رشوة لنيل رخصة
في بلادنا للحصول على رخصة قيادة السيارة يتطلب الأمر امتحانا نظرياً وعملياً، وهذا هو السائد في كل البلاد تقريبا، لكن سؤالي هو أن البعض ممن هم مسئولون عن هذه الامتحانات يضعون عقبات أمام بعض الممتحنين، بأن يطلبوا منهم رشوة أو غير ذلك؟ فما حكم ذلك؟ سأضع مثالاً لكي يتضح مقصدي:
أدخل إدارة المرور وأسجل للامتحان وأدفع رسومي كاملة، وأجلس للامتحانات النظرية وأمتحنها ومن ثم أتوجه للامتحان العملي لقيادة السيارة في الشارع، فتنجح في الامتحان العملي، ولكن الضابط المسئول يطلب منك مبلغاً من المال لتسهيل أمورك (دائماً ما يعللون طلب المال بهذا الاسم، علماً بأنه من المفترض أن يذهب بملفك ويسجلك ناجحاً في الامتحان)، وإن لم تدفع له يقوم بترسيبك في الامتحان. فهل يجوز الدفع لمثل هذا الرجل؟
أحياناً يكون للبعض أقرباء في إدارة المرور، ويقولون لك أعطنا مثلا (1500 ريال) علماً بأن ثمن الرخصة (1000 ريال) وهم يستخرجونها لي بصورة رسمية، فقط لا أذهب لأي امتحان؟ هل يجوز ذلك؟
سمعت البعض يقول: إن بعض علماء دولتنا جوزوا تجاوز مثل هذه الأمور بدفع المال حتى لو كان رشوة، كيف يكون ذلك الكلام؟
كذلك من الأمور مسألة الخدمة المدنية والتي يقوم بها الطالب بعد انتهائه من الجامعة، وهي شرط من شروط الدولة لاستخراج الشهادة الجامعية، لي أصدقاء يقولون إنه في مثل هذه الأمور يجوز دفع المال لبعض المعنيين بمثل هذه الأمور ليستخرجوا لهم أوراقهم اللازمة ومن ثم يستطيعون استخراج شهادتهم الجامعية، علماً بأن فترة هذه الخدمة هي سنة كاملة ولا يعطى فيها المتدرب أجراً كافياً لقوت شهره بل أقل من ذلك بكثير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فهذا سؤال عن الرشوة، وهي دفع مال لموظف أو عامل في مقابل أن يعطيك ما لا تستحق أو يمنع عنك ما وجب عليك، وهي التي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطرافها جميعاً؛ فثبت عنه أنه قال {لعن الله الراشي والمرتشي والرائش} والرائش هو الواسطة بين الراشي والمرتشي؛ فهي من كبائر الذنوب والموبقات العظام التي نهى الله عنها، ويجب على المسلم اجتنابها والنأي عنها أخذاً أو إعطاء.
لكن لو أحاطت بالإنسان ضرورة من ظلم يقع عليه أو حق يُمنع منه؛ فإنه يجوز له دفع تلك الرشوة ليحصل على ما وجب له، أو يدفع عن نفسه ظلماً قد حاق به، وقد ذكروا أن ابن مسعود رضي الله عنه حين كان بالحبشة قد دفع ديناراً ليخلى سبيله بعدما تعرض له بعض الظلمة. قال الإمام الخطابي رحمه الله في شرح قوله عليه الصلاة والسلام {لعن الله الراشي والمرتشي}: وإنما يلحقهما العقوبة معاً إذا استويا في القصد والإرادة فرشا المعطي لينال به باطلاً ويتوصل به إلى ظلم ، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد .
وروي أن ابن مسعود أخذ في شيء وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله. وروي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء أنهم قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم.
وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه اما على حق يلزمه أداؤه فلا يفعل ذلك حتى يُرشا أو عمل باطل يجب عليه تركه فلا يتركه حتى يصانع ويرشا.ا.هــــــــــ
وعليه فإن الواجب عليكم تجنب دفع الرشوة، ولو أدى ذلك إلى تأخيركم بعض الوقت، وكذلك يحرم على أولئك الشُّرَط المطالبة بالرشوة أو الرضا بها، لكن من أحاطت به ضرورة وكان في تأخير استصدار الرخصة ضرر عليه، فله مندوحة في فتوى أولئك الراسخين، والله تعالى أعلم.