أحكام الجنائز

حكم الجلوس والإجتماع للعزاء

هل الفراش والجلوس له بدعة أم معصية؟ وهل يجوز في الشرع الجلوس ووضع الصيوانات أو الجلوس في المسجد جماعياً كما يفعله بعض الناس عندنا في السودان؟ وما هو الفرق بين العزاء والفراش؟

فيسن للمسلم أن يُعزِّيَ أخاه حال نزول الموت بقريبه أو حميمه؛ لأن الموت مصيبة كما سماه الله في القرآن {إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت} وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال {ما من مؤمن يعزِّي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة} رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، وقال النووي في الأذكار: إسناده حسن. ولا بد من استحضار نية صالحة عند القيام بهذه السنة المباركة، فلا يؤديها المسلم على أنها عادة من العادات أو تقليد اجتماعي، بل على أنها سنة نبوية وشريعة محمدية وطريقة مصطفوية؛ يبتغي فيها الأجر والثواب وإدخال السرور على أخيه المسلم ومواساته في مصيبته، وليحذرْ كلُّ مسلم ـ خاصة النساء ـ من أن تكون هذه السنة على سبيل المكافأة فمن عزَّاني عزَّيتُه ومن قصَّر في ذلك صنعت معه مثل الذي صنع {فليس الواصل بالمكافئ} رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما والسعيد من ابتغى بعمله وجه الله؛ فوصل من قطعه، وأعطى من حرمه، وعفا عمن ظلمه، وأحسن إلى من أساء إليه. إذا كانت الغاية من التعزية تسلية أهل الميت وتخفيف لوعتهم وحزنهم وحملهم على الرضا بالقدر والتسليم لله في أمره، فعلى المعزِّي أن يأتي بما يحقق هذه الغاية ولا يخالف الشرع من الألفاظ، قال النووي رحمه الله: وأما لفظ التعزية فلا حجر فيه، فبأي لفظ عزاه حصلت.أ.هـ

لما كان المقصود من التعزية تخفيف المصيبة عن ذوي الميت فإن الواجب المبادرة بها نحوهم جميعاً، ولا يخص بها بعضهم إلا عند قيام الموجب لذلك من خشية افتتان ونحوها. قال النووي رحمه الله في المجموع: قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يعزِّى جميع أقارب الميت أهله الكبار والصغار الرجال والنساء، إلا أن تكون المرأة شابة فلا يعزِّيها إلا محارمُها، قالوا: وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان آكد. وقال ابن قدامة في المغني: ولا يعزِّي الرجل الأجنبي شوابَّ النساء؛ مخافة الفتنة.

وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده، لكن بعد الدفن أحسن وأفضل؛ لأن أهله قبل الدفن مشغولون بتجهيزه، ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر؛ فكان ذلك الوقت أولى بالتعزية. قال النووي: قال أصحابنا: إلا أن يظهر فيهم جزع ونحوه فيعجِّلَ التعزية ليذهب جزعُهُم أو يخف. وقال ابن الحاج المالكي في المدخل: وموضع التعزية على تمام الأدب إذا رجع ولي الميت إلى بيته، ويجوز قبله أعني قبل الدفن وبعده

وفي التعزية عدة فوائد: إحداها: تهوين المصيبة على المعزَّى وتسليته عنها وحضُّه على التزام الصبر واحتسابه الأجر والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله. ثانيها: الدعاء بأن يعوضه الله عن مصابه جزيل الثواب، ثالثها: الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له. قال النووي رحمه الله: وهي مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضاً في قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {والله ُفي عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}

وينبغي للناس أن يجتنبوا إقامة المآتم وعمل الولائم؛ لما في ذلك من عدم إظهار الرضا بالقضاء، ولما فيه من مخالفة السنة، والواجب أن يصنع لأهل الميت طعام؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام من النياحة} قال السندي رحمه الله في شرحه لسنن ابن ماجه: قوله {كنا نعدُّ} هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني فحكمه الرفع وعلى كلا التقديرين فهو حجة.أ.هـ قال النووي رحمه الله: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف ـ يعني الشيرازي ـ وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها[1].

وقال الشافعي رحمه الله: وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر[2]. ومن فقهاء الأحناف الذين ذكروا هذه المسألة الكمال بن الهمام في شرح الهداية حيث نص رحمه الله على كراهة اتخاذ الضيافة من أهل الميت وقال: وهي بدعة قبيحة[3].  أما المالكية فقولهم في المسألة أكثر وضوحاً مع توصيف دقيق لواقع الناس حيث قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة[4].أ.هـ وقال ابن الحاج في المدخل: أما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمع الناس عليه فلم ينقل فيه شيء، وهو بدعة غير مستحب[5]. وقال الخرشي في حاشيته على خليل: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فهو بدعة مكروهة لم ينقل فيه شيء وليس ذلك موضع ولائم[6].أ.هـ وقال الشيخ عليش رحمه الله في منح الجليل: في شرحه لقول خليل (وتهيئة طعام لأهله) أي الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم الإهداء لهم؛ لأنه يعينهم على الحرام، وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة، إن لم يكن في الورثة صغير، وإلا فهو حرام، ومن الضلال الفظيع، والمنكر الشنيع، والشماتة البيِّنة، والحماقة غير الهيِّنة: تعليق الثريات، وإدامة القهوات في بيوت الأموات، والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات. ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام، ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته، وهول السؤال، ولا فيما انتهي إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقمع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت، وأنهم مخلدون بعده لقلنا: إنما يفعلونه فرحاً بذلك ولكنَّ الهوى أعماهم وأصمهم، وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة، والمباهاة ومحمدة الناس والزيادة، فهل في ذلك خير؟ كلا بل هو شر وخسران وضير[7].أ.هـ

ومن الحنابلة قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس، فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلاً إلى شغلهم، وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية. وروي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النوح[8].

مسألة: يقول بعض الناس: إن من بين المعزين من جاء من مكان بعيد، ولربما قد أتى معزياً من بلد يقتضي المجيء منها سفراً، فهل يُطعم أو لا يُطعم؟ وهل في أكله عند أهل الميت من حرج؟ والجواب أن علماءنا رحمهم الله قد ذكروا هذه المسألة وبيَّنوا حكمها، فقال ابن قدامة: وإن دعت الحاجة إلى ذلك[9] جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه[10].أ.هـ

 وما زال الناس على سنة حسنة في صنع الطعام لأهل الميت، حيث تراهم خاصةً في القرى يحملون طعامهم إلى بيت الميت مواساة لأهله وقياماً بما سن في حقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم}[11] قال الشافعي رحمه الله في الأم:

وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم، فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنالى، ثانيها: الدعاء بأن يعوضه الله عن مصابه جزيل الثواب، ثالثها: الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له. قال النووي رحمه الله: وهي مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضاً في قوله تعالى )وتعاونوا على البر والتقوى( وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {والله ُفي عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}

ينبغي للناس أن يجتنبوا إقامة المآتم وعمل الولائم؛ لما في ذلك من عدم إظهار الرضا بالقضاء، ولما فيه من مخالفة السنة، والواجب أن يصنع لأهل الميت طعام؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام من النياحة} قال السندي رحمه الله في شرحه لسنن ابن ماجه: قوله {كنا نعدُّ} هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني فحكمه الرفع وعلى كلا التقديرين فهو حجة.أ.هـ قال النووي رحمه الله: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف ـ يعني الشيرازي ـ وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها[12].

وقال الشافعي رحمه الله: وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر[13]. ومن فقهاء الأحناف الذين ذكروا هذه المسألة الكمال بن الهمام في شرح الهداية حيث نص رحمه الله على كراهة اتخاذ الضيافة من أهل الميت وقال: وهي بدعة قبيحة[14].  أما المالكية فقولهم في المسألة أكثر وضوحاً مع توصيف دقيق لواقع الناس حيث قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة[15].أ.هـ وقال ابن الحاج في المدخل: أما إصلاح أهل الميت طعاماً وجمع الناس عليه فلم ينقل فيه شيء، وهو بدعة غير مستحب[16]. وقال الخرشي في حاشيته على خليل: وأما جمع الناس على طعام بيت الميت فهو بدعة مكروهة لم ينقل فيه شيء وليس ذلك موضع ولائم[17].أ.هـ وقال الشيخ عليش رحمه الله في منح الجليل: في شرحه لقول خليل (وتهيئة طعام لأهله) أي الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم الإهداء لهم؛ لأنه يعينهم على الحرام، وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة، إن لم يكن في الورثة صغير، وإلا فهو حرام، ومن الضلال الفظيع، والمنكر الشنيع، والشماتة البيِّنة، والحماقة غير الهيِّنة: تعليق الثريات، وإدامة القهوات في بيوت الأموات، والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات. ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام، ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته، وهول السؤال، ولا فيما انتهي إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقمع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت، وأنهم مخلدون بعده لقلنا: إنما يفعلونه فرحاً بذلك ولكنَّ الهوى أعماهم وأصمهم، وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة، والمباهاة ومحمدة الناس والزيادة، فهل في ذلك خير؟ كلا بل هو شر وخسران وضير[18].أ.هـ

ومن الحنابلة قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس، فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلاً إلى شغلهم، وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية. وروي أن جريراً وفد على عمر، فقال: هل يناح على ميتكم؟ قال: لا. قال: فهل يجتمعون عند أهل الميت، ويجعلون الطعام؟ قال: نعم. قال: ذاك النوح[19].

مسألة: يقول بعض الناس: إن من بين المعزين من جاء من مكان بعيد، ولربما قد أتى معزياً من بلد يقتضي المجيء منها سفراً، فهل يُطعم أو لا يُطعم؟ وهل في أكله عند أهل الميت من حرج؟ والجواب أن علماءنا رحمهم الله قد ذكروا هذه المسألة وبيَّنوا حكمها، فقال ابن قدامة: وإن دعت الحاجة إلى ذلك[20] جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه[21].أ.هـ

 وما زال الناس على سنة حسنة في صنع الطعام لأهل الميت، حيث تراهم خاصةً في القرى يحملون طعامهم إلى بيت الميت مواساة لأهله وقياماً بما سن في حقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم} قال الشافعي رحمه الله في الأم: وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم، فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا

[1]  المجموع 5/279

[2]  الأم 1/248

[3]  شرح الهداية 1/473

[4] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/420

[5]  المدخل 3/275

[6] حاشية الخرشي على خليل 2/130

[7] منح الجليل 1/500

[8]  المغني 2/215

[9] يعني صنع الطعام

[10]  المغني 2/215

[11]  رواه أحمد وأبو داود والحاكم

[12]  المجموع 5/279

[13]  الأم 1/248

[14]  شرح الهداية 1/473

[15] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/420

[16]  المدخل 3/275

[17] حاشية الخرشي على خليل 2/130

[18] منح الجليل 1/500

[19]  المغني 2/215

[20] يعني صنع الطعام

[21]  المغني 2/215

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى