زوجي سيء الخلق
أشكو من سوء خلق زوجي في المنزل، مع أنه ملتزم بل يخطب الجمع ويلقي الدروس والمحاضرات إلا أنه يشتمني أمام الأطفال والخادمة، ولا يتورع من أن يسمع الجيران، ويصل أحيانا إلى حد الضرب في أمور تافهة يراها عظيمة بحكم سماعه للكثير من المشاكل، ولكن مهما كان فإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، كنت أحبه ولا أتحمل البعد عنه؛ والآن أتفاداه وأتجنب الكلام معه، والأسوأ أن احترامي له بدأ يقل مما يظهر جلياً على تصرفاتي ويزيد المشاكل، أفكر كثيراً في الطلاق لكي يعيش الأطفال في بيئة سوية ولا يرون إهانات أبيهم لأمهم فيفقدوا احترامهم للجميع! أليس هذا سبباً لطلب الطلاق أفتوني أثابكم الله.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا شك أن حسن الخلق من سمات المؤمن، وقد قال عليه الصلاة والسلام {أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا} وأخبر أن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وعلَّمنا – عليه الصلاة والسلام – أنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، والنصوص في ذلك كثيرة.
وأولى الناس بحسن الخلق الأهل والقرابة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} فينبغي للرجل أن يكون في بيته ضحوكاً بساماً يلين الكلام ويفشي السلام ويدخل السرور على أهله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليحرص على شعور زوجه فلا يجرحها بكلمة ولا فعل، وإذا حصل ما يستوجب المعاتبة والملامة فليكن ذلك على انفراد دون أن يشعر الأولاد فضلاً عن غيرهم، وليتدرج في تأديبه بالوسائل التي ذكرها ربنا في كتابه ((واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا)) وإذا كان هذا مطلوباً من الناس جميعاً فهو آكد في حق من كان إماماً يقتدى بفعاله وينظر الناس لحاله؛ وإلا كان كالطبيب الذي يداوي غيره وهو عليل؛ وكان حقيقاً بأن توجه إليه النصيحة:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عديم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدى … بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي مقابل هذا على الزوجة أن تتقي الله في زوجها فتعظم شأنه وتطيع أمره، ولا تجعل من نفسها نداً له، وعليها أن تتذكر دائماً قول الله تعالى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)) وقوله تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)) وعليها أن تخالقه بخلق حسن فلا ترفع عليه صوتاً ولا تعصي له أمراً، ولتتواضع له وتخفض جناحها معه؛ كما قالت المرأة الأولى (كوني له أمة يكن لك عبداً، وكوني له أرضاً يكن لك سماء)
وفي خصوص القضية المطروحة في السؤال أقول: إن مما يفيد في الخلافات الزوجية أن يتذكر كل من الزوجين حسنات صاحبه؛ فلا شك أنه واجدٌ منها كثيراً، وعليه أن يتذكر سيئات نفسه وعيوبها، وقد أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال {لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر} ومن واقع الناس علم المنصف أن كل مشكلة زوجية تكون فيها نسبة من الخطأ – تزيد أو تنقص – على الطرفين معاً، ولا يتمحض الحق لأحدهما، ودائماً عند عرض المشكلة يحاول كل طرف أن يلقي باللائمة على الآخر ويبرئ نفسه من كل عيب ونقص، فإذا كنت تذكرين في سؤالك أنه يشتم أو يضرب فابحثي عن الأسباب وسلي نفسك: لم لا تتفادين تلك الأسباب خاصة إذا حصل منه التنبيه عليها مرارا؛ فإن مما يوغر صدر الزوج أن يرى كلامه مهملاً وتوجيهه يذهب أدراج الرياح؛ ثم بعد ذلك إذا أراد أن يعيد التوجيه أعرضت عنه أو قالت: سمعنا!! ونحو ذلك من كلمات تذهب بهجة الحياة وتورث العداوة والبغضاء، وتؤدي إلى ذات النتيجة التي تخشى منها الزوجة حين يرى الأطفال أباهم لا يُعبأ به ولا يُلتفت إليه ولا يُنفذ قوله ولا يُعمل بمشورته؛ ثم إذا أراد أن يوجه أعرضت عنه الأم ولم تلق له بالا!!!
ثم إن الطلاق من رحمة ربنا بعباده إذا تعثرت الحياة وضاقت الصدور واختنقت الأنفاس فإنه يكون علاجاً من أجل أن يجد كل منهما سعادته في غير تلك الشراكة التي لم تؤت أكلها، وقد قال سبحانه ((وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما)) والله الهادي إلى سواء السبيل.