وإن منكم إلا واردها
قال تعالى {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا} ما تفسير هذه الآية؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن ربنا جل جلاله يقسم في هذه الآية على أنه لن يبقى أحد من بني آدم إلا سيرد النار، وموضع القسم في الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى {فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} والمعطوف على القسم قسم، وقد اختلف المفسرون رحمهم الله تعالى في معنى الورود هنا على ثلاثة أقوال:
1ـ أن الورود بمعنى الدخول، ولكن الله يصرف أذاها عن عباده المتقين عند ذلك الدخول؛ وذلك لدلالة القرآن على ذلك المعنى؛ حيث قال الله تعالى {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكلٌ فيها خالدون} ثم إن في الآية قرينة دالة على ذلك؛ لأن الله تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم سيردون النار برهم وفاجرهم قال بعدها {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} وروى الإمام أحمد عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود؛ فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال بعضهم: يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا. فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقلت له: إنا اختلفنا في الورود؟ فقال: يردونها جميعاً، وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها؛ فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم؛ حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم {ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا}
2ـ أن المراد بالورود المذكور الجواز على الصراط؛ لأنه جسر منصوب على جهنم
3ـ أن الورود المذكور هو الإشراف عليها والقرب منها؛ لدلالة القرآن على ذلك في قوله تعالى {ولما ورد ماء مدين}
4ـ أن حظ المؤمنين من ذلك الورود هو حر الحُمى في دار الدنيا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء} متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة وأسماء رضي الله عنهما، وبعضهم ضعَّف هذا القول بأن هذا الحديث يتناول شأناً دنيوياً؛ بينما سياق الآية في الحديث عما يكون يوم القيامة.