة تختلف قيمتها؛ فقد تكون حين العقد بألف مثلاً؛ وحين التصفية بألفين
  3. أن يكون نصيب العامل جزءً مشاعاً من الربح، بمعنى: أن يُجعل للعامل من الربح الثلث، الربع، النصف، ونحو ذلك مما يتفقان عليه، فإن جعلت له شيئاً معلوماً بأن قلت: خذ هذا المال اتجر به ولك مائة جنيه أو خمسين مثلاً ـ كما هو وارد في السؤال ـ فإن هذا لا يصلح؛ وذلك لأنه قد لا يربح شيئاً، وقد يربح أكثر من مائة جنيه بكثير، فلابد أن يكون سهمه جزءً مشاعاً. قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي … وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءً، وقد يربح كثيراً فيستضر من شرطت له الدراهم، والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوماً به؛ ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح.ا.هــ المغني 5/28.
  4. أن يكون الجزء المشاع معلوماً، فلا يصح أن تقول: خذ هذا المال اتجر به ولك بعض ربحه، بل لابد أن تقول: ولك نصف الربح، ثلثه، ربعه، ثمنه، وهكذا

ثم إنه لو حصلت خسارة فإنه تكون على رأس المال، وليس على العامل شيء، فلو أعطاه مائة ألف لمضاربةٍ ثم خسرت حتى عادت تسعين ألفاً؛ فإنه لا يجوز لرب المال أن يحمِّل العامل شيئاً؛ وذلك لأن الخسارة تكون على رأس المال وليس على العامل منها شيء؛ وكلاهما يتحمل جزء من الغرم؛ فيخسر رب المال ماله، ويخسر العامل جهده

ثالثها: قولك: يجوز لك أن تبيع لهم ذلك الذهب بغير اختيار منهم، هذا بيع باطل؛ لأن شرط صحة البيع أن يقع عن تراض؛ لقوله تعالى {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وقول النبي صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا»

وعليه فإن هذه المعاملة قد أحاطت بها عوامل البطلان، ولا يجوز لمسلم أن يتلبس بها، والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى