دم الإجهاض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لماذا ﻻ يعتبر دم الإجهاض للجنين الذي لم يتخلق بعد نفاساً أو حيضاً في حين أن المصدر والسبب واحد؛ أي سقوط بطانة الرحم؟ وما الدليل؟ وهل كانت النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمن بمثل هذا الحمل؟ أم كن يعتبرنه حيضًا لعدم خروج جنين ولعدم توفر الوسائل الحديثة لمعرفة الحمل؟ عذراً للإطالة ولكن لأهمية الموضوع.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فليس هناك دليل من النقل – فيما وقفت عليه من كلام الفقهاء – على التفرقة بين الدم الناتج عن الإجهاض بعد التخليق والدم الذي يكون عن إجهاض قبل تخلق النطفة، ومعلوم أن كثيراً من مسائل الفقه ليس لها دليل خاص بل الفقهاء يقيسون النظير على النظير ويلحقون الأشباه ببعضها؛ لأن النصوص متناهية والحوادث لا تتناهى، لكن إذا ثبت علمياً ما ذكر في السؤال فإنه لا مانع من الاستئناس به عند إصدار الفتوى أو الحكم الشرعي.
وخلاصة ما في المسألة أن الفقهاء رحمهم الله قد اختلف قولهم في القدر الذي يعتبر به الدم الخارج بعد خروج السقط نفاسا؛ فذهب الحنفية رحمهم الله إلى أن ظهور بعض خلق الإنسان كأصبع أو ظفر يثبت به حكم النفاس، وذهب الشافعية رحمهم الله إلى أن وضع العلقة والمضغة يثبت به النفاس، قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: لا يشترط في ثبوت حكم النفاس أن يكون الولد كامل الخلقة ولا حيا، بل لو وضعت ميتاً أو لحما تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور وقال القوابل: إنه لحم آدمي ثبت حكم النفاس هكذا صرح به المتولي وآخرون، وقال الماوردي: ضابطه أن تضع ما تنقضي به العدة وتصير به أم ولد.ا.ه.
وأما المالكية فيقولون: يكفي في ذلك إذا وضعت ما لو صب عليه ماء ساخن لم يؤثر في تجمعه، قال الدرديرفي شرحه لمختصر خليل: (وإن) كان الحمل (دما اجتمع) وعلامة كونه حملا أنه إذا صب عليه الماء الحار لم يذب.ا.ه. أما الحنابلة فلا يثبتون النفاس إلا بعد التخلق الذي يكون في إحدى وثمانين ليلة. قال المرداوي في الإنصاف: يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان، على الصحيح من المذهب، ونص عليه، قال ابن تميم، وابن حمدان وغيرهما: ومدة تبين خلق الإنسان غالباً ثلاثة أشهر، وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب العدد: وأقل ما يتبين به الولد: واحد وثمانون يوماً، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس.ا.ه. والعلم عند الله تعالى.