العقيدة

أعاني من الوسواس في العقيدة

أنا يا شيخ أعاني من اضطراب حاد منذ فترة فأصبحت تنتابني أحاسيس وساوس أظلمت عليَّ حياتي لقد بدأت بسؤال حول ذات الله وانتهت في الشك في العقيدة كلها وهي لا تفارق فكري أبدا وهذا يقلقني جدا وخوفي كبير لدرجة أنني أتمنى الموت لأن الموت أهون علي من الفترة التي أمر بها فأرجو منك يا شيخ إفادتي في هذه المصيبة مع العلم أنني أصلي؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فالوسوسة هي ما يلقيه الشيطان في القلب من الخطرات الرديئة وعمل الشر، فيحرص الشيطان ـ قاتله الله ـ على أن يلقي الشكوك في قلب المسلم تجاه ربه جل جلاله ونبيه صلى الله عليه وسلم وكتابه الكريم؛ تارة بصور رديئة وأخرى بألفاظ خبيثة؛ حتى إن المرء ليقع في حيرة من أمره أهو مؤمن حقاً؟ أم في إيمانه شك؟ ولا بد أن يعلم الناس أنه ليس في الأمر جديد؛ فقد شكا الصحابة رضي الله عنهم وهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها هدياً وأقلها تكلفاً من مثل هذا؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال {وقد وجدتموه؟} قالوا: نعم، قال {ذاك صريح الإيمان} وأحياناً تكون الوسوسة في قضية الخلق، هل للعالم خالق؟ فمن خلق الخالق؟ وهذه أيضاً يعاني منها الناس من قديم، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المخرج منها، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله} والسلف الصالحون رضي الله عنهم كانوا يهوِّنون من شأن خواطر السوء هذه، ويعدونها أمراً عادياً لا تستحق الوقوف عندها؛ فقد سأل أبو زحيل عبدَ الله بنَ عباس رضي الله عنهما فقال: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيءٌ من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِك} فقال لي: إذا وجدت من نفسك شيئاً فقل {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. رواه أبو داود وسنده جيد

واعلم ـ أخي ـ أن الوسوسة لا يؤاخذك الله بها؛ لأنها بسبب خارج عن إرادتك؛ وقد قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا نكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا تكلف نفس إلا وسعها} وقال {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} وقال {فاتقوا الله ما استطعتم} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم} وهذا في الحالات العادية فكيف بالمبتلى بالوسواس، الذي لا يملك له دفعاً إلا أن يشاء الله رب العالمين. فلا يهولنك ما تجد في نفسك، واعلم بأن الوسواس ما تسلط عليك إلا لكونك مؤمناً بالله واليوم الآخر.

وعليك ـ أخي ـ أن تكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن والمشاركة في المجالس الطيبة ومعاشرة الصالحين من عباد الله، والجأ إلى الله بالدعاء ليعافيك مما أنت فيه، وأسأل الله لك شفاء عاجلاً غير آجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى