سبع تمرات
في الحديث: “من تصبح بسبع تمرات…” هل يجب أن تكون على الريق أم يجوز لي أن أتناول شيئاً قبلها؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلا بد أن يكون تناول تلك التمرات على الريق، ولا يسبقها إلى الجوف شيء من مطعوم أو مشروب؛ لما رواه الشيخان في صحيحيهما – واللفظ لمسلم – من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ» والعجوة ضرب من أجود تمر المدينة وألينه، وقال الداودي: هو من وسط التمر، وقال ابن الأثير: العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالمدينة. والروايتان – تصبح واصطبح – كلاهما بمعنى التناول صباحا، وقد جاء في بعض الروايات “سبع تمرات” ووقع في بعضها مقيداً بالعجوة، وفي بعضها مقيداً بالمكان أيضاً “تمر العالية” والعالية القرى التي في الجهة العالية من المدينة وهي جهة نجد، وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بلفظ “من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح” وأراد لابتي المدينة وإن لم يجر لها ذكر للعلم بها. وقد أخرج النسائي من حديث جابر رفعه “العجوة من الجنة وهي شفاء من السم” قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ولم أقف في شيء من الطرق على حكم من تناول ذلك في أول الليل هل يكون كمن تناوله أول النهار حتى يندفع عنه ضرر السم والسحر إلى الصباح؟ والذي يظهر خصوصية ذلك بالتناول أول النهار؛ لأنه حينئذ يكون الغالب أن تناوله يقع على الريق؛ فيحتمل أن يلحق به من تناول الليل على الريق كالصائم، وظاهر الإطلاق أيضاً المواظبة على ذلك.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه و سلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون المراد نخلاً خاصاً بالمدينة لا يعرف الآن، وقال بعض شراح المصابيح نحوه وأن ذلك لخاصية فيه، قال: ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بزمانه صلى الله عليه وسلم، وهذا يبعده وصف عائشة لذلك بعده صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: في الحديث تخصيص عجوة المدينة بما ذكر، وأما خصوص كون ذلك سبعاً فلا يعقل معناه كما في أعداد الصلوات ونصاب الزكوات. وقال القرطبي: ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر؛ والمطلق منها محمول على المقيَّد؛ وهو من باب الخواص التي لا تُدرك بقياس ظني، ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال: إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها؛ فإذا داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم؛ قال: وهذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة مطلقاً بل خصوصية التمر؛ فإن من الأدوية الحارة ما هو أولى بذلك من التمر، والأولى أن ذلك خاص بعجوة المدينة، ثم هل هو خاص بزمان نطقه، أو في كل زمان هذا محتمل، ويرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة؛ فمن جرب ذلك فصحَّ معه عرف أنه مستمر وإلا فهو مخصوص بذلك الزمان. قال: وأما خصوصية هذا العدد فقد جاء في مواطن كثيرة من الطب كحديث “صبوا علي من سبع قرب” وقوله للمفؤود الذي وجهه للحارث بن كلدة “أن يلده بسبع تمرات” وجاء تعويذه سبع مرات إلى غير ذلك، وأما في غير الطب فكثير فما جاء من هذا العدد في معرض التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله، أو من أطلعه على ذلك وما جاء منه في غير معرض التداوي فإن العرب تضع هذاالعدد موضع الكثرة وإن لم ترد عدداً.ا.هــــ بعينه وقال ابن القيم: عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز وهو صنف كريم ملزز متين الجسم والقوة، وهو من ألين التمر وألذه، قال: والتمر في الأصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الديدان لما فيه من القوة الترياقية، فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو قتله انتهى. قال الحافظ رحمه الله تعالى: وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم لكن سياق الخبر يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي وعلى تقديم التسليم في السم فماذا يصنع في السحر.ا.هــــــ والعلم عند الله تعالى.