الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
قول الله جل جلاله )الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة( نرجو تفسير هذه الآية، وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فهذه الآية المباركة من سورة النور قد ذكر أهل التفسير في سبب نزولها أن بعض الصحابة رضي الله عنهم استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح نسوة كن معروفات بالزنا من أهل الشرك، وكن أصحاب رايات يؤجرن أنفسهن؛ فأنزل الله تحريمهن على المؤمنين فقال: الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة لأنهن كذلك والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان من المؤمنين أو المشركين أو مشرك مثلها لأنهن كن مشركات {وحرم ذلك على المؤمنين} فحرم الله نكاحهن بهذه الآية. ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب؛ فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا؛ وكذلك لا يصح تزويج المرأة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى {وحُرِّم ذلك على المؤمنين} وقال آخرون: كان هذا حكم الله في كل زان وزانية حتى نسخه بقوله {وأنكحوا الأيامى منكم} فأحل نكاح كل مسلمة وإنكاح كل مسلم، وممن قال بذلك سعيد بن المسيب، قال الشافعي: القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله هي منسوخة.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الآية واردة في تبشيع الزنا وبيان أن الزاني لا يزني إلا بمن كانت مثله زانية أو شراً منه مشركة، وأن الزانية لا يوافقها على الزنا إلا من كان مثلها زانياً أو شراً منها مشركاً، وقد رجح هذا المعنى شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بالنكاح في هذا الموضع الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات؛ وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك؛ وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان؛ فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة وإذا كان ذلك كذلك فبيِّن أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا أو بمشركة تستحله وقوله {وحرم ذلك على المؤمنين} يقول: وحرم الزنا على المؤمنين بالله ورسوله وذلك هو النكاح الذي قال جل ثناؤه {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزاني لا ينكحها إلا زان أو مشرك} وقال ابن كثير رحمه الله: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة؛ أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك وكذلك {الزانية لا ينكحها إلا زان} أي عاص بزناه {أو مشرك} لا يعتقد تحريمه قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} قال: ليس هذا بالنكاح إنما هو الجماع لا يزني بها إلا زان أو مشرك؛ وهذا إسناد صحيح عنه وقد روي عنه من غير وجه أيضا وقد روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغير واحد نحو ذلك. والعلم عند الله تعالى.